حصل جنوب السودان، منذ أربع سنوات، وعقب حربين أهليتين مدمرتين، على استقلاله عن الخرطوم. لكنه يكتشف اليوم أن بناء دولة جديدة يماثل في صعوبته إيجاد دولة، حيث أشعل القادة المتناحرون شرارات عنف ولا يزالون يذكونها. خمسون ألف شخص قتلوا، وشرد الملايين، في حين يهدد تصاعد وتيرة الأعمال الوحشية بأن الأسوأ لم يأت بعد.
اقتصر مستوى الاهتمام الذي حظي به جنوب السودان إلى اليوم على مساعدات إنسانية وتحركات تعالج الأعراض لا المسببات. وها هو الغرب الذي لعب دوراً أساسياً في ولادة الدولة الجديدة، يصارع لإيجاد الحل بفرض عقوبات على بعض القادة، ومناقشة حظر التسلح.
الدولة لم تجهض، ولا يزال شعب جنوب السودان مثقلاً بدستوره. وقد ازداد عدد أفراد الجيش بشكل هائل، وغابت وحدة القيادة، كما غابت الإصلاحات عن الحزب الحاكم منذ أيام الثورة. ولم يعد لديه إلا القليل ليقدمه للناس في مجتمع تسوده الانقسامات العميقة. إلا أن هناك توقا حقيقيا لإجراء حوار وطني، عبرت عنه الكنائس وكبار السن والمنظمات النسائية والمفكرين والمتحزبين.
ويعتبر التحريض في ظل الأجواء القائمة قاتلاً، فيما تبرز قيمة كل عمل يدل على شجاعة أخلاقية. سيما أن عملية السلام الرئيسية التي تقودها الهيئة الحكومية للتنمية لم تبدأ بالتعامل مع مأزق جنوب السودان بالشكل المناسب.
إن طبيعة البلاد التقسيمية لا تعتبر ملائمة إطلاقاً لاعتماد نهج يبدأ من القمة نزولاً، كما لا يشكل جيران جنوب السودان جهات ملائمة لحل الأزمة.
أنقذت الأمم المتحدة عشرات آلاف الأشخاص بمنحها اللجوء للناس الفارين من الاضطهاد، إلا أنه يبقى عليها أن تعثر على منبر أخلاقي واستراتيجية سياسية. ويجب إقناع كل من رئيس جنوب السودان سالفا كير وقائد المعارضة ريك مشار بأن الفرصة الأخيرة لهما لصياغة إرثهما السياسي ما زالت متاحة. كما يتعين على الدولة استقراء الدروس من طبيعة التنافس السياسي واحتوائه.
رد مع اقتباس
