https://www.gulfupp.com/do.php?img=66508

قائمة المستخدمين المشار إليهم

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 22 من 22

الموضوع: منتدى قصص وسيرة الانبياء

  1. #21
    نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام




    قال الله تبارك وتعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} الآية/85 سورة الأعراف.



    نسبه

    قيل هو شعيب بن ميكيل بن يَشجر بن مدين من ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل هو ابن بنت نبي الله لوط، وقيل غير ذلك، وإن أمه بنت لوط، وهو من الأنبياء الأربعة العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عند ذكر الأنبياء والرسل:" أربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر" رواه ابن حبان.وكان مشهورًا بالفصاحة وعلو العبارة، وببلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان والإسلام.


    عدد مرات ذكره عليه السلام في القرءان الكريم



    ذُكر نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام في القرءان عشر مرات، في سورة الأعراف وفي سورة هود وفي سورة الشعراء وفي سورة العنكبوت.



    قبيلة مدين ومكان إقامتهم



    كان أهل مدين قومًا عربًا يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهة الشام قريبًا من خليج العقبة من الجهة الشمالية، ومدينتهم"مدين" كانت قريبة من أرض مَعان من أطراف الشام وهي قريبة من بحيرة قوم لوط وكانوا بعدهم بمدة قريبة لقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ}سورة هود، ومدين قبيلة عرفت بهم وهم من بني مدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.وكانوا على دين إبراهيم – الإسلام- الذي هو دين جميع الأنبياء ولكنه لم يطل بهم العهد حت غيّروا دينهم الحق وكفروا بالله وعبدوا غير الله، وانحرفوا عن الصراط المستقيم فغرتهم الحياة الدنيا ومتاعها الفاني، فقد كانوا أصحاب تجارة وسلع وكانوا على الجادة التجارية الكبيرة بين اليمن والشام وبين العراق ومصر على ساحل البحر الأحمر ولكنّ حبّ المال سيطر على قلوبهم وأعماهم عن اتباع الحق، فقد كانوا يعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حَوْلها غيضة وهي أشجار ملتفة على بعضها، وزيادة على كفرهم وضلالهم فقد كانوا ينقصون المكيال والميزان ويُطففون فيهما، أي يأخذون مع الزيادة ويدفعون مع النقصان ويأكلون المال الحرام. ولم يكتفوا بهذه المعاملة السيئة بل كانوا يقطعون الطريق على المارة، ويتعرضون للقوافل فيتوعدونها ويخيفونها ويعيثون في الأرض فسادًا.

    إرسال نبي الله شعيب إلى قبيلة مدين ودعوته قومه إلى دين الإسلام


    وسط هذا المجتمع الفاسد والكفر والضلال الذي كانت تعيش فيه قبيلة مدين حيث كانوا يُفسدون في الأرض ولا يصلحون، بعث الله فيهم رجلًا منهم هو رسول الله شعيب عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له لأنه هو الذي يستحق العبادة وحده دون غيره، ونهاهم عليه السلام عن المفاسد والأفاعيل القبيحة التي كانوا واقعين فيها، وأمرهم بالعدل والميزان بالقسط وأن لا يبخسوا الناس حقوقهم، وأن لا يقطعوا الطرق على المارة ويأخذوا أموال الناس بالباطل.قال الله تبارك وتعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ* وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}سورة هود.




    دعوة شعيب قومه إلى الإسلام

    دعا نبي الله شعيب عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غير الله ونهاهم عن الظلم والفساد وأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق النقص في المكيال والميزان، ولكن لم يؤمن بدعوته إلا العدد القليل من قومه مع أنهم كانوا في بحبوحة العيش والرزق، فقد بسط الله عليهم الرزق في عيشهم استدراجًا منه لهم وابتلاءً مع كفرهم بالله سبحانه وتعالى وعدم شكرهم لله على ما أعطاهم ورزقهم من النعم الوفيرة. وقد بيّن لهم نبيهم وذكّرهم بما وسَّع الله عليهم من الخير والرزق علّهم يقبلون دعوته فيعبدون الله وحده ولا ينقصون المكيال والميزان وينتهون عن الفساد في الأرض، قال الله تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ
    إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}سورة الأعراف.
    فأمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم من أجل حب المال وتكثيره، وتوعدهم بالعذاب الأليم الذي ينتظرهم إن هم استمروا على كفرهم بالله ولم يؤمنوا بدعوته واستمروا على ظلم الناس وأخذهم أموالهم بالباطل وقطعهم الطرق على المارة فقال لهم:{وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ}سورة الأعراف، أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم وبذلك تخيفون المارة وترعبونهم، وحذرهم نبي الله عن صد الناس عن الإيمان وإيذاء المؤمنين مع هذا الفساد في الأرض الذي كانوا يمارسونه والجرائم التي كانوا يرتكبونها، قال تعالى إخبارًا عن نبيه عليه السلام فيما نهى عنه قومه وحذرهم: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}سورة الأعراف.فقد ذكرهم شعيب عليه السلام نعمة الله عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذرهم نقمة الله بهم وعذابه الأليم الذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة إن هم خالفوا أمره واستمروا على ضلالهم وبذلك يخسرون الدنيا والآخرة ويبوءون بالصفقة الخاسرة، وذلك هو الخسران المبين.

    وأخذ نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام يبسط لقومه في الكلام وهو يدعوهم للمعروف وينهاهم عن المنكر والفساد فأراد أن يخرجهم من التعلق بالدنيا وزخارفها ويُبين لهم أن أخذ المال وجمعه بالحلال خير لهم من أخذه بالظلم والخيانة وبطرق الحرام فقال لهم برفق وحكمة:{بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}سورة هود، أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم إن كنتم مؤمنين من أخذ أموال الناس بالتطفيف والظلم والخيانة.والقليل من الحلال الطيب خير من الكثير من الحرام الخبيث، وذلك لأن الحلال مبارك فيه وإن قلّ، والحرام ممحوقٌ لا بركة فيه وإن كثر، كما قال تعالى:{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} سورة البقرة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قُلّ" أي إلى قلة، رواه أحمد.فأراد شعيب عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أنه ناصحٌ لهم فيما دعاهم إليه ونصيحته إليهم خالصة لله وما هو عليهم بحفيظ وأما الله تبارك وتعالى فهو الرقيب عليهم في جميع تصرفاتهم وأعمالهم العليم بأحوالهم لا تخفى عليه خافية لأنه هو الذي خلقهم، قال تعالى:{وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}سورة هود.جواب قومه وكيف واجهوا دعوته

    واجه قوم شعيب دعوته عليه الصلاة والسلام بعد كل هذه المحاولات والنصائح بالسخرية والاستهزاء وعدم الاستجابة لدعوته والتكبر عن اتباع الحق وقالوا له على سبيل التهكم والاستهزاء:{أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}سورة هود.أي أصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن نترك ما كان يعبد ءاباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون ونعبد الله وحده، وألا نتعامل في أموالنا كيف نشاء وكما نريد فنترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها، وهذا منتهى السفه والعمى والتكبر عن اتباع الحق الذي جاء به نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام وأمر قومه باتباعه، حتى إن قومه الخبثاء قالوا له على وجه الاستهزاء والسخرية {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} وإزاء هذا الاستهزاء والعناد والضلال الذي واجه به قوم مدين نبيهم شعيبًا عليه السلام استمر نبي الله شعيب يدعوهم إلى الحق والهدى بأبين إشارة وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}سورة هود.

    ثم انتقل نبي الله شعيب في دعوته لقومه إلى نوع ءاخر من الترهيب فقال لهم:{وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ}سورة هود.أي لا يحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم ومخالفتكم لما جئتكم به من الهدى والحق، فيُحل الله بكم العذاب والنكال نظير ما أحله بأمثالكم وأشباهكم من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين لأنبيائهم. ثم قال لهم{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ}سورة هود، معناه في الزمان أي لقد بلغكم ما حلّ بقوم لوط الذين كذبوا نبيهم لوطًا عليه السلام جزاءً لكفرهم وعتوهم وتكبرهم عن اتباع نبيهم لوط، ثم رغبهم بالتوبة إلى الله بالدخول في دين الإسلام فقال لهم:{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}سورة هود، أي أقلعوا عما أنتم فيه من الكفر وعبادة غير الله وادخلوا في دين الإسلام وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود فإنه من تاب إلى الله تاب عليه فإنه رحيم بعباده وهو الودود الذي يحب عباده المؤمنين ويحبه عباده المؤمنون.فائدة: إن قول شعيب لقومه{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}سورة هود، ليس المقصود به أن يقولوا أستغفر الله لتقبل توبتهم عند الله، وإنما المعنى: ادخلوا في دين الإسلام ليغفر لكم الكفر، قال تعالى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}بيَّنت هذه الآية أن استغفار الكافر أن يقلع عن كفره فيؤمن بالله ورسوله لأن قول أستغفر الله لا ينفع من كفر بل يزيده كفرًا لأن معنى قوله أستغفر الله تكذيب لله لأن الله أخبر في القرءان بأنه لا يغفر للكافر ما دام على كفره لأن توبة الكافر تكون بالدخول في دين الإسلام ولا تكون بقول أستغفر الله، يقول تعالى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}سورة الأنفال.


    استمرار قوم شعيب على ضلالهم وتجاهلهم دعوة نبي الله وتهديده بالقتلرغم المحاولات العديدة والأساليب المختلفة التي بذلها نبي الله شعيب في دعوة قومه إلى الدين الحق وترك المنكرات والقبائح التي كانوا يفعلونها، تجاهل قومه الخبثاء دعوته واستمروا على جهلهم وضلالهم وكفرهم وردوا عليه بالسخرية والاستهزاء.قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن قوم شعيب:{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}سورة هود.ويُشبه هذا الذي ردوا به على نبيهم ما قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}سورة فصلت.ولم يكتفوا باستكبارهم عن اتباع الحق الذي جاء به نبيهم بل واجهوه بأنهم لولا عشيرته وقبيلته لرجموه بالحجارة حتى القتل وتخلصوا منه، فقال لقومه:{أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}سورة هود، أي أتخافون من قبيلتي وعشيرتي وتراعونني بسببهم وخوفًا منهم ولا تخافون عذاب الله، وجعلتم أمر الله وراء ظهوركم لجهلكم وتكبركم، والله سبحانه عليم بما تعملونه لا يخفى عليه شيء، محيط بذلك كله وسيجزيكم عليه يوم القيامة.

    إهلاك قوم شعيب وسوء عاقبتهم

    تمادى قوم نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام في غيّهم وضلالهم، واستمروا على عنادهم في تكذيب نبيهم ورد دعوته، ولم يردهم تذكير نبيهم شعيب ونصيحتهم عن بغيهم وظلمهم وتكبرهم، بل إنهم استمروا على تكذيبه واستهزءوا بما توعدهم به من العذاب الأليم، فإنهم قالوا له:{قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}سورة الشعراء،{وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ}سورة الأعراف.ولما رأى نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام عناد قومه وتصميمهم على تكذيبه ورد دعوته، عند ذلك استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه من العذاب، ودعا الله مجيب الدعوات عليهم فقال:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}سورة الأعراف.فأنزل الله القوي المتين العذابَ الشديد على قوم شعيب وجعلهم عبرةً لمن اعتبر، قال الله تعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}سورة الأعراف، أي رجفت بهم أرضهم وزُلزلت بمشيئة الله وقدرته زلزالًا شديدًا أزهقت جُثثهم جاثيةً لا أرواح فيها ولا حركات ولا حواس، ولقد جمع الله العزيز المنتقم على قوم شعيب الذين كذبوا نبيه وءاذوه أنواعًا من العقوبات وأشكالًا من البليات، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات ولما صمموا عليه من أنواع الكفر والضلال، فقد سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت حركاتهم، وصيحة عظيمة أخمدت أصواتهم، وظُلّة سحابٍ أرسل عليهم منها شرر النار الملتهبة في سائر جهاتهم فأهلكوا جميعهم، يقول الله عز وجل:{فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}سورة الشعراء، وذلك أنهم أصابهم حرٌّ شديد وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام، فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب، فهربوا من محلتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة فوجدوا لها بردًا ولذة فنادى بعضهم بعضًا، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيها أرسلها الله العزيز القوي عليهم ترميهم بشرر وشُهُبٍ، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة قوية من السماء فأزهقت أرواحهم، والله عزيز ذو انتقام، يقول تعالى في محكم تنزيله:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}سورة هود.ونجّى الله تبارك وتعالى نبيه وحبيبه شعيبًا عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين ونصرهم على القوم الكافرين يقول تعالى:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}سورة غافر.

    وأعرض نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام عن قومه بعد أن أهلكهم الله بهذا العذاب الأليم، ونعاهم إلى أنفسهم مُوَبِّخًا ومُؤنبًا ومقرّعًا قال الله تبارك وتعالى:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}سورة الأعراف، المعنى لقد أديتُ ما كان واجبًا عليّ من البلاغ التام والنصح الكامل، وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه فلم تنتفعوا بذلك، ولستُ أتأسف وأحزن بعد هذا عليكم، ذلك لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة.


    وفاة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام

    وقد عاش سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلّغ ما أمره الله بتبليغه، وجاهد في الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام في الأردن ودفن فيها وقبره هناك في وادٍ يسمى بوادي شعيب، وهو مقام معروف ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم. والله أعلم.
    الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك

    •   Alt 

       

  2. #22
    أيوب عليه السلام

    نسبه


    يرجع نسب أيوب عليه السلام حسب ابن إسحاق إلى الروم، وهو أيوب بن موص بن رازخ بن روم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. وقال غيره: هو أيوب بن موص بن رغويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب، وقيل غير ذلك في نسبه. وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط، وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقى في النار فلم تحرقه والمشهور الأول لأنه من ذرية بإبراهيم كما قررنا عند قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
    بحسب الايمان الإسلامي فانه نبي ورسول بعثه الله للأدوميين، وبحسب ما ترويه الإسرائيليات ، وبعض الناسبون العرب أن اسمه : أيوب (يوباب) بن زراح بن رعوئيل بن روم بن عيسى بن إسحاق بن إبراهيم، وهو أحد ملوك أدوم.
    قصة أيوب

    كان أيوب رجلاً كثير المال وكان له أولاد وأهل كثير، فاراد الله امتحانه فأخذ منه ذلك جميعه، وابتلاه في جسده بأنواع من البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله في ليله ونهاره، وطال ما به حتى عافه الجليس، واوحش منه الانيس، واخرج من بلده وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، فكانت ترعاه وكانت صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد.
    وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً: حدثنا يونس، عن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن النبي قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول؟ غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلي بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق".


    وكلما اشتدت حاله أكثر كان إيمانه يزداد أيضاً فيشكر الله وإلى أن عافاه الله من علته حيث ذكر القرآن:
    ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾
    فاغتسل بعين ماء نبعت له فشفي من الأمراض الظاهرية وعين شرب منها فشفي من الأمراض الباطنية بإذن الله.
    وكان أيوب وزوجته الكريمة يعيشان في منطقة "حوران".. وقد أنعم الله على أيوب بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراضى كثيرة يزرعها فيخرج منها أطيب الثمار.... كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة.. آلاف من رءوس الأبقار، آلاف رءوس من الأغنام، آلاف من رءوس الماعز وأخرى من الجمال. وفوق ذلك كله أعلى الله مكانته واختاره للنبوة. وكان أيوب ملاذًا وملجئًا للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه كونه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيءًا. ولا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، وبلغ من كرمه أنه لا يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا. هكذا عاش أيوب.. يتفقد العمل في الحقول والمزارع، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم.. وأبناء أيوب يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضي والحقول. و أيوب يشكر الله.. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر. أحب الناسُ أيوب.. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه.. ويساعد الناس جميعاً.. ولم يتكبر بسبب ما لديه من مزارع وحقول وماشية وأولاد.. كان يمكنه أن يعيش في راحة، ولكنه كان يعمل بيده، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل في بيتها.....


    راح الشيطان يوسوس للناس يقول لهم: إن أيوب يعبد الله لأنه أعطاه هذا الخير العميم والفضل الكثير من البنين والبنات والأموال من قطعان الماشية والأراضي الخصبة.. فأيوب يعبد الله لذلك وخوفا على أمواله. ولو كان فقيرًا ما عبد الله ولا سجد له..
    ووجد الشيطان من يسمع له ويصغى لما يقول من وساوس.. فتغيرّت نظرتهم إلى أيوب وأصبحوا يقولون: " إن أيوب لو تعرض لأدنى مصيبة لترك ما هو فيه من الطاعة والإنفاق في سبيل الله.. ألا ترون كثرة أولاده وكثرة أمواله وكثرة أراضيه المثمرة، فلو نزع الله منه هذه الأشياء لترك عبادة الله بل سينسى الله.. ورويدًا رويدًا..
    تحول أهل حوران إلى ناقمين على أيوب بعدما كانوا يحبونه حبا جما... وأصبحوا يرون أيوب من بعيد فيتحدثون عنه بصورة مؤذية. (3)


    بدأت المحنة والابتلاء من الله.. فبينما كان كل شيء يمضي هادئاً.. فأيوب حامدًا شاكرًا ساجدًا لله تعالى على نعمه الكثيرة.. وأولاده ينعمون ويشكرون الله.. والعمال والعبيد يعملون في الأراضي والمزارع.. زوجة أيوب كانت تطحن في الرحى.. وبينما الجميع في عافية من أمره مغتبطًا مسرورًا، إذ وقعت الابتلاءات والمحن.. فجاء أحد العمال يجرى ويصيح: ـ يا سيدي.. يا نبي الله؟!! ـ ماذا حصل؟! تكلم. ـ لقد قتلوهم.. قتلوا جميع رفاقي.. الرعاة والفلاحين.. جميعهم قتلوا وجرت دماؤهم فوق الأرض.. ـ كيف حدث ذلك؟! ـ هاجمنا اللصوص.. وقتلوا من قتلوا وأخذوا ما معنا من ماشية. أيوب أخذ يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون.
    إن الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب.. وأراد أن يبين للناس أن أيوب رجلاً صابرًا محتسبًا ولا يعبده لأنه في غنى وعافية.. في اليوم التالي نزلت الصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لما يملكه أيوب.. وجاء أحد الفلاحين.. كانت ثيابه محترقة وحاله يُرثى له.. هتف أيوب : ـ ماذا حصل؟! ـ النار! يا نبي الله النار!! ـ ماذا حدث؟ ـ احترق كل شيء.. لقد نزل البلاء.. الصواعق أحرقت الحقول والمزارع.. أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله.. كل رفاقي ماتوا احترقوا. قالت زوجة أيوب : ـ ما هذه المصائب المتتالية؟! ـ اصبري يا امرأة.. هذه مشيئة الله. ـ مشيئة الله!! أجل.. لقد حان وقت الامتحان.. ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه. نظر أيوب إلى السماء وقال بضراعة: ـ الهي امنحني الصبر.


    في ذلك اليوم أمر أيوب الخدم والعبيد بمغادرة منزله.. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عمل آخر. وفى اليوم التالى حدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال.. لقد مات جميع أولاده البنين والبنات، حيث اجتمعوا في دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعا.. وازدادت محنة أيوب أكثر وأكثر.. فلقد اُبتلى في صحته.. وانتشرت الدمامل في جسمه.. وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميع. ولم يبق معه سوى زوجته الطيّبة.. أصبح منزله خالياً لا مال له، لا ولد، ولا صحة.. عَلَّمَ أيوبُ زوجته أن هذه مشيئة الله، وعلينا أن نسلّم لأمره.. حاول الشيطان اللعين أن ينال من قلب أيوب، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلا: ماذا فعلت يا أيوب حتى يموت أولادك وتصاب في أموالك، ثم تصاب في صحتك. فاستعاذ أيوب بالله من الشيطان الرجيم.. وتفل على الشيطان الرجيم ففر من أمامه. وكذلك فعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان. وكان أيوب لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة.



    ويأس الشيطان من أيوب وزوجته الصابرين المحتسبين. فاتجه إلى أهل حوران ينفث فيهم الوساوس حتى جعلهم يعتقدون أن أيوب أذنب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة.. ونسج الناسُ الحكايات والقصص حول أيوب.. وتطور الأمرُ أكثر حتى ظنوا أن في بقائه خطرًا عليهم.. وعقدوا العزم أن يخرجوا أيوبَ من أرضهم.. وجاءوا إلى منزله.. ولم يكن معه في منزله سوى زوجته، وقالوا له: نحن نظنّ أن اللعنة قد حلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها.. فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لا نريدك أن تبقى بيننا. غضبت زوجته من هذا الكلام قالت: نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبي الله في بيته وفى عقر داره.. فردُّوا عليها بوقاحة: إذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة.. لقد حلّت بكما اللعنة وستعمّ القرية كلها بسببكما..


    حاول أيوب أن يُفْهِمَ أهل القرية أن هذا امتحان وابتلاء من الله، وأن الله يبتلى الأنبياء ابتلاءات شديدة حتى يكونوا مثلا ونموذجًا لتعليم الناس. قالوا له: ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك. قالت زوجته: أنتم تظلمون نبيكم.. هل نسيتم إحسانه إليكم هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب؟! قال أيوب : يا رب إذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء.. يا رب سامح هؤلاء على جهلهم.. لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم.. هكذا وصلت محنةُ أيوب، حيث جاء أهلُ حوران وأخرجوه من منزله. كانوا يظنّون أن اللعنة قد حلّت به، فخافوا أن تشملهم أيضاً.. نسوا كل إحسان أيوب وطيبته ورحمته بالفقراء والمساكين! لقد سوّل الشيطانُ لهم ذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف والمرض.. لم يبق معه سوى زوجته الوفية.. وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الأنبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً.


    ضاقت الأحوالُ فمات الولدُ وجفَّ الخيرُ وتكاثفت الأمراض والبلايا على جسمه، فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه. وخرجت زوجته تعمل في بيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما.. وكانت زوجة أيوب تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله. وقد أعدت لأيوب عريشًا في الصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهما غير ذلك.

    وظل الحال على ذلك أعواما عديدة وهما صابرين محتسبين. وفى يوم من الأيام.. وبينما كانت الزوجة الصالحة خارج البيت.. مرّ رجلان من أهل حوران - وكانا صديقين له قبل ذلك - توقفا عند أيوب ونظرا إليه، فرأوه على حالته السيئة من المرض والفقر والوحدة.. فقال أحدهما: أأنت أيوب.. سيد الأرض! - ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا؟! وقال الآخر: انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا، فعاقبك الله عليه. تألّم أيوب.. إن الكثيرين يتهمونه بما هو برئ منه. قال أيوب بحزن: وعزّة ربي إنّه ليعلم ببراءتي مما تقولون. تعجّب الرجلان من صبر أيوب، وانصرفا عنه.. وأخذا في طريقهما يفكّران في كلمات أيوب ! أما زوجته الصالحة فقد بحثت عمّن يستخدمها في العمل، ولكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها.. ومع ذلك لم تمدّ يدها لأحد. وتحت ضغط الحاجة والفقر، اضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز. ثم عادت إلى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز وعندما رأى أيوب ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب.. وحلف أن يضربها على ذلك مائة ضربة، ولم يأكل رغيفه.. كان غاضباً من تصرّفها.. ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك.


    ورغم أن زوجة أيوب كانت تطلب منه كثيرا أن يدعو الله لكي يزيح عنه هذا البلاء الذي استمر سنوات عديدة إلا أنه كان يرفض أن يشكو. تحمل المرض والبلايا.. وتحمل اتهامات الناس. لكن بيع زوجته لضفيرتيها هزه من الداخل.. فنظر إلى السماء وقال: يا رب إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب. يا رب بيدك الخير كله والفضل كله وإليك يرجع الأمر كله.. ولكن رحمتك سبقت كل شيء.. فلا أشقى وأنا عبدك الضعيف بين يدك.. يا رب.. مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين.. وهنا.. أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول: نعم العبد أنت يا أيوب.. إن الله يقرئك السلام ويقول: لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين.. اضرب برجلك الأرض يا أيوب.. واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله. غاب الملاك، وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق..


    ارتوى أيوب من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه، وغادره الضعف تماماً. خلع أيوبُ ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به، يملؤها العافية والسؤدد. وشيئاً فشيئاً.. ازدهرت الأرض من حوله وأينعت. عادت الصحة والعافية.. عاد المال.. ودبت الحياة من جديد. عادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحته وعافية، فقالت له باستعطاف: ـ ألم ترَ أيوب.. أيوب نبي الله؟! ـ أنا أيوب. ـ أنت؟! إن زوجي شيخ ضعيف.. ومريض أيضاً! ـ المرض من الله والصحة أيضاً.. وهو سبحانه بيده كل شيء. نعم..


    لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالعافية وأن تنتهي محنتنا! وأمرها أن تغتسل في النبع، لكي تعود إليها نضارتها وشبابها. فاغتسلت في مياه النبع فألبسها الله ثوب الشباب والعافية.. ورزقهما الله بنينا وبنات من جديد.. ووفاء بنذر أيوب أن يضرب زوجته مائة ضربة أمره الله أن يأخذ ضغثا وهو ملء اليد من حشيش البهائم، ثم يضربها به فيوفى يمينه ولا يؤلمها، لأنها امرأة صالحة لا تستحق إلا الخير. كان أيوب واحدًا من عباد الله الشاكرين في الرخاء، الصابرين في البلاء، الأوَّابين إلى الله في كل حال. وعَرِفَ الناسُ جميعًا قصةَ أيوب وأيقنوا أن المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله.. َ ((فأقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الأعراف آية 176



    وسجّل الله قصته في القرآن الكريم ليعتبر بها كل مؤمن: {{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}} سورة الأنبياء: 83 ـ84
    وقال تعالى: {{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ *}} سورة ص: 41 ـ44
    الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م