قبل عدة أيام كان هناك نقاش في مكان تعليمي، الكل يبدي رأيه بحرية، والكل كان متفق على أمر ما، وإذ بأحد المتواجدين في هذا النقاش أبدى رأيه (بطريقته) وهو يقول : مع احترامي لوجهة نظركم وتأييدي لبعض ما اتفقتم عليه إلا أنني أرى في بعض الأمور كذا)، وأكمل رأيه بكل لغة ودّية، حينها همّ البعض لمواجهته* بلغة لا تليق بهكذا نقاش، بل ابتعدنا كل البعد عن موضوع النقاش، فالشخص انسحب، وإذ بأحدهم يهدئ الوضع ويقول للمتواجدين : هو لم يخالفكم وإنما ناقشكم، يأخذ منكم ويعطيكم، حدثكم بلغة مهذبة تليق باسم المناقشة، والكل هنا له حرية ابداء الرأي سواء اتفقت معه أو لم تتفق.. الخ آخر الأحداث.
لماذا ننسحب؟؟
1. في بعض الأحيان قد تواجه أشخاص يسعون فقط لرفض أي رأي لا النقاش أو التشاور أو السماع للآراء، بل يعتبرون نقاشك حول رأيهم تقليل من شأنهم، ومن هنا نبدأ الخروج من صلب الموضوع وينسى برمته، إذ نبدأ وكأننا في حلبة مصارعة فريق يشجّع ومجموعة تتصارع، وهنا يجب عليك الانسحاب؛ لأنه هذه الفئة لا تفهم بأن المناقشة أخذ وعطاء بل تفهمها تقليل شأن.
2. كثير من الأشخاص المتعصبين حول رأيهم لا يتقبلون أبدًا فكرة المناقشة في جزء بسيط من فكرتهم أو رأيهم، وهذا* سببه نظرتهم المحدودة، أي كثير ما يطرحون فكرتهم على حسب بيئتهم ومعطياتها، وعندما يأتي أحد لمناقشتهم بمعطيات بيئته لا يقبلون ذلك أبدًا وكأن آرائهم قطعية الثبوت لا مساس فيها، وهنا انسحب لأنه لو اكملت النقاش معهم قد يتحول إلى بغضاء.
3. هناك فرق في أن تناقش شخص مثقف قارئ* في كل المجالات و مواقف الحياة وتجاربها، يحرك عقله ينظر لوجهة نظرك من مجالات عدة ويناقشك برأيه ويستند لثوابت تدعم ما يقول، وتأتي تناقش شخص يعتمد على رأي شخصي دون أي ثوابت يستند عليها، هنا لا أقول انسحب فقط وإنما لا تناقشه بعد الآن لأنه لا جدوى من هذه المناقشة.
4. انسحب فوراً إذا كانت لغة النقاش لا يتقبلها العقل السليم، واترك لهم صراعهم مع الكلمات والجمل المنمقة المحفوظة، فالغة النقاش أكبر وأعظم من لغتهم التي تعكس مدى رقي شخصياتهم.
أخيرًا...
اقرأ آراء الآخرين بعقلك لتستطيع التفريق، وناقش لكي تأخذ المفيد
وإذا فقدت المناقشة آدابها انسحب تكريمًا لها
وأعلم أن الانسحاب ليس ضعف، وإنما تكريم لعقل واعي تحمله.