مررت اليوم من أمام قصر شيخنا الجليل وشاعرنا الفحل وأديبنا الكبير علماً وخلقاً وتواضعاً الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله فاستعدت ذكرى فضله عليّ ذلك الفضل الذي لم أنسه يوماًإذ كنت ازوره دائماً للسلام عليه في مسجده الملاصق لمنزله حتى آخر أيامه ،لكنها شجون تتجدّد كلما مررت بمنزله . في بداية قولي الشعر كنت أميل إلى الشعر الفصيح فرأيت أن اتصل به لأستأنس برأيه ونقده فأعرف أين أقف هل استمر بنظم الشعر الفصيح أم أنني لست أهلاً له فاتّجه إلى الشعر النبطي.فالفصيح لاتكفي الموهبة فقط لكتابته، بل يجب أن يكون الشاعر عارفاً باللغة والنحو ،يملك خزيناً كبيراً من المفردات الفصيحة ، قارئا وحافظاً لكمٍ غزيرٍ من القصائد الفصيحة ويغني عن ذلك كلّه لو كان حافظاً للقرآن الكريم وعالماً بمعاني كلماته وبلاغة ألفاظه وجمله فهو المعين اللغوي الصافي- اتصلت بشيخنا على هاتف منزله وكنت خائفاً متردّدا فأنا أعلم أنّني تجاوزت قدري سناّ ومقاماً بالاتصال بمثل قامته الأدبية والعلمية والعمرية فأنا حينها لم اتجاوز الرابعة والعشرين وهو شيخٌ قد تجاوز الستين ولكنه رحمه ردّ علي مرحبّا فسلمت عليه واعتذرت لتجاوزي قدري ثمّ عرفته باسمي وقلت أنا شويعر مبتدئ كتبت قصيدة بالفصيح وأريد رأيك ياشيخنا هل أنا كفءٌ لذلك فاستمر أم اتوقف واتّجه إلى الشعر النبطي فقال لي. بصوته الجميل الفصيح الممتع (قل هاتِ ماعندك) فقلت (قفا صاحبيّ اليوم بالعلم النجدي/ نودّعه من قبل لا ندمٌ يجدي/ نودّعه من قبل أن تقذف النوى/ونمسي وهيهات القفول إلى نجد/فقد كان مرباعاً لميٍّ وزينبٍ /وكان مقيلاً أقفر اليوم من دعدِ) كان مُصغياً حتى وصلت الى قولي ميٍّ وزينبٍ فقاطعني قائلا ميٍّ وزينبَ (وكنت قد التبس الامر عليّ بما يخصّ المنع من الصرف )ثمّ قال القصيدة جيدة فابعث بها لإحدى الصحف. فشكرته وأنا في قمة نشوتي وسعادتي بسماع تزكية تلك القامة .لقد كان متصتاًمصغياً ليرشدني بأمانة فهو لم يستمع مجاملة فينهي المكالمة ويدلّ على ذلك مقاطعته لي للتصحيح النحوي. ذكرت ذلك ليعلم من لايعرفه عن قربٍ ماكان عليه رحمه الله من خلق وتواضع فالناس تعرفه أديباًشاعراً ولاتعرفه إنساناً نبيلاً متواضعاً.ذلك الأديب الكبير والمرجع الرئيس في التأريخ والبلدان الذي رغم مكانته الأدبية والإجتماعية وكثرة مؤلفاته في الشعر والأدب والتأريخ والبلدان لم يسمِّ نفسه أديباً ولم يختم مقالاًبقوله الأديب ولم يكتب على غلاف مؤلفاته الأديب -ولو شاء لكتب فصدق وصُدّق- لكنّه كان يكتب كتبه عبدالله بن خميس ، تأليف عبدالله بن خميس، ونرى اليوم من يحفظ قصيدة يقدّم نفسه أو يقدّم له جاهل يخدعه بقوله الأديب .رحمك الله وجعلك منعّما في قبرك.