كانت تعد الأيام والسنين لتحقق حلمها الوحيد في هذه الحياة وهو الذهاب إلى بيت الله الحرام حاجة وزائرة لبيته الكريم لتطوف بالكعبة المشرفة وتسعى بين الصفا والمروة وتروي ظمأها من ماء زمزم الذي حكت لها عن حلاوة طعمه بعض النسوة من قريتها العائدات من أداء فريضة الحج.
قطعت على نفسها عهدا بينها وبين خالقها أن لا تحج إلا من مال تقوم هي بادخاره من بيعها للسمن الذي تجود به عليها بقرتها الحلوب التي كانت تعاملها معاملة إحدى بناتها وتدعو لها الله أن يكلأها بعنايته ويسمن ضرعها ويدر لبنها حتى تستطيع أن تستوفي أجرة الحج كاملة، فاستغرق منها هذا الامر أربع سنين لتجمع المبلغ كاملا وتدفعها لصاحب حملة الحج الذي لم يكن ليفرق بين معسر وموسر عندما يتعلق الأمر بالذهاب الى الحج وزيارة بيته الحرام.
لبست الابيض من الثوب وودعت جيرانها وأحبابها وكل من في قريتها بابتسامة لم تكن لتفارق محياها وهي تستبرئ كل من تلاقيه في طريقها بلغة عامية بسيطة وتدعوهم أن يسامحوها ان اخطأت في حقهم وأن يدعوا لها بالتوفيق في حجها وسعيها، وهم يردون عليها بالمثل أن تدعو هي لهم أمام بيت الله الحرام أن يوفقهم في شؤون حياتهم ومتاع دنياهم وأن يبارك الله لهم في خيرهم ونعيمهم.
لم تكف في طريقها عن ترديد ما حفظته من كتاب الله وأدعية تتقرب بها الى خالقها، حتى لحظة وقوف حافلتهم على المنفذ الحدودي وبقائها هي ومن معها مرابطين في خيام لم تكن لتوفر لهم الكثير من سبل الراحة، إلى أن أخبروها بأنها لن تستطيع عبور الحد الفاصل بين المكان الذي تقف عليه وكعبة المسلمين وأنها ومن معها سيرجعون من حيث أتوا إلى قريتهم التي ودعتهم قبل يومين بالكثير من الدعاء بالتوفيق في حلهم وترحالهم. لم يكن لها حتى عندما أخبروها بأن صاحب الحملة الذي أتى بهم إلى هذا المكان لم يكن معتمدا ولا مصرح له بنقل الحجاج، لم يكن لها من قول إلا حسبي الله ونعم الوكيل.
هذه القصة وغيرها الكثير تكررت عبر المنافذ الحدودية هذا الاسبوع عندما تم ايقاف كثير من حجاج بيت الله الحرام من عبور الحدود الى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج إما جهلا منهم بطرق الحصول على التصاريح الرسمية اللازمة لأداء فريضة الحج والطرق الصحيحة التي يجب أن يتبعوها والتي توصلهم إلى الغاية التي ذهبوا من أجلها، وإما ثقة مفرطة في صاحب الحملة كما هي ثقة العماني في أخيه الذي لا يشك في لحظة بأنه سيقوم بغشه وخداعه خصوصا ان تعلق الأمر بأداء منسك وشعيرة وركن من أركان الاسلام الخمسة التي لا يستقيم إسلام المرء ما لم يأت بها، وإما تقصيرا من الوزارة المعنية بتنظيم شؤون الحج من تثقيفها للحجاج وإرشادهم إلى الطرق الصحيحة للحج وإما خطأ لا يزال يتكرر في طريقة معالجة التصاريح ولمن يجب ان تصرف ومعالجة ارتفاع أسعار الحج التي يبالغ فيها أصحاب الاعمال التي ترون من أنها فرصة لا تتكرر الا مرة في العام ويجب أن يستغلونها أفضل استغلال.
ما جرى هو درس جيد للجميع للتعلم منه ولا عزاء لمن فاته حج هذا العام سوى القول شكر الله سعيكم وعسى أن يمن الله عليكم بالحج العام المقبل.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قائد الغزلان
