أخي العزيز / سعيد الغافري
الجمت لساني الغافري عن الرد فكلماتك عانقت ألمي ووجعي ، فمازالت أطياف مريم معي ترافقني في صباحاتي ومساءاتي، منذ غيابها شعرت أن الدنيا صغيرة جدا لا مجال فيها للزعل والعتب فالموت يأتي فجأة وليس عنه مغيب.
مايؤلمني حقا أن أخر محادثة كانت بيننا في تلك الليلة المشؤومة وكانت أخر من كنت أتحادث معها ودعوتها للنوم ولقائنا غدا للتباحث فيما كنا نقوله في تلك الليلة من هموم التربية ولو كنت أعلم يقينا أنها ستكون أخر محادثة لما أنهيتها..
آه ياسعيد لقد قلبت المواجع وصحيت في داخلي ألما كنت أخال أنه انتسى أو حاولت مرغمة على نسيانه.
ماأعلمه جيدا أن رحيلها قد هزني وغبت عن العالم ولم أعد على تواصل مع أي زميلة بعدها ..
والجمت بالصمت ولم أعد أجيب على اتصالات أومسجات فترة من الوقت ، فمريم عالم جميل في حياتي منذ زمن قديم ليس صحبة يوم أو شهر أو سنة بل عمر بأكمله ..
عشنا الحياة معا بتفاصيلها ، نتشاطر الخبز والملح ..همومنا واحدة فكنا في تلك الغرفة نجلس نتشاكى وعندما تأتي زميلاتنا نغير مجرى الحديث ، أسرار كثيرة بيننا لا يعلمها سوانا وكانت نعم الأخت والصديقة التي أفتقدها بشدة ولن يعوضني أحد في صحبتها..
منذ وفاة مريم هجرت مدرستنا ولم تطأها قدامي وشاءت الأقدار هذا العام لأكون مشرفة عليها ..هل تعلم الشعور الذي ينتاب من يفقد عزيز كان قطعة من قلبه ..
عندما وصلت إلى باب المدرسة خارت قدماي عن الحركة والجم لساني ماذاعساني أن أتفوه عندما كنت أزورها كانت هي في انتظاري ترافقني طوال وجودي وعندما أرحل مودعة كانت ترافقني إلى عتبة الباب ..
لذا كان يدور في قلب وداد مئات الأسئلة كيف سأتغلب على هذا الوضع الذي أنا فيهِ.. استجمعت قواي وفتحت الباب وعندما وصلت أحداث من الماضي مرت عليها شريط ذكريات وكأنه الأمس القريب ..
التفت يمينا فإذا بتلك الغرفة التي أعدتها للطلبة الضعاف( برنامج اقرأ وأفكر) وقد بعثت لي بصورها لتأخذ رأيي فيها فأسرعت ملبية النداء في اليوم التالي لأشاهدها عن قرب هكذا كنا في أصغر الأمور نتشاور ...وكانت جميلة تلك الغرفة بجمال روح مريم ونقاءها.
ثم هاأنا أسير خطوة خطوة ولكن خطواتي مثقلة بالحنين والأشواق مردده بيني وبين نفسي هل سألمح طيفها كالعادة ولكن عندما دخلت وجدته موحش نعم موحش رغم كثرة من فيهِ إلا أن شخصا واحد يملأ المكان أمام أعيننا فنشعر بجماله..
جاءت زميلاتي لإلقاء التحية بعد غياب قد طال عن القدوم إلى هذا الصرح وكانت عبارات الاستقبال جميلة ولكن كنت أبحث بينهن عن مريم لعلني أكون في حلم ..
أخذتني إحدى زميلاتي بين أحضانها وغلبتها دموعها حاولت قدر الإمكان أن استجمع قواي ولا تدمع عيني ولكن هيهات..
توالت الزميلات وكنت في حاجة إلى التفريغ عما في داخلي من ألم وهاهي أقبلت رفيقتنا الثالثة فما أن رأيتها إلى ارتميت بين أحضانها وماشعرت إلا بقلبي ينزف دما ودموعي منسابة تصرخ آه يامريم.. آه يارفيقتي أين أنتي.. لمن تركتي وداد وألمها. آه يامريم أيعقل أنني هنا في هذا المكان ولم أراكِ والمح طيفكِ.. وبدأت تهدئ من روعي .. وتذكرني بالاستغفار والدعاء لها ..آه يارفيقتي دنياي مظلمة بدونك نعم رغم من حولي ورغم تعددت الصويحبات من حولي إلا أن مريم عالم مختلف عايشته بكل أفراحه وأحزانه..
لذا خرجت مثقله من مدرستنا حاملة وجع أبى أن يزول .. واشتياق يتجدد مع الأيام ..
وهاأنت ياسعيد أتيت مجددا تعزف لحن الحزن في هذه المعزوفة وكأنك تحكي فعلا مدى ألم وداد ووجعها الذي يعرفه من هم الأقرب لمريم ( أسرتها)
مريم كالفراشة كانت تنتقل من مكان إلى آخر حاملة معها تلك الابتسامة التي مازالت أمي تتذكرها ومن حولها يتذكرها رغم الحزن أحيانا في داخلها إلا أن هذه الابتسامة كانت رفيقتها لذلك الجميع عشقها ومازالت صور بأكملها ترثيها.
هنا التزم بالصمت فمهما سطرت من حروف ومعاني لمريم لن أوفيها ولو جزء بسيط مما قدمته لي من معاني الصداقة
وهنا أشكر أبو المعتصم وابنتها الكبرى اللذان كان لهما دورا في إخراج النص بهذا الشكل من خلال إرفاق الصور وموافقتهما على نشره ..
أبو المعتصم دائما الرفيق والأخ والصديق والزوج الحاني لها ولن يتوانى أبدا عندما كانت على قيد الحياة أو بعد مماتها على إبقاء ذكرها بين الجميع لذا له الشكر الجزيل على تعاونه معنا..
سعيد الغافري
الذي أثبت اليوم فعلا أنه توأم قلمي والذي ترجم مافي مشاعري من خلال كتاباتي الموجوعة بفقد مريم فكانت حروفه النازفة والصادقة دواء ضمد وجعنا جميعا..
وكلماتك في مريم راقية وأنا أشهد أنها معلمة مخلصة أفنت عمرها في بناء أجيال بكت وجعا لفراقها.. ومازالت الأمهات عند رؤيتي لهن يذكرن عطائها وأنها نعم المربية الفاضلة التي تستحق كل احترام وتقدير.
في الختام
كل التحايا لكل من سيمر هنا ويدعو لها بالمغفرة ...