يـا رفـيـقــي .. خُـــذ سِـــلاحــكَ واتـبـعــني ( 2 ــ 3 )

قال مودعا أمه : أنا ذاهب يا أمي إلى المدينة المنورة !!
وحسبت الأم أن ابنها ذاهب إلى هناك للصلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وزيارة قبره .. وحمل جواز سفره وسافر ومن يومها لم يعد .. طالت غيبته وبحثوا عنه وسألوا عنه في كل السعودية وكل مكان ولم يعثروا عليه ، وكأن الأرض إنشقت وابتلعته .. وبعد شهر أو شهرين إتصل الإبن المختفي بأحد أخوته وأخبره أنه بخير وعافية وأنه الآن في دولة عربية ومن هناك سيذهب إلى العراق للجهاد ( هذا الكلام حصل طبعا قبل ظهور حركة داعش الارهابية الحالية بسنوات طويلة ) ومن تلك اللحظة وإلى الآن ولا أحد يعرف إن كان هذا الشاب حيًّا ؟! أم ميتاً ؟! في العراق ؟! أم في غيره ؟! والأم مفطورة الفؤاد وحزينة ويكاد الحزن والدموع يقتلانها على ابنها المفقود !!
ثمة جاهل وغير مطّلع جيدا وبدقة على ساحة الأحداث الجارية المشتعلة بالمنطقة وتفسيراتها سيقول بعد سماعه لهذه القصة :
ـــ وماله ؟! ليذهب للجهاد .. الجهاد من الإيمان والرب أوصى في القرآن بالجهاد والرسول عليه السلام أوصى وحث كذلك على الجهاد ، وما فعله ذلك الشاب العربي المسلم لهو عين العقل وقمة الشجاعة ويستحق تعظيم سلام ، وكان على هذه الأم أن تفخر وتفرح بهذا التشريف الذي شرفها به إبنها بدلا من أن تقعد حزينة باكية تنوح وتولول على فقده !!
وهذا الجاهل القصير النظر وهو يقول هذا الكلام الإعتباطي والمجاني غير مدرك لخطورة ما يقول وغير منتبه لتبعات هذه الحماسة الإنفعالية الفارغة !! فما مغزى قصة ذلك الشاب ؟ ولماذا أردت سردها لكم وربطها بواقع أمتنا وبما يجري في بلدانها من أحداث ونكبات ومصائب من شتى الأشكال والألوان ؟!
لم أشأ ذلك لمجرد السرد النثري وتوليف الكلام والثرثرة على غير طائل ، ولكني سردتها لكم لكي نجتهد كمثقفين محاولين إستخلاص ما فيها من العبر والدروس .. نعم .. إن هناك حالة من الضياع يعيشها واقع شبابنا المسلم .. ضياع في الروح والقلب والفكر والوجدان وضياع في الطاقات وضياع في الأمل .. ضياع في كل شيء .. وهذه الحالة المحبطة تجعل الشاب حائر الدليل ، ضبابي النظرة والتفكير والقرار .. لا يعرف إلى أين يسير و كيف يسير ووراء من يسير .. لا يعرف إن كان ما يفعله على صواب أم خطأ وأغلبه على خطأ وباطل .. فالشباب اليوم يسيرون على غير ذات هدي تحت دعاوي الحرية وسموم الإعلام الفاسد والرذيل والوسخ فكرا وصوتا وصورة وتوجها ووجوها أيضا .. ومن قدوتهم في هذه الطريق المظلمة ؟! مايكل جاكسون .. شارون ستون .. مادونا .. سلفستر ستالوني وشلة ( ستار أكاديمي ) و ( نجوم الخليج ) وأصحاب ( السح الدح إمبو ) وغيرهم وغيرهم من أهل الفن المنحط الداعي إلى كل إنحلال وإباحية ورذيلة .. وأخطر من هؤلاء ( الخواجات القدوة ) أولئك القابعون هناك على الضفة الثانية الهادئة جدا جدا من هذا الضياع حيث دراويش التضليل المختفين تحت اللحى والجلابيب والعمائم والذين يسمون أنفسهم أهل دين وتقوى ومشايخ طرق وعلى رأسهم منافقهم الأكبر يوسف القرضاوي وشلته من أصحاب الفتن والتفتين والدجل والتدجيل .. وهاهو هذا الشاب العربي إبن تلك الأم العربية الحزينة واحدا من ضحاياهم .. فأين هم الدينيون الحقيقيون القدوة اليوم في هذا الزمن العربي الإسلامي المزيف ؟! أين هم الدينيون الحقيقيون الذين أجد فيهم روح سيد قطب ومحمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي ورفاعة الطهطاوي وأحمد بن حمد الخليلي وعمر بن الخطاب وصلاح الدين وعمر المختار ؟! أين هم ؟؟ وما دورهم أو أثرهم الواضح في حياة الفرد وقضايا الأمة ؟؟ أنا لا أبحث لي عن إمام يخطب لي في منبر صلاة الجمعة خطبة مملة ومكررة موضوعا وكلاما ويتثاأب منها وبسببها المصلون ( المنصتون ) بل أبحث عن إمام يحرك روحي وعقلي ويلمس عن قرب مشاكلي المعاصرة وقضاياي كإنسان وكأمة وكمصير وكوطن ..
لقد ذهب ذلك الشاب ليجاهد وأنا أتساأل : يجاهد مع من ؟؟ وضد من ؟؟ وما سلاحه في هذا الجهاد ؟؟ ولأجل ماذا بالضبط يجاهد ؟؟
كلكم تعرفون الشاعرة العربية العظيمة المسلمة ( الخنساء ) !!
أربعة من أبنائها استشهدوا جميعا في معركة واحدة ، أعني بها معركة ( القادسية ) وعندما عاد المسلمون فرحين بنصر الله ، ركضت الخنساء في مقدمة نساء المسلمين لإستقبال جنود الله .. وحسبوها ستسألهم فورا عن أبنائها كحال أي أم متلهفة ووجلة القلب وهل قتلوا أم عادوا أحياءً مع الأحياء ؟؟ وأشفقوا عليها : ماذا يقولون لها ؟! أيفجعونها بمصابها الجديد وعينها لم تجف بعد على فقد أخيها صخرا ؟! أيخبرونها بخبر إستشهاد أبنائها الأربعة فلذة كبدها وبهجة حياتها وسلواها وفخر عيناها ؟! أم يكتمون عنها الخبر ؟! وتفاجأوا جميعا حين جاءتهم هذه الصحابية العظيمة المؤمنة تسألهم وهي في غاية الخوف والقلق الممتزجين بالشوق واللهفة :
ـــ كيف أنتم يا جنود الله ؟! هل أنتم بخير ؟! هل نصركم الله على عدوكم ؟!
فيخبرونها أنهم بخير وأن الله نصرهم على عدوهم ، أما أبناءها الأربعة فقد استشهدوا في المعركة !!
ولم تصرخ الخنساء عندما سمعت هذا النبأ ولم تحـثُ التراب على وجهها ولا مزقت ثيابها ولا ناحت ولا دعت بالويل والثبور كما تفعل الكثير ـــ مع الأسف ـــ من النساء الجاهلات الضعيفات الإيمان ، وإنما خــرَّت ساجدة شاكرة ربها وهي تقول :
ـــ الحمدلله الذي شــــرَّفني باستشهادهم !!
وللحديث بقية إن شاء الله ..
بقلمي / ســــعـيد مصــبـح الغــافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ