أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
يُعدّ تنفيذ العقوبة المرحلة الأخيرة والأهم لتحقيق العدالة الجنائية، لكن الواقع العملي للسجون أفرز العديد من الأضرار الاجتماعية التي تلحق غالبا بالمحكوم عليه، وذلك من خلال مخالطته للمجرمين.
واتجه فقهاء القانون الجنائي وعلم الإجرام إلى استحداث أنظمة تضمن إعادة الاندماج الاجتماعي للمحبوسين من خلال استحداث آليات وأساليب لمعاملة المحكوم عليهم، ومن أبرز هذه الأنظمة هو نظام الإفراج الشرطي.
وفي هذه الزاوية عبر “أثير” سنجيب على أبرز التساؤلات حول ماهية الإفراج الشرطي وأحكامه وفقا للقانون العماني.
تعريف الإفراج الشرطي:
هو إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انتهاء مدة عقوبته إذا توافرت شروط معينة، إطلاقا مقيدا للحرية ومعلقا على شرط الوفاء بالالتزامات المفروضة. وتختلف المدة التي يجب أن يقضيها في المؤسسة العقابية من تشريع إلى آخر، ففي التشريع العماني يجب أن يقضي المحكوم عليه ثلثي مدة العقوبة بحيث لا تقل عن تسعة أشهر، وإذا كانت العقوبة هي السجن المطلق فلا يجوز الإفراج إلا إذا أمضى المحكوم عليه في السجن عشرين سنة على الأقل.
احكام الإفراج الشرطي:
نظم المشرع العماني نظام الإفراج الشرطي في قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 79/1999 في المادتين (309) و(310)، وقانون السجون الصادر بالمرسوم 48/1998 في المواد (52) و(53) و(54) تحت مسمى نظام الإفراج تحت الشرط. والهدف من هذا النظام هو أن يفرج عن المحكوم عليه نهائيا قبل انتهاء مدة العقوبة بفترة محددة إذا كان سلوكه أثناء وجوده في السجن يدعو إلى الثقة بتقويم بنفسه وذلك ما لم يكن في الإفراج عنه خطر على الأمن العام.
ولا يعني الإفراج الشرطي انتهاء العقوبة السالبة للحرية وإنما تغيير فقط في طريقة تنفيذ العقوبة فبعد أن كان ينفذها في وسط مغلق سالب للحرية، أصبح يتم في وسط حر يكتفي فيه بتقييد تلك الحرية. وبالتالي يخضع المفرج عنه تحت شرط خلال باقي المدة المحكوم بها عليه للشروط والأحكام المنصوص عليها في قانون السجون.
فما الشروط التي يجب على المفرج عنه مراعاتها؟
بعد أن يصدر أمر الإفراج تحت شرط بقرار من مدير عام السجون بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من المفتش العام للشرطة والجمارك، يكون الإفراج تحت شرط وفقا لأحكام لقانون الإجراءات الجزائية وقانون السجون وعلى المفرج عنه مراعاة الشروط الآتية:
أ- أن يكون حسن السيرة والسلوك وألا يتصل بذوي السيرة السيئة.
ب- أن يسعى بصفة جدية للتعيش من عمل مشروع.
ج- أن يقيم في الجهة التي يختارها ما لم يحدد قرار الإفراج جهة معينة.
د- ألا يغير مكان إقامته إلا بعد إخطار مركز الشرطة المختص، وعليه أن يقدم نفسه إلى مركز الشرطة في البلد الذي ينتقل إليه فور وصوله.
هـ- أن يقدم نفسه إلى مركز الشرطة التابع له محل إقامته في المواعيد المحددة لذلك.
إذا خالف المحكوم عليه أحد الشروط التي تم الإفراج على أساسها، يجوز إلغاء الإفراج تحت شرط، ويعاد إلى المؤسسة العقابية ليستوفي باقي مدة العقوبة المحكوم بها. أما إذا انتهت مدة الإفراج الشرطي دون أن يرتكب المحكوم عليه جريمة أو سلوك يبرر إلغاء الإفراج تحت شرط يُعدّ كأنه نفذ كل مدة العقوبة ويصبح الإفراج نهائيا.
ونظمت هذا الأمر المادة (53) من قانون السجون بنصها على أنه “إذا لم يلغ الإفراج تحت شرط حتى التاريخ الذي كان مقررا لإنهاء مدة العقوبة المحكوم بها أصبح الإفراج نهائيا، فإذا كانت العقوبة المحكوم بها هي السجن المطلق أصبح الإفراج نهائيا بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الإفراج المؤقت، وإذا حكم في أي وقت على المفرج عنه في جناية أو جنحة من نوع الجريمة السابق الحكم عليه من أجلها يكون قد ارتكبها في المدة السابقة جاز إلغاء الإفراج إذا لم تكن قد مضت خمس سنوات من تاريخ الحكم الثاني.”، كما تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز الإفراج تحت شرط إلا إذا أوفى المحكوم عليه بالالتزامات المالية المحكوم بها في الجريمة وذلك ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء بها.
والسؤال الذي يمكن أن يتبادر في الذهن هو: هل يمكن أن يستفيد المحكوم عليه من نظام الإفراج الشرطي مرة أخرى بعد إلغائه في المرة الأولى؟
عالجت المادة (54) من قانون السجون هذا الأمر عندما قررت أنه يجوز بعد إلغاء الإفراج أن يفرج عن النزيل مرة أخرى إذا توافرت شروط الإفراج، وفي هذه الحالة تُعدّ المدة الباقية من العقوبة بعد إلغاء الإفراج كأنها مدة عقوبة محكوم بها؛ أي إنه إذا كانت المدة المحكوم بها السجن المطلق فلا يجوز الإفراج قبل مضي خمس سنوات.
والخلاصة أن نظام الإفراج الشرطي يعد أحد الأنظمة التي نصت عليها تشريعات الدول ضمن البيئة المفتوحة، وهو نظام من خلاله ينفذ المسجون جزءا من العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها عليه داخل المنشآت العقابية على أن يبقى الجزء المتأخر والمتبقي خارج السجن، وذلك تحت شروط مسبقة قانونا.