إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُدافعُ عَنِ الَّذين آمَنوا، وهو معهم بِفضلِه ولُطفِه، ناصِرُهم على أعدائِهم إذا أَحسَنوا التَّوكُّل عليه وتجرَّدوا مِن كلِّ حوْلٍ وقوَّةٍ إلَّا قوَّتَه، وقد كان إبراهيمُ عليه السلام مِن خيرِ المتوكِّلِينَ على المولى سبحانه وتعالى، فلمَّا دَخلَ هو وزوجتُه سارَّةُ وكانتْ مِن أجملِ النِّساءِ إلى قريةٍ فيها مَلِكٌ مِنَ الملوكِ الجبابرةِ الطُّغاةِ، أَرسلَ إليه هذا الْمَلِكُ وسألَه عَن سارَّةَ، فقال إبراهيمُ: إنَّها أُختي؛ فَعدَل إبراهيمُ عَن قَوْله: زَوْجَتي؛ لأَنَّهُ عَلِم أنَّ ذلك يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِه أَو طردِه عنها، أو تَكْلِيفه لفِراقِها. وقيل: كان مِن سيرة هذا الملِك الْجَبَّار أنَّه لا يَغلِبُ الأَخَ على أُخْتِه، وكان يَغلِب الزَّوْجَ على زَوجتِه، وقيل غير ذلِك. ثُمَّ قال لها: لا تُكَذِّبي حَديثي، يعني: إذا سألَكِ هذا الْمَلِكُ فلا تقولي زَوجَتي، وأخبَرَها أنَّه لم يَكذِبْ صلَّى اللهُ عليه وعلى نبيِّنا وسلَّم في ذلك؛ لأنَّها كانَتْ أختَه في الإسلامِ، وحلَف أنَّه ما على الأرض مؤمِنٌ غيره وغيرها، فأرادَ بذلكَ التَّعريضَ على هذا الْمَلِكِ الظَّالمِ حتَّى لا يَنالَه هو أو زوجتَه بِسوءٍ إذا عَلِمَ أنَّها زَوجتُه، فقام هذا الْمَلِكُ إلى سارَّةَ فَتوّضَّأتْ وصلَّتْ وقالتْ: اللَّهمَّ إنْ كنتُ آمنتُ بكَ وبرَسولِكَ وأحصَنْتُ فَرجي، أي: حَفظَتُه عَنِ الحرامِ إلَّا على زَوجي فلا تُسلِّطْ عليَّ الكافرَ، فغَطَّ حتَّى رَكضَ بِرِجْلِه، يعني: ضاقَ نفَسُه وكادَ يَختنقُ حتَّى حرَّكَ رِجلَه وضرَبَ بها على الأرضِ مِن شِدَّةِ ما يجدُ، فقالتْ سارَّةُ: اللَّهمَّ إنْ يَمُتْ يُقال: أنا قتلتُه، تعني: لو ماتَ اتَّهموني بِقتلِه، فأَذْهَبَ اللهُ عَن هذا الكافرِ ما يجدُه، فقامَ إليها مرَّةً أُخرى فدَعتْ بِمِثلِ ما دَعَتْ به، وحدَثَ لِلملِكِ مِثلُ ما حدَثَ المرَّةَ الأُولى، فدعَتِ اللهَ ألَّا يُميتَه حتَّى لا يَتَّهموها بِأنَّها قتَلَتْه، فلمَّا تكرَّر ذلك قال الملكُ: واللهِ ما أرسلْتُم إليَّ إلَّا شيطانًا، أرْجِعوها إلى إبراهيمَ وأَعطُوها آجَرَ، وآجَرُ هي هاَجَرُ أُمُّ إسماعيلَ عليه السَّلام، فرجعَتْ إلى إبراهيمَ عليه السَّلام، فقالتْ: أَشعَرْتَ أنَّ اللهَ كبَتَ الكافرَ وأَخدَمَ وليدةً؟ تعني: أرأيتَ أنَّ اللهَ أذلَّ الكافرَ وأخزاه ورَدَّه خاسئًا، وأَخدَمَ وليدةً، أي: أعطى أمَةً لِلخِدمةِ، والوليدةُ: الجاريةُ لِلخِدمةِ، كبيرةً كانتْ أم صغيرةً.
وفي الحديث: إباحةُ المَعاريضِ وأنَّ فيها مَندوحةً عن الكَذبِ.
وفيه: التوسُّل بالأَعمالِ الصَّالحةِ- وأعظمُها الإيمانُ.
وفيه: كفايةُ اللهِ عزَّ وجلَّ لِمَن أخْلَص الدُّعاءَ، وإجابتُه بما يكونُ نوعًا من الآياتِ، وزيادةً فى الإيمان، وتقويةً على التَّصديقِ والتَّسليمِ والتوكُّل.