الصمت كما يقول كثير من الفلاسفة الاجتماعيين، نوع من أنواع الحوار المثمر والحضاري، لقد مدحه الإمام الشافعي -رحمه الله- واستعمله أو نصح باستعماله سوطا تجلد به من أساء إليك في القول:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فإن كَلَّمْتَهُ فرَّجْتَ عَنهُ
وإنُ خَلّيْتَهُ كَمَداً يّمُوتُ
وإذا كنا نخلط بين الصمت والسكوت، فلا بأس بذلك لقربهما في المعنى من بعضهما، غير أن الصمت حسب كثير من معاجم اللغة، هو ما لا يكون قبله كلام. فالعرب تقول عن اللبن الخاثر: الصامت لأنه هو الذي إذا أُفرغ في إناء لم يسمع له صوت، أما السكوت فإني أرى أنه صمت بعد صوت وهذا ما يقوله ابن الفارس: السكوت صمت بعد كلام. أو هو خلاف الكلام.
إنه اللسان الذي عنده قدرة تتعدى الأسنان والأمواس، بل والسيوف، في القطع والجرح والألم*وأعود للصمت الذي هو خلاف الكلام، فأقول إن الأطباء وعلماء البيولوجي درسوا الفم وما في باطنه من أسنان ولثة وغشاء مخاطي وخلايا للتذوق المالح والمر والحلو، وما في الفم من إنزيمات وغدد تفرز اللعاب؛ للمساعدة على الكلام وعلى الهضم.. والأسنان بأشكالها وأحجامها وعملها في الطحن والسحق و... ولكن ماذا بعد.. إنه اللسان الذي عنده قدرة تتعدى الأسنان والأمواس بل والسيوف في القطع والجرح والألم، أتعلم قارئي العزيز أن اللسان لديه القدرة على الجرح الخطير أي الجرح الذي يسمم المجروح، نعم إنه اللسان
اقرأ معي هذه العبارة التي قالها أحد الحكماء: وقد يرجى لجرح السيف برء ولا برءٌ لما جرح اللسان.
*هذه المضغة الصغيرة في تجويف الفم، والتي تتميز بالليونة واللطافة والرقة، بها أكبر من طاقة القنبلة الذرية في التدمير الشامل، وإلا فما النميمة وما الغيبة سوى كلام في كلام، وما السباب وفحش القول سوى كلام في كلام، وما الكلام الذي لا ثمرة فيه وما الكلام الذي يراكم عليك الذنوب سوى كلام في كلام، وكل ذلك من عمل اللسان؟!
جاء في مسند أحمد -رحمه الله- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم* اللسان)، وما أكثر هذه العينة في صحفنا ومجلاتنا وتليفزيوناتنا، وكل ذلك كلام في كلام .. وهو يزرع الفُرقة بين الأشقاء وينبت الفِتن التي تحصد البلاد والعباد.
إن خير الناس من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من كان صمته فكراً وكلامه ذكراً ونظره عبراً، وهذا جزء من سلوك نبينا وقدوتنا محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولكن منْ فينا من يتخذ هذا المنهج ديدن حياة؟!
*وأخيراً قال حكيم: إذا أعجبك الكلام فأصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم. وكان يقال: مِن السكوت ما هو أبلغ من الكلام، لأن السفيه إذا سُكِتَّ عنه كان في اغتمام. وقيل لرجل: بِمَ سادكم الأحنف؟ فوالله ما كان بأكبركم سناً ولا بأكثركم مالاً. فقال: بقوة سلطانه على لسانه. وقيل الكلمة أسيرة وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار في وثاقها. قال حكيم: أتكلم بكلمة ملكتُها فإذا تكلمتُ بها ملكتني.
وقال علي -رضي الله تعالى عنه-: بكثرة الصمت تكونُ الهيبة. وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: الكلام كالدواء إن أقللتَ منه نفع، وإن أكثرتَ منه قتل.
وقال لقمان لولده: يا بُني إن افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.
يقول اللسان كل صباح وكل مساءٍ للجوارح كيف أنتن؟ فيقلن: بخير إن تركتنا. قال الشاعر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
إن البلاء مُوكَّلٌ بالمنطق.
منقول لعيونكم - فريق مجموعه الاعياد ☆°•○▪
رد مع اقتباس
