أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
نص قانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2004/120) في المادة (142) منه على ضرورة البت في طلب الاستقالة خلال 30 يوما من تاريخ تقديمها سواء برفضها أو قبولها أو تأخيرها إلى وقت آخر لأسباب تعود لمصلحة العمل، وإلا عُدّ انقضاء المدة سالفة الذكر بمثابة قبول الاستقالة.
ولم ينص المشرع على العدول عن طلب الاستقالة، فترك الأمر للقضاء والفقهاء لتبيينه، وفي زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع عبر “أثير” نستعرض ما استقر عليه القضاء، وأقوال الفقهاء من خلال تباين وجهات النظر والأدلة التي ارتكن عليها كل حكم وقول.
ابتداءً نوضح بأن عدول الموظف عن طلب استقالته قبل قبولها من الجهة الإدارية يترتب عليه عدم جواز قبولها، وإلا عُدّ قبولها في هذه الحالة قرارًا بالفصل بغير الطريق التأديبي؛ مما يوصم معه قرار الجهة الإدارية بعدم الصحة.
ولا إشكال فيما تم بيانه، إلا أن الخلاف الحاصل في جواز سحب القرارات الإدارية السليمة بعد قبول الاستقالة من الجهة الإدارية من عدمه؟
وهنا نعرض الآراء تباعا وفقا للتفنيد الآتي:
من المبادئ التي أرستها محكمة القضاء الإداري بالسلطنة جواز سحب القرارات الإدارية السليمة المتعلقة بفصل الموظفين لاعتبارات تتعلق بالعدالة والشفقة؛ إذ إن إعادة تعيين الموظف الذي سبق فصله قد يكون صعبا بسبب شروط التعيين وإجراءاته. كما أن التعيين الجديد قد يضر بالموظفين من ناحية أقدميته (حكم محكمة الاستئناف رقم 23 لسنة 10 ق.س بجلسة 15/2/2010) مع مراعاة عدم شغل الوظيفة حفاظا على سلامة المراكز القانونية للغير، وترتيبا على هذا المبدأ عدم جواز سحب القرار السليم الصادر بقبول الاستقالة؛ ذلك أن هذا المبدأ يعد استثناء من الأصل، ومن المقرر قانونا أنه لا يجوز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه، فبطل قياس الاستقالة على الفصل من الخدمة كجزاء تأديبي، علاوة على ذاك أن الاستقالة بشقيها الصريح والحكمي(الضمني) تستند إلى إرادة حرة بخلاف الفصل كجزاء تأديبي.
ورأى جانبٌ من الفقه – وفي مقدمتهم الدكتور الطماوي سليمان – عدم جواز سحب القرارات الإدارية السليمة قولا واحدا دون تفصيل بين الاستقالة والفصل كجزاء تأديبي؛ بحجة أن فتح هذا الباب سيؤدي إلى المحسوبية.
ويرى فقهاء آخرون معارضة للرأيين الأوليين، وذلك بصحة القياس بسحب قرار الاستقالة على الإنهاء بسبب الفصل كجزاء تأديبي؛ وحجتهم أنه إذا كان سحب قرار الفصل قائمًا أساسه على العدالة في سحب القرار بالإنهاء بهذا الطريق، فإن سحب قرار إنهاء الخدمة للاستقالة أظهر لعدم ارتكاب الموظف المستقيل ما يستوجب فصله ما دام هذا السحب رخصة بيد الجهة الإدارية تبررها العدالة، والاعتبارات الإنسانية أحيانا.
وخروجًا من عتمة الخلاف، يتعيّن على من يرغب بتقديم استقالته أن يقدّمها عن نظرة شمولية بمآل الأمور؛ حتى لا يضع نفسه في ميزان ترجيح الآراء وسيف القضاء.