أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

في ظل استمرارية تفشي وباء كورونا وازدياد الحالات المصابة يوما بعد يوم، ونظرًا لما أصدرته اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا من قرارات أهمها تعليق عمل المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في منتصف مارس الماضي، كثر الحديث في مسألة الالتزامات الناتجة عن عدة عقود أهمها عقود المدارس الخاصة، وقد شاهدنا انقسام المجتمع لقسمين؛ قسم يناصر أولياء الأمور في عدم سداد الرسوم الدراسية، والقسم الآخر يؤازر المدارس الخاصة في مطالبها.

وسنوضح في زاويتنا القانونية عبر “أثير” الأمر من جانبين؛ قانونيًا وأدبيًا.

أولا:- من الناحية القانونية

إن انعقاد العقد يترتب عليه آثار قانونية بالنسبة للمتعاقدين، وعلى كل متعاقد الوفاء بما أوجبه العقد عليه من التزامات في ظل الظروف العادية غير الاستثنائية.

وحيث إن عقود التعليم في المدراس الخاصة من العقود المحددة بمدة تبدأ في سبتمبر وتنتهي في يونيو في الغالب أي عقد سنوي لا يمكن تجزئته أو تقسيمه ، وفق التزامات متقابلة بين الطرفين كونها من العقود الملزمة للجانبين؛ فالطرف الأول (ولي الطالب) ملزم بدفع الرسوم الدراسية وفق العقد المتفق عليه ، بينما الطرف الثاني (المدرسة الخاصة) ملزمة بتوفير الجو المناسب للتعليم وتوفير كافة المستلزمات لتلقي الطلبة التعليم بشكل صحيح، وإذا ما أخل طرف ما بالتزاماته جاز للطرف الآخر أن يمتنع عن تنفيذ التزامه، وهذا المبدأ في الظروف العادية وفق ما أشارت إليه المادة (157) من قانون المعاملات المدنية التي نصت بـ :- إذا كانت الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين مستحقة الوفاء، جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به”.

إلا أن هذا النص لا يمكن تطبيقه إلا في الظروف العادية، أما في ظل الظروف الاستثنائية، فإن مرد ذلك للقضاء للفصل فيه وتجنيب عامة الناس التأويل والاجتهاد وتفسير النصوص القانونية حسب مركزه في القضية، وفق ما ورد في المادة (159):- “إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وقت التعاقد وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك”.

أما فيما يتعلق بنص المادة (172) التي ورد فيها :-
١ – في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه.

٢ – إذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء الذي استحال تنفيذه، وينطبق هذا الحكم على الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة، وفي هاتين الحالتين يجوز للدائن فسخ العقد بشرط إعذار المدين.”

وبإنزال هذه المادة القانونية على الواقع يتضح لنا جليًا بأن عقود التعليم تختلف اختلافا كليا عن العقود الأخرى، ولا يمكن فسخها أو تجزئتها في أي وقت ، حيث إن تنفيذ هذا العقد ممكن عند زوال الظرف الاستثنائي بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وذلك بوضع بدائل وحلول تتناسب مع المرحلة، من حيث التعليم عن بعد أو اعتماد نتائج الفصل الأول أو ترحيل الفصل الثاني لشهر سبتمبر، شريطة عدم الإخلال بالالتزامات الناتجة على عاتق المدرسة وبحقوق الطرف الآخر (ولي الطالب)، فإن حدث غير ذلك جاز لولي الطالب تطبيق نص المادة (157) من قانون المعاملات المدنية.

ثانيا :- من الناحية الأدبية
إن مثل هذه الظروف تتحتم على الجميع الوقوف بجانب بعضهم البعض، ومساندة الفئة المتضررة وعدم التفكير في اللجوء إلى القضاء قبل تحكيم العقل والمنطق ومبادئ ديننا الحنيف، فمثلا موظفو القطاع العام يستطيعون السداد نظرًا لقلة الالتزامات في ظل الحجر المنزلي وعدم التحجج بحجج لا أساس لها من الصحة فالحس الوطني يكمن في الشدائد، أما الفئة التي تضررت جراء هذه الأزمة وتراكمت عليها الأقساط والديون فنقول : “نظرة إلى ميسرة”..