IMG_20200601_122430.jpg


كارثة البحر عام 1958م



في صيف عام 1958م أبحرت السفينة " سمحة " من زنجبار وعلى متنها 141 فرد 108 هم البحارة والركاب ومعهم 33 إمرأة . وهم في طريق العودة إلى عمان وكان يقودهم القبطان " النوخذة " ناصر بن سيف المخيني .



يروي هذه القصة من عايشها لحظة بلحظة النوخذة علي بن محمد الخيال العلوي . يقول :



كنت أتولى قيادة السفينة " النايف " لكن رحلتي لم تبدأ من زنجبار بل من ميناء نجوميني على ساحل شرقي أفريقيا .

أما اللقاء بين السفينتين " سمحة " و " النايف " فلم يبدأ إلا عند رأس حافون واستمرت السفينتان في السير وكان البحر هادئا تماما ولم نواجه أمواج أو مشاكل سواء أنني علمت أن السفينة سمحة كان محركها به بعض الأعطال .

واستمرت السفينتان متجاورتين حتى تجاوزنا المسافة بين جزر الحلانيات وشربثات على بحر العرب .

وبعد ظهر أحد الأيام فوجئنا بعاصفة قوية تهب علينا من جهة الشمال وارتفعت الأمواج بشكل متسارع وأخذت السفينتان تتمايلان يمينا ويسارا وبدأ الإرتباك بين الركاب وخيم على المنطقة سحاب رمادي داكن مع زخات من المطر وازدادت قوة الريح .

امتلأ سطح السفينة بالماء وابتلت البضائع وحاجات الركاب وظهر الحزن على وجوههم ...



حاولت الوصول إلى " سمحة " للتشاور مع قبطانها لتقرير ما يجب .

فقلت له باللهجة الصورية الدارجة ...

َسيّحها .... أي اجعلها تتجه الى الشاطئ لترتطم به فينجوا من عليها ...

فرد قائلاً .. ما تهون علي سمحه .. أسَيِّحها

ف الجانب الآخر ...

لقد تصرف النوخذا ناصر بن سيف بحكمة عندما أمر البحارة برمي كل حمولة السفينة سمحة من الأخشاب والبراميل .

ولكن عند الساعة الثامنة بدأت سمحة تسحب مرساتها ثم استدارت واتجهت الى احدى النتئات الجبلية الحادة من جبال جزر الحلانيات ..وبدأ ومـيض فنارها (مصباحها) يختفي ... حتى لم نعد نرى لها أثرا وحالت ظلمة الليل بيننا تماما .

شعرت بأن من الواجب علي البحث عن رفيقي ناصر بن سيف وركابه وبحارته فأمرت برفع المرساتين الأماميتين للنايف كي نقترب من سمحة وكان النايف يترنح بين الأمواج أخذ البحاره يرفعون المرساة الآولى ولم يوشكوا على إكمال العمل حتى انقطع الحبل ولم تستطع المرساة الأخرى التحكم في النايف وفقدنا السيطرة عليه تماما ومرن يومين ونحن في حالة يرثى لها . أذكر أني دعوت الله سبحانه وتعالى قائلا : " يارب إن كان لنا أمل في الحياة فامنحنا إياه وإن كان الأجل قد وصل فخذنا في ظلمة الله حتى لا يرانا أحد "



ومع بزوغ الفجر واتضاح الرؤية صاح أحد البحارة : " نوخذا نوخذا ... بر بر "

ففهمت مقصده ونهضت مسرعا نحوه فأشار لي إلى جهة الساحل وبسرعة أمرت بقياس عمق البحر فكان إحدى عشر باعا كانت الرياح قد خفت قليلا فأمرت بتسييحها من خلال رفع الشراع للوصول إلى الساحل ...

فلما اقترب النايف من الشاطئ قفز البحارة تلو الآخر ناجين بأرواحهم وبقينا أربعة أشخاص أخذنا نرمي ما أمكن من معدات خشبية .



حمدا لله على النجاة وقفزنا من النايف باتجاه البر وكان الساحل خاليا من السكان منطقة" شويمية " .

وبدأ النايف يتفكك بفعل الأمواج وانشطر إلى ثلاثة أجزاء وأختفت مؤخرته تحت الماء .

جلسنا ننظر بحسره إلى النايف وهو يودعنا ... ثم استأجرنا قافلة نقلتنا إلى ثمريت ومن ثم إلى صلالة ورجعنا من صلالة في سفينة واستغرقت فترة رجوعنا إلى صور سبعة عشر يوما .



وكنت على يقين أن " سمحة " قد تحطمت وغرق كل من فيها ولكني لم أقوى على التحدث بالرغم من أني رأيت الناس في ولاية صور في حيرة وتساؤل حيث وصلت معظم السفن من الجنوب ولم يورد بحارتها أي أخبار عن سمحة ولم يشاهدوا أي حطام في طريقهم .



سألت أحد الرجال في السوق عن " سمحة " فلم يجبني بشيء إلا أن الناس يقولون كذا وكذا



طلبت من ذلك الرجل أن يخفي الأمر إلا على المقربين من أصحاب السفينة وأن يؤكد لهم الخبر اليقين ... وقد أفردت له روايتي كما عايشتها لحظة بلحظة .....

والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ..







انتهى