ادعوكم الآن للجلوس معا ، مع شيخي / سعيد بن حمد الحارثي ؛
فلذلك الشيخ _ رحمه الله _ اثرٌ بالغ في حياتي ، حيث كان لي الأب ،
والصديق ، والمُربي ، فكم من مواقف جمعتني به ، غير أني سأقتصر على بعضٍ منها ،
لنخلُص منها بالفائدة ...

فمن جملة المواقف :
كُنتُ شغوفا في طلب العلم ، غير أن الذي كان ينقصني هو ذلك التوجيه ،
فكان شيخي سعيد نِعمَ الموجه ، فقد سعيت لتعلم كتب الفقة ، سألتُ شيخي عن تلكم
الكُتب التي أسس لي منها قاعدة انظلاق ، فأوصاني بأربعة كُتب _ هي مُلخصات ،
أو كُتيبات تكون مداخل لعالم الفقه _ وحين اعطاني الكُتب ، قال : ستكون علما نِحريرا
إذ ما اتممتها ،



ولي هنا وقفة :
امعنت النظر إلى ما قاله لي شيخي ، فكيف لي أن ابلغ تلكم الهامة ، بهذه الكُتب ،
والتي هي للمبتدئين من طلبة العلم ،


بعدها ؛
غثصت في المعنى ، وتجاوزت تلك الكلمات الظاهرة ، حتى وصلت لجذور المعنى ،
فقد كان شيخي يقصد بكلامه ، أنك إذا قرأت ، وفهمت ، فإنك على بداية الطريق الصحيح تسير ،



أذكر لكم هنا لطيفة حصلت لي مع شيخي ؛
فبينما نحن في مجلسه ، وهناك الكثير من الزوار ، تعمدتُ الجلوس عند شيخي ،
فجعلت رُكبتي تُلامس رُكبته ، فقلت له حينها :
مزاحما أهل العلوم بالركب *** وطالبا لنيله كل الطلب



فرد علي الشيخ ممازحا قائلا :
" هذاك المزاحمه في مجالس العلم ، ما هنا في مجالس الصواني والقهاوي " !



فرد علي الشيخ ممازحا قائلا :
" هذاك المزاحمه في مجالس العلم ، ما هنا في مجالس الصواني والقهاوي " !



الشيخ سعيد الخروصي ، والشيخ سعيد الحارثي ؛
هم كبار السن ، إذ تتجاوز _ كانت _ أعمارهم الثمانين سنة ، غير أنهم يُجارون
من يجالسهم ، " فيهم بَارُض واجد " ، بالرغم من ذلك ، نجد الكثير ممن اعلموا العلم الشرعي ،
ولهم المحاضرات والدروس ، غير أني لم أجد تلك السماحة والتواضع كمثل ما رأيتها في الشيخين ،
قطعا لا أعمم بكلامي هذا ، غير أنه السائد .



ولي مع شيخي موقق آخر ، يُدلل على قُلته :
فقد تعود الشيخ أن تكون له حلقه فقهية ، نقرأ له من كتاب بعد المغرب ،
بعدها يُعلق على كلام المؤلف ، ثم يتخلل التعقيب أسئلة من الحضور إن وجِدت ،
وفي يوم من الأيام كان الحديث عن " البراءة " والولاية " ، فسأل أحد الحضور الشيخ ،
هل نُخالط ونسلم على مرتكب المعاصي ؟


ومن غير وعي تصدرت الإجابة ، وقلت له :
على هذا فلن نُسلم على أحد ! أليس الواجب أن نحتويهم ،
ونبين لهم الصواب من الخطأ ، واسترسلت في الإجابة ،


وبعد زوال الغضب :
تذكرت بأني في حضرة الشيخ ، وتحسرت على تصرفي ، والشيخ ساكت ، ولم يُعقِّب على فعلي ،
وبعد الدرس ، مشيت مع شيخي إلى مكان الوضوء ، وأنا استسمح منه وأقول :
اعذرني على قلة ادبي ، وتجاوزي لحدي ، فما كان من الشيخ إلا القول :
" جزاك الله خير علمتنا " !



حين يقول الشيخ ذاك الكلام :
لا يقصد بذلك الكلام بظاهره ، وإنما هو عتاب مُبطن وناعم ، بحيث لا يجرح
من يُعاتبه .


بينما نجد ذاك التنطع ممن تعلموا العلم ، ولم يتخلقوا بأخلاقه ، من ذلك ،
علمت المعنى حين نسمع من يقول ، ونقرأ لمن يكتب ؛
" عُلماء ربانيون " ، من الذين جمعوا العلم ، والعمل ، والتقوى ، والأدب ، والتواضع .