صديقي عبده ....
تنظر اليه بازدراء عجيب ..يكاد يخلو من العاطفة والرحمة ...تعتقد انه جزء زائد في كف الاسرة..ينبغي التخلص منه وابعاده عن محيطها في اقرب فرصة...كما تعتقد انه منافس قوي لابنها الوحيد في الميراث المنتظر من والده الطريح على فراش الموت بسبب ذلك المرض الخبيث القاتل .. بينما الاب المريض تختلط مشاعره تجاه ابنه المصاب بمتلازمة داون.. يناديه (عبده) اختصارا لـعبدالرحمن.. يقرأ في عينيه الصغيرتين ألم الفقد والغياب..سبق ان فقد حنان امه اثر طلاقها منه.. المرض يدفعه بقوة نحو هاوية الموت السحيقة ....سمع صوت ابنه محمد اثر دخوله المنزل.... استقبله عبده الاخ غير الشقيق .. حضن اخيه كعادته.. جلسا معا يتبادلان أطراف حديث بلغة غير مفهومة.. يبدو ان محمد اصبح يفهم ما يريد عبده.. ثم خرجا معا الى صالة الحديد .. معظم شباب الصالة رحبوا بقدوم عبده ..يحظى بمحبتهم واعجابهم.. يبدو على عبده الهمه والعزم والجدية في ممارسة تلك الرياضة .. في تلك الاثناء تعالت رنة هاتف محمد النقال .. الوالدة العزيزة حسبما هو مكتوب .. رد عليها –كعادته-..أنصت لبرهة.. بينما تساقطت الدموع بشكل ملفت.. تساءل عبده عما يحدث مومأ بكلتا يديه .. (بابا خلاص ,.الله الله) – أخبره محمد..كأن عبده استوعب الامر ولكنه التزم الصمت ..لدى دخول المنزل.. تأكد محمد ان أبيه فارق الحياة .. بينما عبده وقف صامتا متأملا الوضع الحزين ...مرت الايام والشهور ..بدأ عبده ملاصقا لاخيه محمد في الخروج من المنزل .. بينما أم محمد لم يسرها هذا الوضع .. تهاجم عبده وتنهره احيانا وتنعته بألفاظ بذيئة ..لم يعد في عينيها الا شيئا عالقا في جسدها ..غير مرغوب فيه بالمنزل..وقف محمد في إحدى المرات غير راض عما يشاهده تجاه اخيه عبده من أمه في صالة المنزل حينما كانت تقهقه مع صويحباتها ..بل يتداولن صور عبده في الهاتف النقال مع صديقاتهن .. أليس هذا انسان يحترم ويقدر ..لديه مشاعر حاله كحال الاخرين ....له الحق ان يعيش ويستمتع بهذه الحياة .. ندعه وشأنه .. أستغرب ان البعض يجعل منه مادة للضحك والسخرية .. غادر محمد وبصحبته عبده المنزل لحضور مباراة كرة قدم .. تفاعل عبده لدى مشاهدته تلك المباراة .. بل اصبح مشجعا معروفا لدى جماهير ذلك النادي ..عادا في وقت متأخر الى المنزل ..لم تكن أم محمد موجودة بالمنزل.. جلسا في صالة المنزل يشاهدا التلفاز ..طال الوقت ..رن الهاتف النقال المشؤوم ..رقم غريب ..رد عليه محمد..صعق لدى سماع نبأ تعرض والدته لحادث سير ..أتجها سريعا الى المستشفى .. والدته وضعها خطير .. بحاجة لدم ..تبرع لها عبده..لملائمة فصيلة دمه .....توالت العمليات في جسدها .. حمد ربه لتنبه والدته بعد ثلاثة ايام في المستشفى .. تأكد للاسف انها ستكون مشلولة.. حبيسة مقعد متحرك .. مرت اكثر من ثلاثة اشهر..خرجا من المستشفى يدفع محمد والدته في كرسي متحرك ..بينما عبده يسير بقربهما .. تتأمله أم ياسر بعين حزينة ونادمة .. هذا هو القدر ..هذه هي الدنيا .. كيف أمس بل كيف اليوم؟ ..أسئلة تدور في خلدها .. تمنت لو كانت مكان عبده تمشي على رجليها ..ها هي اليوم اصبحت مقيدة في هذا الكرسي ليل نهار.. طلب عبده من اخيه ياسر ان يقوم بدفعها حتى وصول السيارة ..شعرت أن الدنيا انقلبت رأسا على عقب..كيف لهذا المسكين أن تدخل الرحمة الى قلبه ليمد اليها بكف المساعدة.. بالأمس كانت تزدريه ..آه يا دنيا .. تحدث نفسها..بينما عبده تسمر في المقعد الامامي لتلك السيارة الفاخرة ..مشت سريعا لتصل الى البيت .. نظرت الى البيت كأنه سجنا أبديا .. بينما تناثرت اشجار النخيل في فناء المنزل كقضبان سجن مشؤومة ..لم يعد مهما لديها ان عبده اصبح شريك لأبنها في ملكية هذا المنزل الفخم .. ورفاهية الحياة ..
بقلمي/ ناصر الضامري