باراك أوباما
الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، يحمل معه سيرة حياة تختلف عن حياة أي رئيس سابق للولايات المتحدة. فباراك أوباما، هذا الابن الثنائي العرق، لأب كيني وأم بيضاء من قلب الأراضي الأميركية، انطلق كالشهب إلى الشهرة القومية، عبر خطاب سياسي رئيسي لقي قبولاً حماسياً، ألقاه في المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في العام 2004، حيث قال:
"ليست هناك أميركا ليبرالية، وليست هناك أميركا محافظة، بل هناك فقط الولايات المتحدة الأميركية. ليست هناك أميركا سوداء وأميركا بيضاء، أو أميركا لاتينية وأميركا آسيوية، بل هناك الولايات المتحدة الأميركية... نحن شعب واحد، جميعنا تعهدّنا بالولاء للعلم الأميركي، جميعنا ندافع عن الولايات المتحدة الأميركية."



انتخب أوباما عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إلينوي في ذلك العام. وبعد مرور أربع سنوات فقط، استطاع أن يكسب تسمية الحزب الديمقراطي له لخوض الانتخابات الرئاسية ثم ليفوز فيها ضد المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين.



السنوات الأولى
جاء والدا أوباما من خلفيتين شديدتي الاختلاف. والدته، آن دونهام، ولدت وترعرعت في بلدة صغيرة في ولاية كانزاس. وبعد ان انتقلت عائلتها إلى جزر هاوائي، تعرفت على باراك أوباما الأب، الطالب الكيني الذي كان يدرس في جامعة هاوائي بموجب منحة. تزوج الاثنان في العام 1959، وفي 4 آب/أغسطس، 1961، ولد باراك أوباما الابن في هونولولو. بعد انقضاء سنتين ترك أوباما الأب عائلته الجديدة لمتابعة الدراسات العليا في جامعة هارفارد ومن ثم الالتحاق بوظيفة مسؤول اقتصادي حكومي في كينيا. إنفصل الوالدان آن وباراك الأب، ولم يقابل أوباما الابن والده بعد ذلك إلا مرة واحدة فقط، عندما كان في سن العاشرة.



عندما كان أوباما في سن السادسة، تزوجت والدته من جديد، وهذه المرة من موظف تنفيذي يعمل في قطاع النفط الإندونيسي، وانتقلت العائلة إلى إندونيسيا، فأمضى أوباما فترة أربع سنوات يدرس في جاكرتا، عاصمة تلك البلاد. عاد في نهاية المطاف إلى هاوائي حيث التحق بالمدرسة الثانوية وعاش في كنف جده وجدته لجهة والدته.



غادَر أوباما هاوائي للالتحاق بكلية اوكسيدنتال في مدينة لوس أنجلوس بكاليفورنيا لفترة دامت سنتين. وانتقل عقب ذلك إلى نيويورك حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة كولومبيا العريقة سنة 1983.
دعوة للخدمة العامة
بدأ أوباما حياته العملية كاتباً مالياً لدى إحدى الشركات الاستشارية الدولية في نيويورك، إلا أنه ترك عمله ذاك في العام 1985 لينتقل إلى شيكاغو، حيث عمل منظماً للمجتمع الأهلي لدى اتحاد من الكنائس المحلية للمساعدة في إعادة إنعاش مجتمعات أصيبت بضرر كبير لدى إغلاق مصانع الحديد المحلية.
بعد ثلاث سنوات من هذا العمل، قرر أوباما الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة هارفرد حيث ميّز نفسه بانتخابه أول رئيس أسود لمجلة "هارفارد لو ريفيو" المرموقة، وتخرج بامتياز كبير في العام 1991.
عاد أوباما إلى شيكاغو، المدينة التي تبناها، حيث مارس قانون الحقوق المدنية ودرّس القانون الدستوري في جامعة شيكاغو، وعمل على تسجيل الناخبين في شيكاغو لمساعدة مرشحين من الحزب الديمقراطي.




في العام 1992، تزوج ميشيل روبنسون، وهي الأخرى من خريجي كلية الحقوق في جامعة هارفارد. لباراك وميشيل ابنتان ماليا، 10 سنوات، وساشا، سبع سنوات.
قام أوباما بأول محاولة له للترشّح لانتخابات العام 1996، وفاز بمقعد في مجلس شيوخ ولاية إلينوي. من بين إنجازاته التشريعية خلال السنوات الثماني التالية في مجلس شيوخ الولاية كان إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، والتخفيضات الضريبية للعمال الفقراء، وإدخال التحسينات على النظام القضائي الجنائي في الولاية.

المرحلة القومية
بعد فشله بأول محاولة له لدخول مجلس النواب الأميركي في العام 2000، خاض أوباما سباق العام 2004 لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي. وسرعان ما حصل على تسمية الحزب الديمقراطي له لما حصل عليه من حصة الأصوات التي بلغت 53 بالمئة، متفوقاً على ما حصل عليه منافسوه الستة مجتمعين في تلك الانتخابات.

أدى خطاب أوباما، الذي ألقاه في المؤتمر الديمقراطي الانتخابي، بلغته المصقولة، المُحلَّقة، حول الحاجة إلى تجاوز الانقسامات الحزبية، ودعوته إلى اتّباع "سياسات الأمل" بدلاً من "سياسات التشكيك"، الى وضعه تحت أضواء وسائل الإعلام القومية كنجم صاعد في الحزب الديمقراطي. فانطلق من هناك للفوز بسهولة في سباق مجلس الشيوخ في ذلك الخريف وحصل على نسبة ساحقة بلغت 70 بالمئة من الأصوات الشعبية.
الترشّح للرئاسة
كانت الحملة الانتخابية التمهيدية الطويلة للحزب الديمقراطي التي جرت في العام 2008، مع الانتخابات والاجتماعات الانتخابية الحزبية في جميع الولايات الخمسين، تاريخية من عدة جوانب. وإذا كان قد ترشح في السابق أميركيون من أصل إفريقي ونساء لمنصب الرئاسة، لكن في هذه المرة كان المرشحان المتقدمان هما امرأة وأميركي من أصل إفريقي.
صمم معسكر أوباما استراتيجية مبتكرة لاستهداف الولايات التي تستخدم نظام الاجتماعات الانتخابية الحزبية بدلاً من الانتخابات التمهيدية العامة، والتركيز على الولايات الأصغر حجماً التي كانت تدلي بأصواتها تقليدياً لصالح الحزب الجمهوري في الانتخابات العامة، ونجحت هذه الاستراتيجية ليفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له وليفوز برئاسة الجمهورية على منافسه الجمهوري جون ماكين في النهاية.




رئاسة أوباما
باراك أوباما هو من بين أصغر الرؤساء الأميركيين سناً. ولد في نهاية جيل "طفرة المواليد" بعد الحرب العالمية الثانية (1946-1964)، كما انه أيضاً أول رئيس بلغ سن الرشد في الثمانينات من القرن الماضي. البيئة التي ترعرع فيها كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن الستينات الصاخبة اجتماعياً، وهي السنوات التي كانت صاغت شخصية جيل طفرة المواليد الذي سبق جيل أوباما.



قدمت لاريسا مكفاركوهار من مجلة نيويوركر، نظرية حول الجاذبية الملحوظة لأوباما المتجاوزة للخطوط السياسية التقليدية، فكتبت تقول، "سِجل أوباما الانتخابي يشير إلى أنه من أشد الليبراليين في مجلس الشيوخ، ولكنه كان دائماً يحصل على إعجاب الجمهوريين ربما لأنه يتحدث عن الأهداف الليبرالية بلغة محافظة."
أما بي جي ديون، المعلق السياسي في صحيفة الواشنطن بوست، فقد عبّر بصورة ممتازة عن اللقاء التصادمي بين ترشيح أوباما وروح العصر الأميركي عندما كتب يقول:
التغيير، وليس الخبرة، كان السمة الطاغية لليوم. النظرة الشاملة، وليس إجادة التفاصيل، كان الفضيلة الأكثر قيمة في خطابات الحملة الانتخابية. الانفصال الكامل عن الماضي، وليس فقط العودة إلى أيام أفضل، شكّل الوعد الأكثر جدارة.