هلا بالجميع ..
قصه واقعيه في مدينتي تعود لأكثر من 100 عام ..
كان والدي ووالدتي - رحمهما الله - يقصان لي الكثير من القصص وانا طفل صغير وتحديدا والدتي لكون والدي كثير السفر ..
تلك القصص يقصها عليهما بدورهم اباؤهم وامهاتهم فهي متوارثه اب عن جد ..
من ضمن تلك القصص ما سأقصه الآن ..
منذ اكثر من 100 عام لم تكن مدينتي كما هي الآن وهذا الامر ينطبق على كل مدن السلطنه بل ومدن العالم اجمع سواء العربي او الغربي ..
كان في مدينتي تاجر هندي من الطائفه الهندوسيه ويطلق عليه لقب ( بانيان ) وهو لقب يطلق على الهنود الذين يدينون بهذه الديانه ..
ويعود تواجد البانيان بالسلطنه لما يقارب 150 او 200 عام والذين من ضمنهن الآن عائلة كيمجي رمداس ودرامسي نانسي ..
وكما هو معروف ان تواجد عائلة البانيان بالسلطنه كان ابان حكم السيد تركي بن سعيد رحمه الله وهم اكثر طوائف الهندوس نجاحا في التجاره ويقال بأن الامام ناصر بن مرشد استعان بأحدهم عند الهجوم على البرتغال بقلعة مطرح وكان البانيان كتجار يتواجدون في مطرح وبعض ولايات السلطنه وخاصة البحريه مثل الباطنه وصور ..
نعود لقصتنا من جديد ..
ذلك البانيان محبوبا عند كل اهالي مدينتي حيث كان يراعيهم في الاسعار ويثق فيهم ويصبر عليهم اذا نقص عليهم مبلغ ما اثناء عملية الشراء منه ..
كان يعمل لديه ابنه واخيه بذلك المحل الذي يملكه حيث يبيع فيه الاقمشه الرجاليه والنسائيه من حرير وصوف وقطن كما انه ايضا يبيع المواد الغذائيه من ارز ودقيق وسكر ... الخ ..
الجميع يقصد محله سواء سكان مدينتي او المدن الأخرى التابعه لها نظرا لتواجد كل شيئ تقريبا في محله خاصة ان تلك الايام المتطلبات كانت بسيطه وليس كما هي الآن اضافة الى حسن تعامله المعروف عنه بشهادة الجميع ..
في يوم ما جاءه رجل من مدينة اخرى وهي المره الاولى التي يدخل فيها المحل ..
اشترى بعض البضائع التي يحتاج لها وكانت العمله في تلك الايام القروش الفضيه وليس كما هو الآن ..
بعدما اكمل شراء مايحتاجه همّ بدفع الحساب إلا ان المبلغ المطلوب كان اكبر مما يتوفر لديه في تلك اللحظه ..
ارتبك الرجل واحتار فليس بالمدينه احد يعرفه ليضمنه عند صاحب المحل اضافة الى انه من الصعب ان يعود لبلده دون شراء كل مايحتاج له كما ان بلده تبعد اكثر من 70 كيلو وتلك الايام لم يكن هناك مواصلات سوى الجمال والحمير ( اعزكم الله ) وهي رحله جدا شاقه عليه ومتعبه ..
وهو في لجّ تفكيره قطع عليه البانيان حبل تفكيره وقال له : ادرك تماما مايدور بعقلك من تساؤلات كما انني اعرف صعوبة الوضع والموقف .. ولكن لدي حل مناسب لك ولي ايضا ..
رد الرجل بكل فرح والبشر يملأ اساريره : ماهو الحل ؟ فأنا على استعداد لكل ماتريد لأن المهم عندي ان اعود لبلدي بكل ماقمت بشراؤه منك ..
رد عليه البانيان بكل هدوء :اعطني شعرة من لحيتك كضمان لعودتكوسوف اضعها في علبة واكتب في ورقه صغيره اسمك بالكامل وكم الدين الذي عليك والمده التي تريدها للوفاء بدينك ..
كان ابن واخ البانيان يستمعان لذلك الحديث العجيب وهما فاغرا الدهشه مما يسمعان ..
نظر الرجل للبانيان وقال بهدوء : ان ماتطلبه عظيما وكبيرا وليس من السهل الموافقة عليه ولكني سأعطيك شعرة واحده من لحيتي وسأعود بعد انقضاء 6 اشهر لدفع ماتبقى علي من دين لك واستلمها منك وإياك والتفريط بها ..
وافق التاجر وسلمه بضاعته كلها دونما نقصان وعندها نتف الرجل شعرة واحده من لحيته واعطاها له وهو متألم وحزين من هذا الموقف الصعب الذي اجبرته الظروف ان يكون تحت وطأته ..
فتح التاجر علبة صغيره ووضع الشعره داخلها ومعها ورقه صغيره تحمل اسم الرجل بالكامل وكم يبلغ دينه والمده المطلوبه لذلك ..
خرج الرجل محملاّ الاغراض التي يحتاجها وودعه التاجر على امل اللقاء به حسب الموعد المتفق عليه ..
مرت الايام والاشهر ولم يعد الرجل وكان ابن التاجر واخيه يقولان له .. الم ننهيك عن هذا ؟ كيف تثق بإنسان غريب ومقابل شعره تسلمه بضائع بهذه القيمه ؟ صدقنا لن يعود اليك مرة اخرى ..
التاجر يستمع لكلامهما ويرد عليهما بكل هدوء وهو مبتسم : صدقاني سيعود فأنتما تجهلان العمانيين واخلاقياتهم ..
بعد مرور عام كامل تقريبا وبينما كان التاجر وابنه واخيه منهمكين في عملهم بالبيع وتحضير للمشتريات ومراجعة الفواتير ..
فجأه سمعوا صوتا يقول بكل هدوء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفتوا لمصدر الصوت وهالهم المنظر خاصة ابن التاجر واخيه ..
كان صاحب الصوت هو ذلك الرجل الذي اضطر لرهن شعرة واحدة من لحيته ..
ابتسم التاجر ورد عليه السلام والتفت لإبنه واخيه وقال لهما مبتسما وبكل ثقه وهدوء :الم اقل لكما سيعود ..!
ثم رجع للرجل وسأله : اين كنت يارجل لقد تأخرت عن موعدنا كثيرا ؟
اجابه الرجل : اعتذر لذلك ولكني مررت بظروف صعبه ومنها وفاة والدي وزوجتي وظروف اخرى عائليه ولم استطع الحضور والآن وبعدما رتبت اوضاعي بالبلد عدت اليك لدفع الدين الذي علي واستلام الرهن الخاص بي منك ..
كان الموقف عظيما ومدهشا ومذهلا لإبن التاجر واخيه وكل من تواجد بذلك المحل في تلك اللحظه ..
اي رجل هذا الذي يتكبد عناء المسير ومشقة الطريق ويأتي للوفاء بدينه والذي هو عباره عن شعرة واحده من لحيته ..!
واي تاجر هذا الذي وثق فيه بكل هذه البساطه وكان الرهن في نظر الكثير غير منطقي بل ويعد ربما ضربا من الجنون ..!
وفي وسط رهبة ذلك الموقف وعظمته احضر التاجر العلبه وفتحها امامه وسلمه تلك الشعره فتناولها بكل شوق وتقدير وامتنان وفرح ودفع ماعليه وهو يشكره ويثني عليه وانصرف بكل هدوء امام ذهول كل من كان موجودا ..
تذكرت هذه القصه وانا اعبر الشارع المقابل لذلك المحل قبل فتره بسيطه وكان معي بالسياره اختي حيث قالت لي .. هذا محل البانيان التي كانت والدتنا - رحمها الله - تحدثك عنه ..
ورغم ان الآن بمدينتي محلات كبيره وضخمه كاللولو وكارفور وغيرهما الا ان ذلك المحل لازال كما هو بنفس موقعه وحجمه وهيكله القديم بوسط السوق ولازال له مرتاديه ومحبيه حتى الآن ..!
طبعا الموجودين حاليا بذلك المحل الصغير هم احفاد احفاد احفاد ذلك التاجر ..
رحم الله زمنا كان فيه الوفاء والثقه والحب يغمر القلوب الطيبه والصافيه بغض النظر عن ديانتها ..
زانت ايامكم ..
انتهى .. بقلمي
اخوكم / رايق البال