نـصـك تحـت الضوء .. قـراءة نـقـدية من نـصـوص الأعـضـاء
ثمة فرق كبير جدا جدا بين ( النقد ) و ( الإنتقاد ) ؛ فـ ( النقد ) في مفهومه الأدبي الخالص مرتبط دائما بالنص أو بالعمل الأدبـي أو الفني .. أمـا ( الإنتقاد ) في معناه السلوكي الإجتماعي فهو ملازم عادة لطبيعة العلاقة بين الأفراد بعضهم بعضا وبين الدول أيضا .. فمفردات مثل ( التوبيخ ــ السب ــ التحقير ــ السخرية ــ الإستهزاء ــ التجريح ــ الفضح ــ التشهير ــ الذم ــ التقليل من الشأن .... إلخ ) كلها تدخل بشكل أو بآخر تحت بند ( الإنتقاد ) ولو أقحمنا واحدا منها أو بعضها في عالم ( النقد الأدبي ) سنكون بذلك قد شططنا وظلمنا أنفسنا والنقد أيضا ولضاع الأخير وتاهت بضياعه الغاية الأسمى التي يفترض أن نكون قد جئنا من أجلها كي نكتب مقالا نقديا حول نص أو عمل فني .. فـ ( النقد الأدبي ) يخص عوالم الكتابة الأدبية والفكرية بكل تشعباتها وفروعها المعروفة : شعر ــ قصة ــ رواية ــ خاطرة ــ مسرح ــ فلسفة ــ وكذلك ما يعرف بـ ( نقد النقد ) .... إلخ
و( النقد ) كذلك معني بعوالم الفن بكل ألوانه سواء سينما ــ مسلسل ــ فن تشكيلي ــ نحت ــ عالم الطرب والمطربين والأغاني والألحان والكلمات ... إلخ . كل هذه عوالم وأجواء يرصدها الكاتب أو الناقد أو الفنان بقلمه ووفق رؤيته وثقافته رصدا أمينا منصفا يضيء من خلاله جمالياتها ومكامن السحر والقوة والجاذبية فيها وكذلك يحاول جاهدا وبعيدا عن لغة المجاملات والتملق الشخصي أن يكشف بنزاهة وأمانة أدبية تامة وبإسلوب راقٍ مواضع الخلل أو الضعف أو النكارة أو النقاط الغير مستساغة أو الشاذة أو المفتقرة أدبيا لعناصر الجمال والقوة ، على أن يظل متجنبا كل الاجتناب تحويل قراءته أو إضاءته النقدية للعمل ( نصا كان أم فنا ) إلى ( إستهداف شخصي ) يقصد به وعن عمد متعمد النيل من صاحب العمل وتحقيره وتجريحه ومحاولة إستفزازه بأبشع الكلمات وأحطها ومحاولة تشويه صورته والحط من قيمته وقيمة ما يقدمه قلمه أو موهبته لغرض شرير يريد به هذا ( الناقد المزيف ) وعلى نحو قاصد الإساءة المباشرة أو الغير مباشرة إلى شخص هذا الكاتب أو الفنان .. وبهذا السلوك الغير أخلاقي أولا يكون هذا ( الناقد ) قد خرج من الذوق السلوكي الحضاري العام ومن ثم ثانيا يكون قد خرج من الذوق الأدبي والأخلاق الأدبية الراقية المتعارف عليها بين الأدباء والنقاد في عالم النقد الأدبي أو الفني الخالص النقي والنزيه والحيادي والمترفع دائما عن كل سلوك مشين والمبتعد كل البعد عن الأغراض والمقاصد الدنيئة ذات التوجه الشخصي البحت وكما يقول الشاعر الكبير ألبير كامو : ( دع وجهي واهتم بنصي ) ..
وبما أنني بصدد وضع مشروع للقراءة النقدية هنا في ( سبلة الشعر ) فقد فكرت مليا في هذا الأمر ليقيني أن كلمة ( نقد ) مزعجة جدا للكثيرين منا خصوصا إذا فسرناها تفسيرا سطحيا أجوفا ومغلوطا فيه ومغرقا بالنوازع النفسية وبردات فعل داخلية سلبية وبتخيلات مخيفة أو مقلقة أو تترقب شيئا مزعجا وغير مرغوب فيه .. وأنا أعرف أن هذه الفكرة ربما لمجرد عرضها فقط هنا قد تثير ( تحسسات ) بعض الأخوة والأخوات وربما وعلى نحو متسرع يفسرون هذا المشروع ــ على تواضعه الشديد ــ على أنه مخطط لتحطيم الأقلام وتهميش ما يتم نشره من نصوص أدبية .. وهذا الشعور الوهمي الخاطىء لا يجيء أبدا ولا يترسخ في الذهن إلا إذا فسرنا ( النقد ) كما قلت تفسيرا ( سلوكيا ) وليس ( أدبيا خاصا بالنص وللنص ) .. وللعلم فإن كلمة ( نقد ) أصبحت الآن مستهجنة أو غير مستحبة في مجتمع النقاد أو النقد المعاصر والغالبية وضعت لهذه الكلمة الثقيلة جدا على السمع والنفس بدائل ومصطلحات جديدة تناسب نفسية هذا العصر الكثير التوتر والسريع الانفعال والتشنج .. فصرنا نقرأ ونسمع بكلمة ( إضاءة نقدية ــ دراسة نقدية ــ قراءة تحليلية ــ قراءة في نص ــ نص تحت الضوء ــ الدلالية في النص ــ العالم الكامن في نصوص الأديب فلان أو الشاعرة فلانة .... إلخ ) فأنت في دراستك النقدية هذه تضيء عوالم النص وتبين مواضع الجمال فيه وتظهر النسيج البنائي الداخلي أو ما يعرف بـ ( نفسية أو سيكيولوجية النص ) وماذا يريد أن يقول الكاتب والظروف الدافعة وراء صرخة نصه بتعبير تروتسكي .. وقد تقدم في دراستك هذه قراءة شاملة لعمل أدبي كامل ( كتاب ) لكاتب معين أو لشاعر تتعرف من خلال نصوصه على طبيعة ما يكتب وما يريد أن يوصل للعالم من رسالة وكذلك نقاط الضعف والقوة ودرجات الجودة في كتاباته والميول التي تتجه فيها نصوصه ..
في مشروع ( نـصـك تحـت الضـوء .. قــراءة نـقـدية من نـصـوص الأعـضــاء ) سأقوم ــ إن شاء الله ــ بعمل قراءة أو إضاءة نقدية لنصوص شعرية سأختارها من واقع ما يتم نشره هنا بـ ( سبلة الشعر ) بالسبلة العمانية من قصائد .. أي أنني لن أذهب بعيدا وأجيء لي بنص شعري لشاعر أو لشاعرة من خارج السبلة .. وقد
راعيت في هذا الإختيار للنصوص الجوانب أو المعايير التالية :
1. جودة النص المقدم للقراءة النقدية ( سواء من ناحية اللغة / الأسلوب / البناء العام للنص / الجماليات والأخيلة والتعابير الأدبية اللافتة فيه ... إلخ ) .
2. جودة فكرة النص أو الموضوع .
3. برغم أن الإختيار الذي سيتم للنصوص إختيارا إنتقائيا إلا أنه ليس شرطا أن يكون النص المقدم أو المعروض للإضاءة النقدية نصا مكتوبا بالفصحى مثلا أو عموديا أو تفعيليا أو نبطيا ... إلخ .
4. الإضاءة النقدية للنص هي للنص وليس لصاحب النص وللمنشور وليش للناشر ..
# أهم الأهداف التي أطمح بعون الله أن يحققها هذا المشروع :
1. تفعيل وإبراز أهمية دور الحركة النقدية في حياتنا الأدبية وتوفير مقعد شاغر ومناسب لها بين عوالم كتاباتنا .. والحق أن السبلة العمانية وبالأخص السبلات الأدبية المعنية بأمور الشعر والخواطر والقصص ــ هذه السبلات الأدبية الثلاث بالذات لا توجد بها أبواب خاصة بالنقد بالمعنى الأدبي الخالص لكلمة ( نقد ) فالنقد مغيب تماما من الساحة وهي ظاهرة ليست موجودة ولا مقتصرة هنا فقط على السبلة العمانية بل الساحة الثقافية العمانية العامة في راهنها المعاصر سواء التي من العالم الافتراضي ( المواقع الالكترونية ) أو تلك التي على الواقع ( المؤسسات والنوادي والجامعات والمنتديات المعنية بشؤون الثقافة والأدب بشكل خاص ) لا يوجد بها نقد إثرائي نشط وفعال إلا على نطاق ضيق جدا ومحدود ونادر أيضا ولعوامل ( الشللية والتحزبات الأدبية المقيتة ذات الطابع الفئوي الأناني بين فئات وأقلام محددة ومحدودة ومعروفة على الساحة ، وهو ما أثر وما زال يؤثر سلبيا على الحراك الأدبي العماني وعلى ما يعرض أو ينشر بالساحة من نصوص وأعمال إختلط فيها الحابل بالنابل والغث بالسمين وكثير منها كان من الروعة والقوة والجمال والتميز ولكنه ضاع واختفى في غياهب النسيان والاهمال ولم ينصفه قلم نقدي أمين بسبب غياب النقد الأدبي من البلد رغم وجود ( جامعة السلطان قابوس ) بكل جلالة قدرها وقدر مخرجاتها من الجامعيين من أهل التخصص الأكاديمي الذين مع الأسف الشديد حتى الآن لم يبرز منهم ناقد أدبي بارز ومعروف على مستوى الوطن العربي ويهز الدنيا بقلمه .
2. هذا المشروع آمل من كل قلبي أن يفيد النص الذي سيتم عرضه تحت الإضاءة النقدية وأن يبرز مكامن الجمال التي فيه وأن يساعد على تطوير الأساليب وتعزيز التوجه القلمي نحو الأفضل والأجود من النصوص .
3. سيساهم هذا المشروع إن شاء الله في تنشيط ( سبلة الشعر ) وفي خلق فضاءات قرائية متنوعة يستطيع القارىء الكريم من خلالها وعبرها تنويع قراءاته عند مروره بهذه السبلة ولذلك سنحاول جاهدين بعون الله أن نوفر للقارىء المناخ المناسب هنا بسبلتنا بحيث نجنبه قدر المستطاع الاحساس بالملل أو الرتابة أو أن يضع في باله من قبل حتى أن يدخل أن سبلة الشعر وضعت فقط للنصوص الشعرية ولما ينشره الشعراء الأعضاء فيها من قصائد .. هذا الاعتقاد سنحاول بعون الرب تغييره وإثبات أن هذه السبلة تشمل أيضا إلى جانب القصائد جوانبا ومواضيعا أخرى هامة ومفيدة جدا ومثرية وعلى علاقة مباشرة بالشعر وبالشعراء ومن بينها النقد أو القراءات النقدية التي هي من الأهمية الأدبية بمكان في حياة كل شاعر وكل شاعرة وكل أديب وأديبة ولكل قارىء محب ومتذوق للشعر خاصة وللأدب عامة .
4. سيساهم هذا المشروع ــ إن شاء الله ــ في تعزيز تميزنا الثقافي بين المواقع الالكترونية الأخرى .. فنجاح سبلتنا العمانية وتميزها وبالأخص سبلة الشعر مطلب حيوي وهدف جميل نسعى بإخلاص ومحبة لتحقيقه والارتقاء به .
5. سيعزز هذا المشروع من تقوية الروابط الأخوية الطيبة والتعاون الهادف والمفيد بين سبلة الشعر وأعضائها الكرام الذين يكتبون فيها والذين سنجتهد في الاهتمام بهم وبقصائدهم وتشجيعهم والأخذ بأيديهم وتطوير مواهبهم ودفعهم قُــدُما إلى نجاحات أكبر وتعزيز عنصر الثقة لديهم خصوصا المبتدئين منهم .
6. إختيار نص شعري بعينه لشاعر أو لشاعرة بعينها من شعراء وشاعرات السبلة لا يعني بكل تأكيد أن النصوص الأخرى لبقية شعراء السبلة الكرام هي نصوص رديئة أو غير ذات جودة أو قيمة .. الاختيار هو في حقيقته عرض ما يمكن عرضه من نماذج شعرية متعددة الألوان للدراسة النقدية بشكل حيادي يهمه النص لا صاحب النص ويبتعد كلية عن روح المحاباة أو الانحياز وهذا سيتضح من خلال عرض نص إختياري معين كنموذج للدراسة أو للقراءة النقدية وهي فرصة جميلة للإستفادة من تجارب الآخرين وتكوين فكرة ولو بسيطة أو مبدئية عن شعرهم وعن أساليبهم وطرائقهم الشعرية ونوعية المواضيع التي يتحدثون عنها .
هذه أبرز أهم النقاط التي يحويها هذا المشروع وأسأل الله العون والمدد والتوفيق بإذنه تعالى .
# تنويه :
ـــ
بعد هذه المقدمة أو المدخل سأبدأ بعون الله بالبحث عن مجموعة من القصائد الشعرية المنشورة هنا بسبلة الشعر على أمل كبير أن يحالفني الحظ والتوفيق في إختيار هذه النصوص بهدف البدء بدراستها دراسة نقدية ومن ثم عرضها تباعا للقراء الكرام إن شاء الله .
وكل عام وأنتم بألف خير
بقلمي / ســـــعـيد مصــبـح الغـــافــري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ