قلوب صغيرة...
ضاقت به الجدران والأبواب مفرغة.. أعمدة تحللت من إنسانيتها .. ظلام يطوي عمره .. يثقل خطواته .. يبكي بحرقة .. دموع مؤلمة .. رموش ملتهبة بالحزن .. مفعمة احلامه بالفقد والغياب .. الاقدار تزخر بانواء الطريق .. صدمات لا ترحم قلوب صغيرة .. عيون غائرة .. خبر حينما سمعه .. لم يكن مصدوما فحسب .. بعثر اوراقه .. حطم ذاكرته .. واحلامه .. مزقت قلبه واحشائه .. سكنته قضبان اخرى .. لم يكن صديق طفوله .. توأم الروح .. كان يعني له شيئا كثيرا .. ابعد مما يتصور .. حتى المغامرات الطفولية .. لم تكد تعني له شيئا .. تلك الطفلة .. لم تكد تعني له شيء ايضا .. هو بعيد عنها .. لا يعرف عنها شيئا .. ولا تعرف عنه شيئا.. تجاهل ذاكرة الصباح .. ومطاردة الفراشات .. يبحثان عن عش يمامه في احراش .. ليست بعيدة عن شاطيء البحر ..يتذكر الوان الاصداف .. يتذكر انه كان معجبا بالوانها .. ومعجبا بحياته .. سريعة.. كظلام المساء .. وامواج البحر .. اين انت .. ايها الصغير الباكي .. والمضحك في اغلب الاحيان .. مزروع في ذاكرته .. وفي انفاسه .. لاتزال عالقة حروفه في جدران غرفته الصغيرة .. وبين حنايا تلك الالعاب المجنونة ..لا تزال ذاكرته تتامله صغيرا .. لم يكبر بعد .. يلقاه ضاحكا كل صباح .. وداعا ايها الصغير .. يتذكر تفاصيل انامله الباردة.. تمسح كتفه.. رغم الوداع .. كان مشاكسا عنيدا .. نافذته الصغيرة مفتوحة ..رفع كلتا يديه .. في اليوم الاخير..كانت هي تلعب معه احيانا .. لانها وحيدة .. حالمة بنجوم السماء .. باسمة في طلعتها الطفولية ..وبراءتها .. قلوب ثلاثة جمعتهم احلام صغيرة.. اين انت ..لما رحلت سريعا .. قبل صباح العيد ..انه على يقين سينتظرها هناك يوم ما .. لم يعد صغيرا .. انه صبيا يافعا .. يذهب الى المسجد .. وهي لم تعد طفلة كما يتذكرها.. لا يستطيع ان يلعب معها .. كما عهدها .. لانه سافر الى السماء .. لم تحتمل انتظاره .. لم ترحم قلبه وعينيه .. بعثرت العابها .. حطمت احلامها .. على اية حال .. سيعود ذات يوم .. سيتلوا الفاتحة .. سيدعوا .. وسيعود قبل الغروب .. الى غرفة صغيرة .. تكاد تحتمله .. سافر على سفينة صبره .. في بحر رسمه بانامله .. ذبلت واختفت .. كما يختفي القمر خلف السحاب ..طفلة تبكي على رصيف الليل.. تعثرت خطواتها على ذلك الرصيف .. نزفت جروحها .. وهو لا يزال في غرفته الصغيرة.. يفتح نافذة على مصراعيها .. يسمع تناثر حبات المطر .. غسل دموعه واحزانه .. طاهرة روحه من ادران امسه .. امتزجت افكاره مع نسيم الليل .. كتب قصيدة رثاء .. على ثرى الشهيد.. وجود من عدم ..تامل خيال تلك الطفلة .. ابتسامتها .. رسمها في دفتره .. رسم شروقا وغروبا .. وقلوبا وحجارة .. مسح دموعه .. غلق نوافذه .. تمدد على سريره .. اغمض عينيه .. لم يمض سريعا .. توالدت الاحلام بين رموشه.. يمشي في طريق قمري .. يركض بشوق .. مسك يدها .. تعالت ضحكاتهما .. كان معا قبل شروق شمس الصباح..
بقلمي / ناصر الضامري