الحُـــبُّ يَـغــرقُ مــرتـيـن !!
قصة قصيرة بقلم / سعيد مصبح الغافري
الموج الأزرق في عينيك
يناديني
نحو
الأعمق
وأنا ما عندي تجربة
في الحب ولا عندي زورق
...................
...............
.........
حدث هذا عام 2010م وقبل أشهر بسيطة من انفجار جحيم الخريف العربي المشؤوم الذي اكتوت بلادها وبلدانا أخرى بنار حروبه ودماره ومآسيه !!
في بيت أسرتها الهانئ . في ذلك العش الوادع المحاط بالحب و الفرح والدفء والهدوء والأمان والمعرش بالياسمين . في تلك المدينة الجميلة كانت تعيش أسعد أيام عمرها مع أجمل إنسان تعثر به قلبها صدفة في شارع ذات صباح .. لم تتوقع أن تتحول تلك الإرباكة الأولى في أول نظرة تلاقت فيها أعينهما إلى حب حقيقي تأكدت جديته على الأرض بعد شهرين تماما من علاقتهما حين أتى بكل خطا حبه ورجولة صدقه وطرق باب أسرتها يطلب يدها .. تلك المفاجأة التي بقدر ما أسعدتها وأدهشتها بقدر ما جعلتها تتمسك به وتحبه أكثر وأكثر ..
إني أتنفس تحت الماء
إني أغرق ..
أغرق ...
أغرق ......
ـــ الله يسامحك يا حليم .. تعال أنظرنا الآن نحن العشاق .. إنا نغرق . نغرق . نغرق !!
قالت بانثمال و صوت تلك الأغنية يملأ البيت وهي متسلطنة معها وغارقة في بحر كلماتها بكل أحاسيسها ومزاجها الرائق ..
كان يفترض أن تكون اليوم ذاهبة إلى دوامها .. لكنها لم تذهب .. اليوم هي وزملاءها مضربون عن العمل بسبب الأوضاع السيئة التي لم تتحسن بعد في شركتهم ..
وقتئذ لم يكن أحدا بالبيت سواها ؛ الكل ذهب إلى عمله و مشاويره .. أختها الطبيبة ذهبت إلى مستشفاها ولن تعود إلا ظهرا وأخوها المهندس ذهب هو الآخر إلى شركته ولن يرجع كعادته إلا بالمساء .. أما والداها وجدتها لأبيها فقد ذهبوا اليوم معا و منذ الصباح الباكر لزيارة جارهم الذي انتقل وأسرته الصغيرة منذ شهر إلى المدينة الجديدة التي تبعد من هنا مسافة نصف ساعة .. المدينة التي ستلقى فيها هذه الأسرة بكاملها حتفها المأساوي الأم والأب وابنتهما الوحيدة قمر .. قمر تلك الطفلة الجميلة المليئة براءة وطفولة والتي رزقا بها أخيرا بعد عشر سنوات قضياها دون يأس في صراع طويل مع العلاج والمحاولات لينتهي كل هذا بغمضة عين في أول قصف أعمى لمدينتهم الجديدة التي انتقلوا إليها دون أن يعلموا أنها ستكون أول مدينة سيبدأ فيها ذاك الخريف الدامي أول رقصات الموت والعبث .. كانت هذه آخر مرة يلتقون فيها بهذه الأسرة الجارة وآخر مرة يرونها فيها و سبحانك ربي .. للأقدار تصاريف لا يعلمها إلا الله !!
لم ترافقهم رغم إلحاحهم عليها بذلك .. كان هناك شيئا أهم من هذه السفرية ولذلك حرصت أن تبقى في البيت .
ما أروعه من يوم وما أجملها من فرصة !!
ـــ لنعيش الحب !!
صرخت قافزة برشاقة قوامها في الهواء بفرح عارم ثم انقضت على هاتفها النقال ونقرت بإصبعها على رقم خاص أوصلها فورا إلى الحب ..
تقرب سماعة الهاتف من المسجل حيث حليم مازال يصدح برائعته .. تتعمد وهي مبتسمة أن تسمعه ذلك المقطع الذي يحبه ويحب دوما عندما يلتقيان أن يغنيه ويدندنه لها وعيناه مركزتان في عينيها الجميلتين الأشبه بالبحر .. كلاهما يعشق أغاني حليم .. تغلق المسجل .. يهدأ البيت فجأة، فتنسحب إليه بصوتها المليء رقة و أنوثة وحبا .. تحادثه .. تأتيها ضحكته الحلوة الرنانة وهو يقول لها :
ـــ أقسم أنت ساحرة !!
تضحك متسائلة في دهشة حماسية :
ـــ حقا ؟! كيف ذاك ؟!
يجيبها باعتراف عفوي وبقايا ضحكته على شفتيه :
ـــ قبل قليل كنت أنا أيضا أسمع لحليم ولنفس هذه الأغنية بالضبط !!
تضحك في سعادة ولضحكتها رنين عذب وتجيبه :
ـــ خطير جدا هذا البحر . آه من يغرق فيه !!
يجيب باندفاع العاشق :
ـــ عيناك أجمل بحر أحب أن أغرق فيه بكل روحي !!
تسبل رموشها ذائبة في بحر حديثه الشهي هذا .. كم تحبه وكم تعشق فيه هذه الروح الفنانة التي تمتزج فيها كل ألوان جماله الداخلي المنعكس على مشاعره وعلى أجمل ما يرسم من لوحات !!
الموج الأزرق في عينيك
يناديني نحو الأعمق
وأنا ما عندي تجربة
في الحب ولا عندي زورق
إني أتنفس تحت الماء
إني اغرق ..
أغرق ...
أغرق ....
ـــ يا لسخرية القدر حين يكون على هذا النحو الغريب من التناقض .. غرق يوهبك الحياة وآخر يهديك الفقد !!
يرسم على شفتيه إبتسامة تهكمية ساخرة لا تخلو من مرارة روحه الطافحة بالحزن والألم .. في قلب وحدته وغربته القاتمة وحيدا إلا منها .. هو ذا .. في نشيج بكائه ذاك يسترجع الذكرى السادسة ليوم غرقها في البحر والذي يصادف تاريخه في هذا اليوم .. ست سنوات مضت على هذا الرحيل المفجع .. ست سنوات عجاف والقلب يعيش يبابا لم تخضر صحاريه ولم تتفجر أنهاره الناضبة أبدا منذ يوم فقدها .. منذ فقدها أحس أنه فقد كل شيء .. فقد الأهل .. الأصحاب .. الأحباب .. الضحك .. الفرح .. الانس .. الأمان .. فقد أجمل ما فقد .. فقد وطنا جميلا .. وطنا يسمى الياسمين !!
@ @ @
كانوا على متن هروب مبحر نحو الشمال ، وفي نصف أميال تبقت من رحلتهم المنكودة المحفوفة بالخوف والجوع والبرد والظلام الدامس وصراع اليأس والأمل ؛ في هذا النصف المتبقي من القدر الضبابي الغامض وقبل أن يصلوا إلى بر الحلم الباريسي المرسوم بألوان اللهفة والشوق ؛ تغير مزاج البحر فجأة . زمجرت أمواجه الهُـوُج وهبت رياحه قوية عاتية وذات صفير مشؤوم ، وتعاون الموج مع الريح . حاصرا الزورق وراحا يضربانه ويرجانه بقسوة من كل إتجاه وهما يصران إلا أن يقلبانه و يسحبانه بأرواحه التي تتشبث به إلى الأعماق السحيقة المظلمة .. فوقهم ؛ كانت السماء مسودة بغيومها والقر يعض ويقرص أجسادهم المرتجفة بلا رحمة .
طار نورس الحلم الوردي الذي رافقهم . اختفى في ليل الصراخ والرعب والموت المكشر لهم بأنيابه من كل صوب . وهم لم يعد يهمهم في خضم هذا الهول لا أحلام ولا أمنيات ولا أي شيء إلا النجاة بأرواحهم .
ـــ يا الله . أينك ؟!
يتضرع أحدهم مستنجدا بذلة وصليبه يترنح على صدره ولا يكاد يستقر كمن أصيب بدوار البحر ، وعيناه في السماء التي امتلأت برقص البروق وقهقهة الرعد الهازىء ، بجواره فتاة هادئة تقرأ المعوذات والكرسي وتدعو الله بعينين تائهتين مذعورتين لكن في صمت متماسك . البرق بين حين وآخر يضيء وجهها ويطفئه . كانت شابة جميلة تبدو في العشرين . عيناها في البرق تبدوان أكثر روعة وألقا وشعرها فاحم غزير ، لكنه مبلل بالمطر ومعصوف بالريح .
وصل الماء بقاع الزورق حتى أعلى كواحل أقدامهم ليزيد الأمر سوءا فوق سوء وراح ثلاثة منهم يحاولون بأكفهم وقبعات رؤوسهم تفريغ الزورق منه في صراع عنيد مع المطر ، لكن المطر فوقهم كان غزيرا ، كأنه ألف خزان انفتحت بحنفياتها الواسعة وراحت تنهمر عليهم بمائها . لكأن السماء تستبق في تغسيلهم وتجهيزهم للقبر الواسع الذي ينتظرهم بالأسفل .
بعد سويعة غضب كان الجو قد هدأ وتلك الديمة المجنونة ولت بعيدا تاركة السماء لحالها ، صافية تزينها النجوم التي ظهرت كثيرة وساحرة بروعة بريقها . والبحر هو الآخر لزم السكون ؛ السكون المجرم البارد الذي لايأبه منذ خلق بضحاياه الذين يبتلعهم بمزاج نزوته الشريرة . هاهم أولاء التعساء متناثرون الآن بكل همودهم الأبدي في قاعه بجوار زورقهم المتمدد ميتا هو الآخر على وجهه .
في الصباح قذف الموج بحقيبة يد صغيرة ورماها على الشاطيء . صادفها شاب ينتعل حذاء مهترئا مبتلا بالماء . فتحها بفضول مستكشف . أخرج منها أشياءها البسيطة ؛ روج . مرآة صغيرة بحجم كف اليد . قارورة عطر . شريط كاسيت . وصورة .. صورة لفتاة جميلة ذات عينين خضراوين وفم مبهر يشبه الورد وشعر طويل تجاوز في إنحداره المذهل حدود الردف .
وزاغ بصره متفاجئا . نظر في هلع وصدمة جهة البحر . ركل الموج بغضب . لعن الظروف . سب . شتم ، ثم انهار في نوبة بكاء وفجيعة غمرت بدموعها السخينة كل وجهه المصدوم .
ـــ حتى أنت يا بحر !! حتى أنت !! حتى أنت !!
كانت تلك صورة حبيبته التي لحقت به من أرض الجحيم لكن القدر الأسود خطفها منه وهي على وشك الوصول .
& & &
في معرضه البسيط الذي أقامه بمساعدة أصدقاء له من جنسيات شتى مثقفين من الجنسين مغتربين مثله لكنهم يشبهونه في هواياتهم وأحلامهم وقصصهم الأليمة ؛ في هذا المعرض كانت اللوحة التي تزين صورة حبيبته الشهيدة التي رسمها بريشته تتربع مقدمة القاعة في برواز ذهبي جميل ، كان في الأصل صورة لمنظر طبيعي للبحر ، انتزعها بعدما بصق بكل كره على هذا البحر الذي فيها . البحر الذي خطف بغدر أغلى إنسانة بحياته . مزق الصورة ورمى بها من النافذة فتطايرت في الهواء بددا ثم ارتطمت بالأرض ، تاركة الأقدام العابرة تدوسها بلا اكتراث وكأنها تشاركه ألمه وعزاءه في مصابه .
أخذ اللوحة التي رسم فيها حبيبته الراحلة ووضعها بكل اعتزاز في البرواز الفارغ . هاقد صارت فيه الآن حياة وشيئا من جمال حي ينبض .
في المعرض تحوقل حول اللوحة وبتركيز ملفت عدد من الزائرين والمدعوين . لم يتوقع أن يكونوا بهذه الكثرة ونصفهم لا يعرفهم شخصيا ولم يلتق بهم إلا في النت ومواقع التواصل . وهم واقفون يتناقشون بلغتهم وذوقهم وانطباعاتهم لوحاته التي رسمها بريشة إبداعه وبالاخص تلك اللوحة التي جذبتهم وشدت أنظارهم وأرواحهم إليها فراحوا يتأملونها باهتمام كبير والإعجاب والانبهار واضحان على أعينهم ووجوههم المبتسمة في رضا . سيدة كانت ضمن الحضور أخذت رقم هاتفه وقالت وهي تودعه :
ـــ سأتصل بك في المساء ..
في المساء هاتفته ؛ في حديثها ود ودفء . بعد كلام في الفن والأدب والثقافة فاتحته بنبرة متحمسة وجادة في أمر اللوحة ورغبتها في شرائها منه بأي ثمن يقرره . وقع بين أمرين كلاهما مُر وقاس عليه : فقره المدقع وحاجته الماسة إلى المال من جهة وحبيبته المرسومة في لوحة يراها من أعز وأغلى مالديه من جهة ثانية . بأيهما سيضحي الآن ؟! هل بحبيبته التي جازفت وخاطرت من أجله وكان الثمن روحها ؟! أم بالفرصة الذهبية التي واتته الآن والتي يمكن بها أن يقضي على فقره وحرمانه وعوز الحاجة لديه ويمكن بها أيضأ أن يبني حياته بوضع أفضل ؟!
أرجأ الرد على السيدة إلى وقت آخر .
في الشقة التي يتقاسم سكناها مع رفاقه المغتربين كان يتناقش معهم أمر اللوحة وعرض البيع الذي قدمته تلك السيدة.
ـــ بعها وتخلص من متاعبك المادية.
ـــ أقنعها بشراء اللوحات الأخرى دون هذه اللوحة.
ـــ فكر بمهل ولاتستعجل في قرارك .اللوحة جميلة جدا وثمينة . أعتقد هي أروع مارسمت من لوحات حتى الآن !!
وفي المقهى مع صديقته الشاعرة التي تتقاطع معه في تشاركية الغربة والحرمان والحزن والوحدة وقلق الحاضر والمستقبل ..
ـــ محتار يا صديقتي ..
ـــ إسمع صوت قلبك .. ماذا يقول لك ؟!
ـــ قلبي يقول لي : لا تبع اللوحة !!
ـــ إذن لا تبعها .. القلب أصدق بوصلة في تيه الحيرة ..
ـــ أهذا رأيك صديقتي ؟!
ـــ أجل .. ولا تطل التفكير كثيرا .. إحسمه بقرار ..
ـــ مهلا . خطرت لي فكرة ..
ـــ قلها صديقي . أسمعك ..
ـــ ما رأيك لو رسمت لوحة جديدة ولكن في ألوان وأجواء وملامح أخرى ..
ـــ كأنك تقرأ عقلي .. كنت سأشير عليك بهذا المقترح كحل منقذ من الإحراج .. كم ستحتاج من الوقت ؟!
ـــ أسبوع بالكثير ..
ـــ إذن . أطلب من زبونتك مهلة أسبوع أو عشرة أيام للتفكير .. وريثما تنتهي من رسم هذه اللوحة وحتى لا يتشوش عقلك وتركيزك لا تطلعها بما انتويت عليه .. هل في رأسك تصور معين لها ؟
ـــ أكثر من فكرة بأكثر من لون !! ما هذا بشاغل بالي الآن ..
ـــ ماذا يشغل بالك ؟!
ـــ ماذا لو أصرت على شراء لوحة الحبيبة ؟!
ـــ أنت لست مجبرا على بيع لوحتك .. صب كل ألوان إبداعك وعبقريتك كفنان موهوب في هذا التحدي .. ستنصرف بعينها إلى العمل الجديد .. أنا متفائلة ..
ـــ آمل أن تحدث برمودا هنا ..
ـــ ستحدث .. الريشة تعرف كيف ترسم مثلثاتها ..
لم يرسم حبيبته كما توقعت زبونته ، بل رسمها هي وبشكل مبهر أجبرها أن تلغي فورا من رأسها فكرة شراء لوحته الأولى التي كانت في البدء متحمسة لشرائها .. لم يستلم منها يورو واحدا نظير لوحته التي رسمها فيها بكل إبداع وإتقان رغم أنها أصرت ان يستلم شيئا .. رفض ذلك و أهداها إياها عن رضا و حب وطيب خاطر وهو مبتسم وسعيد حقا أنها أعجبتها وأحبتها .. كم أراحته هذه النهاية السعيدة !!
يستلقي الآن على فراشه وهو يضم على صدره لوحته في حب وحنو وخوف وكأنه يضم حبيبته الفقيدة التي ما فتأ الشوق والحنين يعصفان به إليها عصفا أي عصف .. كانت ثمة دمعة تتدحرج ببطء على وجهه الكئيب الذي تسارعت عليه تجاعيد الزمن ومتاعب الحياة والغربة والهموم وكان فقد حبيبته تلك الخسارة الكبرى في حياته من أكثر الأشياء جسامة والتي عجلت في ذبول شبابه رغم عطاء ريشته الذي لم يتوقف ..
منهك الجسم بسبب تلك اللوحة التي ظل عاكفا على رسمها ليل نهار ولأسبوع كامل حتى أخذت كل وقته وأعصابه وكادت أن تنسيه صحته وعافيته و كل شيء يربطه بالحياة .. لكن إحتضان تلك اللوحة الغالية والأثيرة على قلبه أشعره بالراحة والدفء رغم تعبه الكثير ورغم حزنه الصامت الذي عاوده وانزاح على خديه دموعا غزيرة وفي قلبه ما هو أغزر .. الحنين ريح لا تنسى أبدا نافذة القلب ولا باب ذاكرته .. سنينا حاول أن ينسى المأساة وأن يهرب من الماضي الذي سبقها ولم يقدر .. فشلت ريشته وألوانه وألواح رسوماته ومعارضه التي يقيمها في هروبه من ماضيه وفي نسيان الإنسانة التي هي الجزء الأكثر طغيانا بحضورها في غالب أوقاته وأحواله ومشاعره وألوان ما يرسم ..
في عز إحتياجه الآن لإنسان يتنفس معه بقلبه إتصلت به .. شاعرته المغتربة .. أقرب شخص يرتاح إليه ويبثه شجونه ومتاعبه وأسرار قلبه ..
ـــ ................
ـــ بالبيت ..
ـــ ................
ـــ سأنتظرك صديقتي .. لا تتأخري ..
ـــ .......
ـــ أهلا وسهلا بك ..
وجاءته في نفس التوقيت الذي قالته .. نفس توقيت الإحتياج الذي إحتاجها فيه .. هي الأخرى كانت كعصفورة بائسة وحيدة مبللة بمطر الحزن وتبحث في وحشة غربتها الواسعة عن عش حنان وأمان ..
في غربة باريس يتناسل الحزن والحنين والتعب والوحدة والاحتياج الدائم للآخر .. أي آخر .. فقط يملك قلبا يمكن أن يسمعك .. يسمعك لا أكثر ولو للحظات عابرة بدروب البوح !!
هاقد التقيا .. في الموسيقى الهادئة التي اختارتها من هاتفها وقفا في جوهما النغمي الهادىء ذاك .. ضمها ..
ـــ كم أحتاجك يا صديقتي !!
ـــ أنا أكثر إحتياجا إليك بهذي الغربة !!
وبكت .. بل بكيا معا كما اعتادا دوما في أضاميم الحزن والدموع واحتياج الاختناق !!
ـــ محظوظ جدا من يلقى في غربته قلبا يسمعه ويهتم به !!
قال لها وهو يمسح شعرها بحنان فردت ورأسها راقدا على صدره والموسيقى تلفهما في غيمتها الوردية :
ـــ قدر من أحلى أقداري أنت !!
صباح اليوم التالي تحول حضن الأمس إلى أجمل شعر كتبته وقرأه العالم وفي الجهة الأخرى كان هو مايزال يحلق بألوان ريشته ويرسم في إتقان مذهل ذاك الحضن الدافىء الذي كانا فيه بالأمس والذي ستختاره هي لاحقا صورة لغلاف أول ديوان لها يولد في الغربة !!
--- تمت ---
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ