تسعى الحكومة المصرية إلى تعريف العالم بأنها ترحب بالمشاريع الاستثمارية الكبرى. فبعد أربع سنوات من تأثير أحداث الربيع العربي على استقرار البلاد ذات التسعين مليون مواطن، يأمل قادة مصر الجدد أن يشكل افتتاح قناة السويس الجديدة رمزاً لتعافي البلاد.
وفي حين يعتبر التمويل المبتكر والتنفيذ السريع للقناة الجديدة التي يبلغ طولها ثلاثين ميلاً أمراً مثيراً للإعجاب، إلا أن مصر لا تزال مطالبة بالكثير من العمل، في اندفاعها نحو العودة إلى استقطاب المستثمرين الأجانب والسياح إليها مجدداً.
ولم تثن الحرارة المرتفعة المصريين عن النزول إلى الشارع في حشود للاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة. وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم افتتاح القناة يوم عطلة رسمية، في الوقت الذي سادت معالم الفرح العاصمة المصرية، القاهرة، ذات العشرين مليون نسمة.
احتفال استثنائي
وبدا الاحتفال بافتتاح القناة فخماً، حيث جابت الطائرات سماء مصر، وملأت السفن نهر النيل وأضاءت الألعاب النارية السماء. ومن بين الحضور كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى جانب رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وملك البحرين وأمير الكويت، ولم يكن وزير الخارجية الأميركية جون كيري من الحاضرين، إلا أنه كان في القاهرة قبل الحدث بقليل، وأعطى ما يعتقد البعض أنه موافقة ضمنية من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على المشروع. ومثل داريل عيسى، النائب الجمهوري المتشدد من ولاية كاليفورنيا الولايات المتحدة، إلى جانب روبرت بيكروفت، السفير الأميركي لدى مصر.
وكان هناك تشديد أمني ظاهر، حيث الكثير من نقاط التفتيش وعمليات التفتيش التي يقوم بها رجال القوات المسلحة..
وأعلن السيسي أن القناة الجديدة، التي تعادل ثلث طول القناة الموجودة أصلاً، هي «هدية مصر للعالم»، حيث ستساعد على تحسين وضع التجارة والاقتصاد العالميين. وبينما ستقلل الوقت الذي تقضيه السفن في اجتياز هذا الممر المائي، يدور النقاش بين الخبراء حول طبيعة الدفعة التي ستعطيها هذه القناة للاقتصاد الدولي.
ولا يزال عدد السفن التي تعبر القناة أقل من مستويات الذروة التي وصلت إليها مستويات عبور السفن قبل الأزمة المالية عام 2008. أوروبا من ناحية أخرى، التي تعتبر الوجهة الرئيسية لكثير من البضائع التي تمر عبر قناة السويس، عانت تجارياً خلال تلك الفترة، بشكل قلل من الطلب على بعض أنواع السلع مكتملة الصنع، مما أدى إلى تقليل حركة السفن عبر قناة السويس. ولكن توقعات الخبراء العالميين تشير إلى أن ملامح هذه الصورة في طريقها إلى التغير بما يرفع الطلب بصورة ملموسة على استخدام القناة.
استقرار نسبي
ويرى الخبراء أن من السذاجة الاعتقاد بأن التجارة العالمية ستظل عند المستوى الحالي إلى الأبد، وأن اقتصادات أوروبا وشمال أفريقيا ستتقلص إلى أجل غير مسمى. ويواصل مستوى التجارة العالمية النمو بنسبة 3% سنوياً، وهو ما سيفضي إلى عبور مزيد من السفن القناة، بالإضافة إلى ذلك فإن عبور السفن للقناة بشكل أسرع قد يتيح أيضاً عبور سفن أخرى للقناة. وقد تقلل هيئة قناة السويس قيمة رسوم استخدام القناة، بشكل يشجع حركة الملاحة على الاستفادة من الفرصة. إلا أن نجاح مشروع مثل قناة السويس لا يمكن أن يقاس من خلال حركة السفن والربح فقط، وذلك على غرار المشاريع الكبيرة التي من المفترض أن تغرس الثقة.
ومولت الحكومة المصرية كامل المشروع بقيمة تقدر بنحو 8 ملايين دولار أميركي، وذلك ببيعها شهادات للمصريين بفائدة تصل إلى 12%. وهذا يعني 2% أعلى من الذي قد يجنيه المستثمرون من مجرد وضع أموالهم في حسابات التوفير البنكية. والحقيقة المتمثلة في أن المستثمرين المصريين كانوا حريصين على قبول مثل هذا الاستثمار محدود المخاطر يظهر وجود ثقة كبيرة في النظام الحالي.
ويعتبر المستثمرون الأجانب أساس تحقيق النمو في مصر، وسيتطلب جلبهم مزيداً من الإقناع قبل أن يشعروا بالراحة لعودتهم إلى الاستثمار في البلاد. والأمر ذاته ينطبق على السياح الذين يعتبرون مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة في البلاد.
تعافٍ
تحتاج الحكومة المصرية إلى أكثر من بناء القناة وكسب تأييد الشعب لوضع اقتصاد مصر على طريق النمو مجدداً. وكلا الأمرين جيد، إلى أنه يحتاج إلى مزيد من العمل للتقدم. ففي البداية يحتاج الأمر إلى ضمان أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستجرى بالفعل، وأنها ستكون نزيهة وحرة. ويتوجب على الحكومة المصرية أن تقدم على خطوات أكبر لتأمين البيئة الاستثمارية اللازمة.
وليست هذه بالتغيرات البسيطة، بل هي كبيرة جداً في الحقيقة. إلا أن المصريين لم يخشوا يوماً من التغييرات الكبيرة. وحتى الآن يبدو أن مصر على الطريق الصحيح.
رد مع اقتباس
