أ.يحيى الغافري- محامٍ في مكتب صلاح المقبالي للمحاماة والاستشارات القانونية
الأم وما أدراك ما الأم؟! حقها عظيم وفضلها كبير، و مهما برها أبناؤها وبناتها فإن ذلك الدين لا يستوفى، ولهذا فإن الأمم منذ نشأة البشرية حرصت على تكريم الأم لدورها العظيم في المجتمع، فالمرأة كما يقول الناس « نصف المجتمع » وأما التي تلد النصف الآخر وتربيه فهي بذلك تكون بمثابة المجتمع كله؛ لأنها العنصر الأهم في بناء المجتمعات والحضارات.
و لم يكرم الأمَ دينٌ مثل الإسلام، لأن حقها عظيم ، فقد جعل الله تعالى لها أعلى المراتب وجعل برها سببا من أسباب استحقاق الجنة ، فهي الإنسان الوحيد الذي قارن الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة رب العباد برحمتها، كما أن الله عز وجل جعل طاعة الأم ورضاها مفتاحًا من مفاتيح الجنة، وجعل معصيتها -في غير معصية الله- وعقّها إحدى كبائر الذنوب التي تدس الإنسان في أعماق الجحيم.
قال أَبُو هُرَيْرَةَ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ).
ومن خلال هذا الحديث نستنتج حق الأم والشفقة عليها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كرر الأم ثلاث مرات فيما ذكر الأب فى المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية والتفكير في المولود تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب فهذه ثلاث منازل تتجاوز فيهن الأم الأب.
أما وصية الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين، وبلا شك فإن ذكر الوالدين في السياق القرآني يشمل الأب والأم، فقد جاء في عدة مواضع : «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (العنكبوت:15)
ونبه الإسلام على الرفق بالوالدين وخفض جناح الجناح لهما، وعدم التلفظ بما يغضبهما، كما ورد في قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» (الإسراء: 23-24).
وعرض القرآن الكريم صورة من بر سيدنا عيسي -عليه السلام- بأمه السيدة مريم، كما في قول الله تعالى: «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا» (مريم: 30-32)
وأخبر القرآن الكريم عن المعاناة التي تحملتها الأم في الحمل والولادة والتربية، كما في قول الله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (لقمان: 14-15)
وصرح القرآن الكريم بشدة آلام الحمل على الأم، كما في قوله تعالى «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
ولما كان فضل الأم بهذا المستوى الكبير فإن الشقي من حرم برها، و إن بر الأم يفترض أن يكون فطريا، ورد جميلها ذاتيا، دون الحاجة إلى نصوص تشريعية، فهذا الدين الذي في رقبة الإنسان تجاه أمه هو دين إنساني، ولما كان المجتمع العماني مجتمعا يدين بالإسلام فإن الإسلام هو أساس التشريع في النظام الأساسي للدولة و كل هذه الأسانيد القرآنية المذكورة في هذا السياق تجري بمثابة التشريع القانوني التنفيذي الذي لا مرية فيه.
لكننا سنلتقط بعض المفاهيم التي خصت الأم بها، والتي استخلصنانا من القوانين العمانية نسوقها هنا مجملة، وهي :
1- إذا وقعت جريمة من ابن أو بنت على أمها لا قدر الله فإن العقوبات الجزائية تغلّظ وتشدد على حسب ما جاء به قانون الجزاء العماني.
2- سن قانون الأحوال الشخصية العماني نفقة للأم.
3- إذا أهمل الأبناء أمهم ولم يوفروا لها مسكنا ولم ينفقوا عليها، فإن المشرع عاقبهم بالسجن حسبما جاء في قانون الجزاء العماني.
4- تستحق الأم الحاضنة نفقة شهرية شاملة بسبب حضانتها لأبنائها.
5- لم يجعل المشرع للأم دارا للمسنين حتى تعيش بمعزل عن الأبناء إلا في أضيق الحدود.
ومستخلص القول فإن الإحسان إلى الأم حق واجب من حقوقها ولا يحتاج الإنسان السوي إلى قوانين وتشريعات تأمره بأداء هذا الحق.