على رشفة قهوة ساخنة..
عندما وعدته في المرة الماضية أن أزوره ، وألتقي به مجددًا كان حديثنا على رشفة قهوة ساخنة في مجلسه الشعبي القديم.
توجد أدراج ، بها بضع أوانٍ فخارية مكسورة ، وأوانٍ قديمة قد عفا عليها الزمن ، وجحلة قد عُلِّقت في أحد أركانه ،
وسمة قد عُلقت بجانب الجحلة ؛ لتعطي للزائر والمقيم فكرة عما كانوا يستخدمونه في الماضي، وكذلك للمحافظة على التراث العريق.
صديقي..
تنحنح كعادته عندما بدأ حديثه الشائق وحكاياته الكابوسية. أتذكر حينها أنني كُنتُ أجلس بجانبه متكئًا على عصاي التي ورثتها عن جدي - رحمة الله عليه-
إنها عصًا من خشب الصندل الخالص ، بها بعض الخدشات، بسبب أن جَدِّي كان يهشُّ بها على غنمه ، وبعضها من قسوة ضربه بتأديب أبنائه ،
وتُعيدُ بها ذكرياتي ذات يوم عندما ضرب ابنه سليمان ، وهو أكبر أبنائه ، أشبعه ضربا لم يُنسه ما حيّ بسبب أنه لم يسقِ الجلبة ،
ولم يرد الغيز لكي يصل الماء إلى الضاحية الأخرى.
بعد الرشفة الساخنة..
حدثني قائلا:
يابُنَيَّ في هذا الزمن عِشْ دنياك
لا ، لا تحاول تفهم اللي حواليك
فكِّر في شخص طول العمر يفداك
واترك بقايا حكْي ما أظن يعنيك
تكشف لك الأيام من كان يهواك
ومن هو يمثل دور إنسان يغليك
ناس نسوك وناس ناسيين نسياك
وناس تناسوا ناس ناسيين ناسيك.
ما أن أكمل آخر كلماته حتى أنقضَّ إلينا صوتٌ ليس بصوت رعد أو صفير إطارات على الأسفلت ،
بل هو صوت أحدهم يصرخ ويتألم حتى هرعنا لمساعدته، ومعرفة ما يدور في حنايا المنطقة السكنية .
صوت أشبه بصوت أسد جائع أو صوت كلب مسعور، انقض على أحدهم ،
وما أن وصلنا مكان الصوت حتى تذكر صديقي الودود أن هذا الصوت صادر من أحدهم قد مُسَّ بمسٍّ شيطاني
بسبب من الأسباب داعيًا له بالشفاء ، والمُعين من رب العباد.