سكة سكـــــــــــــــــــــارى
على غيرالعادة.. لم يفرط في تناول المشروبات الكحولية العتيقة.. في تلك الليلة تناول قليلا منها .. مسكين في تفكيره الضئيل ..وقع في شرك الكحوليات ..فتح باب يعتقد انه المهرب من جحيم التفكير في مشاق الحياة .. والتزامات المعيشة في هذا الزمن الضيق ..لجأ للكحوليات ظنا انها الصديق الوفي ..تستنزف امواله ..صحته .. هدر للوقت ...بعيد عن اسرته وابنائه .. لا يعلم انها مصدر الهلاك والتعاسة ..ومستنقع لمنغصات الحياة .. خرج من تلك الحانة الكئيبة ..المحشورة في سحابة من الدخان الخانق ..والهرج الصاخب .. سلك سكة الى بيته اقريبة من تلك الحانة الصغيرة في ذلك الفندق..لقد سئم من النوم على قارعة الطريق أحيانا..وازعاج السكارى والمارة وابواق السيارات .. كما سئم من ازعاج الموسيقى الصاخبة في تلك الحانة.. مشى معتقدا انه في حكم العقلاء .. ليس بالسكران .. رغم صعوبة المشي في خط مستقيم,, يتخيل اليه احيانا ان السكة بها شيء من الاعوجاج والميلان..يراوده شعور التقيء لولا ان معدته خالية من الطعام .. طلب من عامل مقهى قريب لا يزال مفتوحارغم تجاوز منتصف الليل تزويده باثنتين من الشاورما ...مضى في طريقه يأكل أحداها وماسكا بيمناه الاخرى .. مرورا باحد اصحابه السكارى في سكة الطريق.. رآه قبل قليل في الحانة ..كان مسرفافي شرب الكحوليات ... نام الصاحب السكران على جانب الطريق ..لان قدماه لم تحملانه للمشي .. لم يشفق عليه سعدون حينما أمتنع من اعطائه الساندويشة الثانية بناء على طلبه..وواصل طريقه ..فناداه الصاحب-بغضب- باسمه : (سعدون) ..التفت الاخير لصوت المنادى خلفه ..اخبره الصاحبواصفا نفسه بانه ملك الموت ..وسوف يقوم بمسكروح سعدون في آخر هذه الليلة قبل آذان الفجر ..تمتم سعدون مطلقا لعناته على الصاحب السكران.. كما أطلق كلمات بذيئة شملت والديه..وقرر سعدون مواصلة الطريق الى بيته ..وكان يحدث نفسه بكلام غير مفهوم.. وترددت في أذنه كلمة ذلك الصاحب حينما زعم انه ملك الموت..لدرجة ان سعدون أوشك أن يصدق ما سمع.. معتقدا ان كلام ذلك السكران فيه شيء من الصحة و يكاد لا يخلوا من المنطق ..فالملائكة تتشبه أحيانا على هيئة أشخاص .. حتى لو سكارى..-أستغفر الله - .. وصل سعدون بيته .. سمع من زوجته كلام بذيء اعتاد على سماعه لدى رجوعه من الحانة كل ليلة..سعدون لم يهدأ له بال في تلك الليلة .. جفاه النوم ..اخذ الامر مأخذ الجد في نفسيته ..لربما ذلك الشخص هو بالفعل ملك الموت ..وأنه سيقبض روحه في نهاية تلك الليلة..شعر كأن السكر بدأ يتلاشى من عقله وجسده..كما ان عينيه اغرورقت بالدموع من الخوف والرعب المسيطر على تفكيره.. بدأ اللوم والندم يتسلل الى جسده ..فكيف سيلاقي ربه وهو بهذا الحال .. اسئلة متشعبة تدور في خاطره ...الوقت يمضي ..ويقترب رويدا من موعد آذان الفجر ..قرر سعدونالعودة الى صاحبه الذي يزعم انه ملك الموت..يعطيه الساندويشة الثانية ..وسيتوضح منه هذا الامر المريب .. طالما ان روحه لا زالت متشبثة في جسده.. كأن باب التوبة لايزال مفتوحا على مصراعيه غير مغلق ..لعل ماسيفعله من ذرة خير في ذلك الصاحب السكران تشفع له قليلا ...خرج ومشى فيذات سكة الطريق حيث يتواجد الصاحب...شاهده منبطحا على قارعة الطريق..أقترب منه رويدا ..ثم جثا على ركبتيه بالقرب من راسه .. أضطر لايقاظهليناوله الساندويشة ..كأنه نام ..حاول ايقاظه دون جدوى ..لم تفتر محاولاته ..بدأ اليأس يتسلل الى نفسه .. في نهاية المطاف .. لم يراوده شك ان ذلك السكران فارق الحياة..وضع باطن كفه على صدر النائم ..لم يرصد اي نبضات ..كان جثة هامدة ..ألم يزعم انه ملك الموت؟..أسئلة تردد صداها في عقل سعدون السكران ..كما تردد صدى باب التوبة في عقله ..ثم قالها بنبرة غضب.."اللعنة على الخمر"... بقلمي/ ناصر الضامري