![](http://store1.up-00.com/2015-04/142962522671.jpg)
جزءٌ من الحياة مفقود !
// و الآنَ أُسرت ضحكاتي ،، لا أدري ما هو ذنبي حتى تصطفيني الحياةُ ضمنَ قائمةَ
المحزونين ! أو بِالكادِ لا أستطيعُ أن أكونَ أنا ،، أختي و أمي في غيابٍ طويلٍ لا تعودان !
أصبحتُ وحيدة لا أقابلُ إلا وجهي على المرآة / و لا أحدثُ إلا حرفيَ الرمادي !!
تجهلُني السعادة .. و قد ضلت سمائي تلكَ الطيور .. و بهتت مِن بُستاني كُلُ زهرةٍ كانت
بِالأمسِ ترقُصُ على أنغامِ النسيم .. //
تكتُب بِلا وعي .. و أيُ وعيٌ قد بقى بعدَ الرحيل .. بعدَ مغادرةَ الأحباب !
محبوسةٌ ما بينَ أربعِ جُدرانٍ لا تلقى لِلُحريةِ وجود .. تتجرعُ الآلام و تقرعُ أبوابَ المنزل
تلكَ الرياح المصحوبة بِالرُعب !
و تتجددُ الأيامُ بِلا شيء .. و يرتسمُ على كُلِ صفحةٍ و سطر حبرٌ أسودٌ لا يتلون !
تُنادي و أيُ صوتٌ يسمعُ بوحها / فَهيَ مُنعزلةٌ تماماً عَن باقي أقرِبائها .. بعدما توفت أُمها
لا يجدونَ شيئاً يدفعهُم لِزيارةِ المنزل / و صديقاتها اللاتي هجرنَ دربها بعدَما أُصيبت بِتلكَ
الحالةِ النفسيةِ البائسة ..
فَهكذا هيَ الأيامُ الآن مُجرد مُذكرات منسية لا تقرأ سطورها إلا تلكَ الاحاسيس .. التي
لا تلمسها إلا أيادي الأسى ..
و لكن !!
هُناكَ مَن كانَ يُتابع الاهتمامَ بِها .. و هيَ لا تُصغي إلى تلكَ الاهتمامات ..
ذلكَ الدكتور الذي اصبحَ مُتعلقاً بِها بعدَ قضائهِ مُدةً مِن الزمن و هو يُعالجُ حالتها
و يقرأُ شخصيتها ..
كانَ يراودها بِمُكالماتٍ لا تعني لها شيئاً ..
حتى أشرقَ صباحَ يومٍ ما .. لا تسمعُ إلا طقطقةً في الباب قد أيقظتها مِن نومِها ..
فَبادرت بِفتحِها / و ما كانَ خلفها إلا الدكتور !!!
ـ أهلاً دكتور !
ـ أيمكنني الدخول ؟
ـ بِالفعل .. تفضل ..
فَأصبحَ يلتفتُ على زوايا المنزل و يتعجبُ مِن الهدوء الذي يستوطنه !
سَألها بِتعجُب : المنزلُ ساكنٌ جداً .. أينَ أمكِ و أختكِ ؟!
ـ لا وجودَ لهُم .. أعيشُ بِمُفردي الآن .. / كلتيهما قد ادركهما الموت ..
اختي وقعت بِحادث .. و أمي على فراش السجادة قد غادرت روحها محظوظة !
ـ أجابها بِصوتٍ مشجون : رحمهما الله و أكرمكِ الصبر !
و ماذا سَتفعلين الآن ؟
ـ ظلت صامتة .. فَبكت و كأن دموعها تروي حكاية طلبِ استغاثة ..
و لكن لا ينفعُ بشر .. بل الرحمنُ هو سامعُ بُكائها و بوحها الحزين ..
فَحاول الدكتور أن يُسكنَ نفسها و يُلقي عليها عبارات بِمعنى أن مَن تمسكَ بالصبر
نالَ الجميل بعد الحُزن ..
و لم يدعها بعدَ ذلك اليوم .. بل ظلَ يُكرمها من الاهتمام /
بدايةُ النسيم !
// سنةٌ و شهرانِ منِ رحيل أمي و أختي .. قضيتُ أيامي هذهِ متواضعةَ الحياة
لا اشتكي من البأس رغمَ الأسى المحفور أمام كُل زاويةٌ ألجأُ إليها / أتجاهل كُل حزن
لأنني على يقين بِأن سعادتي بِقُربِ الرحمن سَتهُب عما قُرب ..
ليست بعيدةً ضحكاتي .. أتحسسُها و اسمعُ صوتَ الأمل يُغني كُل صُبحٍ قد تندت
الأزاهرُ بهِ //
الكتابةُ مرسى راحتها .. و قضاءِ حاجةَ بوحٍ ألتبسَ قلبها ..
توالت الايام و سنةٌ و شهور .. فَاستعادت بعضاً مِن طاقتها .. بِفضلِ الرحمن أولاً
و الدكتورِ ثانياً / فَهو لم يدعها يوماً حائرة .. بل ظلَ يرقبُ حياتها ..
إلى أن وصلَ اليوم .. نعم هذا اليوم !
يومُ الحقيقةِ و الاعتراف / حينَ ضجت المشاعر المختبئة و أعلنت نفسها جهراً اليوم !
تعاطى الدكتور حديثهُ مع الفتاة .. أخبرها بأن اهتمامهُ بِها كانَ يُدعى حُب !
فَطلبَ يدها بِكلِ أدب ..
لحظةُ صمت / فَاحتارت أولاً ..
و لكنَ معلوماتها عنهُ كانت كافية و جديرة بِأن تفتح لها باب الموافقة !
وافقت .. و تم كُلُ شيءٌ على خير ..
و استوطنوا على أرضِ ألمانيا ..
فَقد بدى النسيمُ يهبُ في حياتها مِن كلِ النواحي .. / و بدت السعادةُ تدركُ دربها ..
تمكثُ الآن باسمةَ الوجنين .. شاكرةً ربها على اهتدائِها لِدربٍ تطربُ بهِ التهاليل ..
فَأنجبت طفلةً أسمتها نسبةً لِأختها ..
فَهوَ الحُبُ الباقي و الذي سَيظلُ ثابتاً في قلبها .. على ذكراها ..
أطياف !
ـ طفلةٌ جميلةٌ أنتي .. تُشبهينَ أختي !
ـ بِابتسامةٍ طفولية : و أين أختكِ ؟!
ـ رُبما في المنزل .. و لكن ما اسمُكِ ؟!
ـ ألين !
ـ ابتسمت فَقالت : مثلَ اسمي !
ـ إذاً أنتي صديقتي ..
طبعت على خدها قُبلةً فَعانقتها .. بِلا شيء أحببت ملقاها
و كأن لها علاقةٌ بِها !
*************************
ـ فتاتي الحلوة .. مع من تحدثتي ؟!
ـ إنها فتاةٌ جميلة مثلَ ملامحُ وجهكِ و اسمُها شبيهٌ لِاسمي ..
ـ أين هي .. في أيةِ إتجاهٍ أقبلت تسير ؟!
ـ لا أدري !
انتابها احساسٌ فَقد تكون تلكَ التي حدثت ابنتها هي أختها / و لكن كيف !!!
هيَ مُجرد أوهام لا أكثر ..
فَغادرتا ساحةَ الحديقة عودةً إلى المنزل ..
***************************
أمُ ألين ( ريما ) .. تجلسُ على أحدِ كراسي قاعةِ المحاضرات في إحدى الجامعات
الواقعة في ألمانيا / فَغادرَ الجميعُ القاعة إلا هيَ مكثت تقلبُ أوراقَ دفترها ..
بعدما أنهت ما كانت تقوم عليه ..
خرجت مسرعة منَ الجامعة .. فَقد تأخرت ..
ركبت السيارة عائدةً إلى المنزل .. استوقفتها إشارةُ مرور .. فَظلت تنتظر !
هنيهة فَالتفتت على رصيفِ الطريق ..
لمحت أختها / فَاختفت فجأة .. / قالت في نفسها : الإرهاقُ اثرَ على حالي .. !
فَوصلت المنزل .. ألقت التحية على زوجها و ابنتها .. فَغرقت بِالحديث معهم ..
إلى أن حلَ المساء ..
// لا أفهمُ ما يحدث .. هل جُنَ عقلي فَأصبحتُ أتوهمُ بِوجودِ أختي في الحياة
أم أنَ روحي زادت مِن اشتياقها !! / مهما كان فَلن أكذبَ على نفسي بِأنني
في حالةِ اشتياقٍ لها ، فَأطيافها تُلاحقني !! //
سطرت عدةَ أسطرٍ فَذهبت لِتنام ..
عودة !
طلَ الصباح و ألتصقَ الغمامُ متصافحاً .. نادت العصافيرُ بعضها لِتختبئ في وكناتها ..
فَسقطت حباتُ المطر / و عِندما ارتوت الأرضُ من بعدِ العطش قد رحل الغمام ..
و ابتدأت عينُ الشمسِ تلمع ، و ألوان الطيف سبعةٌ في السماء ..
العصافيرُ ازدحمت على نواحي السماء و الأغصان / فَلبى الجو نداء رغبةٍ في خروجِ
الطفلةُ ألين .. أن تخرج لِتلعب في حديقةٍ ما ..
خرجت العائلةُ الصغيرة .. و الوجوهُ باسمة ، فرِحة بِالجو الرُبيعي ..
فَعندما وصلوا قدِ انفردوا ..
الأبُ أخذَ الطفلة لِتمرح في الألعاب ..
أما ريما أحبت أن تمكث بين الأشجار / تُشاهد الندى و هو يُغطي أوراق الأزهار
الملونة .. و هي تحمل بين يداها دفترها ، لِتمارس الكتابة بِلهجةِ السعادة !
هُنا نبضت الدقائق .. و ترنمت الطيور / كأنها تُخبرُ ريما بخبرٍ مُهم !!
التفتت ، إذ كانَ المنظرُ عجباً منهُ كيفَ حدث !!
أبصرت بِأختها تقفُ أمامها بِعينٍ حزينة .. و كأنها تُحدثُ ريما حديثُ اشتياق ..
نايَ الشوقُ يعزفُ على وترٍ حساس ..
وقفت ريما فَأرادت أن تنطق بِحرف و لكنها عجزت .. اكتفت بِالبُكاء ..
أما ألين قبل أن تنبسَ بِكلمة .. عانقتها عِناقاً يرتجفُ مِن الغياب الطويل !
ـ ثُمَ قالت : سامحيني !
ـ سامحتكِ مِن زمان .. و لكن كيفَ ذلك ؟ كيفَ عُدتِ إلى الحياة ؟؟
ـ أنا لم أمُت .. و لكنني اخترعتُ خُطةً تُبعدني عنِ الواقع ..
فَأنتي تعلمينَ بِأفعالي التافهة .. و قسوتي عليكِ جعلت الندمَ يأكُلني ، خاصةً عِندما
اشتدت حاجتي إليكِ و لم أجدكِ بِقُربي ..
هُددتُ بِالقتل عِندما قررتُ الانحرافَ عنِ الجماعة السيئة التي كنتُ بِها .. فَغلطي علمتُ بِهِ ،
وقتها لجأتُ إلى ألمانيا .. باحثةً عنكِ !
ـ و لكن لِما هُددتِ بِالقتل ؟!
ـ لأنهُ قد كانَ في عملنا أسرار .. و عِندما قررتِ الابتعادَ عنهُم ..
لم يثقوا بي خوفاً أن أنشرَ أسرارهم / فَهربت قبلَ أن يُمسكوا بي ..
ـ أنتِ بِأمانٍ الآن .. لن يقتربَ منكِ أحد .. و لكن كيفَ دُفنت تلكَ ؟!
ـ تلكَ قد كانت فتاةً مِن جماعتنا .. ماتت بِحادثِ سير فَتشوهَ وجهها فَبدا غيرُ مألوف !
حينها أبلغتُ أحدهم أن يُخبرَ أمي بِأنها أنا !!
ـ رحمها الله .. الأهمُ مِن ذلك بِأنكِ الآن بخير !
ـ و كيف أمي ؟
ـ أمكِ أدركها الموت ..
صدمها خبرُ وفاتِ أمها .. فَباتت عينها دامعة حينها قالت : رحلت و لم أطلب رِضاها !!
ـ أمكِ قد سامحتكِ فَهي لم تنساكِ بِالدُعاء .. سمعتُ همسها في وسطِ الليل !
***********************
ـ أمي .. أمي .. لقد مرحتُ جداً .. فَابتسمت و قالت : أمي هذهِ هيَ التي
أخبرتكِ عنها بِأنها تشبهكِ و اسمها مثل اسمي ..
ـ إنها خالتكِ ..
ـ ابتسمت ابتسامة رضا فَقالت : كيف ؟
ـ حبيبتي إنهُ أمرٌ طويل .. فقط يكفي بِأن أخبرتكِ أنها خالتكِ ..
فَدارَ الحوار بينَ الدكتور و ريما ..
ـ أمرٌ عجيبٌ جداً !
ـ أمرٌ عجيب و لكنني في غايةِ السعادة بِعودتِها ..
ـ و كيفَ عادت ؟
ـ سَأحكي لكَ عِندما نصل إلى المنزل ..
*******************************
أصبحَ القرارُ .. أن ترجعا ريما و ألين إلى منزلهما ..
ليكملوا حياتهم هُناك .. و تصبحُ للذكريات روحٌ تتنفسُ معهما ليلاً و نهاراً !
لأن الابتعادَ لا يُجدي سِوى أنهُ يُميتُ مع الأيام !
تمت ..
أتمنى أن تكون قد نالت على إعجابكم
تحياتي : زهرة الأحلام