~~ حادثة الإسراء والمعراج ~~
معجزة الحبيب هي ذكريات في القلوب؛ فيا لها من ذكرى تهزُّ الوجدان، وتثير المشاعر، وترق القلب، وتحيي الروح وتعطّر النسائم..
ولعل الله عز وجل قد جعل هذه الرحلة تسلية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فقد أكبر معين له بعد الله عز وجل؛
فقد توفيت السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، كما توفي عمه أبو طالب..
ونعرف من كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام فلم يستجب له أحد في رحلته هذه..
وكأنّ إرادة الله تعالى كانت تعِد من وراء الظلام الدامس بالفجر القادم الذي لا ريب فيه: قال تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ).
في هذا الفترة جاءت حادثة الإسراء والمعراج تثبيتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الدعوة وتكريماً له في أعقاب سنين طويلة من العمل والدعوة فرفعه الله إلى قلب السماوات وأطلعه على جوانب الإعجاز الإلهي..
قال تعالى:
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" الإسراء: ١
والإسراء هو السير ليلاً ويقصد به هنا: تلك الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس..
ويقصد بالمعراجما جاء بعدها من ارتفاع في أطباق السماوات حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق ولا يعرف حقيقته أحد إلا الله تعالى، ثم العودة إلى المسجد الحرام، في ليلة واحدة، ليري الله نبيه بعض آياته الكبرى..
وقد جاء حادث الاسراء والمعراج في فترة من أعصب الفترات في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي تاريخ دعوته إذ أنه كان في هذه الفترة يعيش في جو الشدائد ويواجه بموجة عاصفة من العداء والإيذاء والوحشية من اعدائه..
ولا سيما بعد أن فقد درعيه: عمه أبا طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها وهما اللذان كانا عضدين قويين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الدعوة..
في هذا الجو المكفهر، تصدر الأوامر الإلهية إلى أمين الوحي، أن يكون بمعية خير خلق الله، في هذه الرحلة المباركة الرحلة التكريمية، فبدأت الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به إلى السماوات العلى، ليريه من آياته الكبرى، في فترة وجيزة من ليلة واحدة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحلتيه المباركتين الى مكان رقوده وما زال الليل لم ينقض بعد..
وكانت وسيلة الانتقال برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى فلسطين دابة تسمى البراق..
وقد صحب جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الرحلة الى أن وصل الى بيت المقدس فنزل من على البراق ودخل المسجد فوجد فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في انتظاره وعندئذ استقبلوه استقبالا كبيرا يليق بسمو منزلته وعلو مكانته ثم أقيمت الصلاة فقدم صلوات الله وسلامه عليه ليكون إمام تلك الصفوة من الخلق فأمهم وصلى بهم..
وأعظم هدية نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بها إلينا من هذه الرحلة المباركة هي فريضة "الصلاة" التي بها يتصل العبد بربه سبحانه وتعالى كل يوم خمس مرات..
وهنا نذكّر كل مسلم ومسلمة بالحفاظ على الصلاة وأدائها في وقتها؛ لأنها أول ما يسأل عنه العبد في قبره..
وقد رويت أحاديث كثيرة عما رأى رسول الله من صور شتى لثواب الصالحين وعقاب الطالحين، كأولئك الذين لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، أولئك الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، وكذلك جزاء آكلي الربا وجزاء الزناة، وآكلي أموال اليتامى ظلماً..
وفي صبيحة اليوم التالي غدا رسول الله على قريش، فأخبرهم الخبر فقال أكثر الناس هذا والله هو الأمر العجيب، والله إن العير لتطرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة وشهراً مقبلة، أفيذهب محمد ذلك في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟ وذهب الناس إلى أبي بكر يخبروه بما قال صاحبه فقال:
والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم في ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه بهذا..
وأقبل على رسول الله وسأله: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس؟ قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي قال فرفع لي بيت المقدس حتى نظرت إليه ثم راح يصفه لأبي بكر وأبو بكر يقول: صدقت أشهد أنك رسول الله حتى انتهى الرسول صلى لله عليه وسلم من وصفه التفت إلى صاحبه وقال: أنت يا أبا بكر الصّديق..