(ولدي تو بُو يزور هو المتجمَّل)

آخر مرة سمعت هذه الجملة قبل أيام حينما زرتُ رجلا كبيرا، رأيته يبالغُ في الإكرام والضيافة، فقلت له على سبيل الملاطفة: (كلَّفتْ عمرك أبوي)، فكان جوابه: (ولدي تو بُو يزور هو المتجمَّل).

حقيقة دار في ذهني عدد كبير من المواقف التي تكررت فيها هذه الجملة في المجالس، فقلت في نفسي: يبدو أن كبار السن هم أوعى وأدرى بدلالتها التي لا نستوعبها.

حينما نخطط لبناء منزلنا نراعي فيه مسألة توسعة المجلس، وطريقة وضع الكراسي، والديكور، وبعض حركات الزخرفة والجمال المعماري، وعلى الرغم من التكلفة المالية الكبيرة، إلا أنه لا يدخله زائر إلا في الشهر مرة أو مرتين.

أصبح الزائر هو المتفضِّل المتجمِّل حينما يقتطع جزءا من وقته ليزور رَحِما أو جارا أو صديقا.
أصبح الزائر هو المتفضِّل المنعِم حينما يذكر شخصا فيكنُّ له محبَّة تدفعه لزيارته.

ليس الطعام، ولا الفواكه، ولا الحلويات فضلا وكرامة مقارنة بشخصٍ أحبَّني فزارني، وذكَرني فتجمَّل عليَّ بإكرامه، فالحب المعنوي، والذكر القلبي هو أغلى وأحلى ما نطلبه، وأعزُّ ما نبحث عنه، وتلك الزيارة تعتبر علامة من علاماتها المحبَّبة إلينا.

(ولدي تو بُو يزور هو المتجمَّل) فكرت في (أل) المتصلة ب(المتجمَّل) أهي للعهد الذكري أم الحضوري؟
لا يهم فكلها تحمل دلالات عظيمة، وقيمة كبيرة لهذا الشخص المحسِن المنعِم بصفاء قلبه، ونقاء سريرته حتى تجشَّم وقتا صعبا، وطريقا وعِرًا صنعتُه ظروف هذه الحياة القاسية؛ لذلك كان كبار السن هم أعرف الناس بحقيقة التزاور والتواصل في زمن كانوا يحتاجون لطرق التواصل للتواصل، وطرق التقارب للالتقاء، وليس مثل زمان نعيشه ونعايشه بكثرة وسائل التواصل الاجتماعي فتحولت للتباعد، وتعدد وسائل النقل التي تحولت لمصالح شخصية أنانية إلا من رحم الله.
ربما تبدأ المشكلة من ذاتنا حينما نستصعب زيارة معارفنا، كما استصعبها هو، ونتساهل في أهميتها، ونسوِّف في الإعداد لها، وهكذا تموت المبادرة وتُقتَل العلاقات، ويُقطَع حبل التواصل شيئا فشيئا حتى لا نجد إلا شخصا همُّه وشغلُه بطنه وجوارحه.

ما أحوجنا لصنعِ مستقبل نقي صافٍ يتمتع بروح المبادرة، وحب التواصل، ولطافة المجالس!
كم نحتاج لها! كم !🍂

منقول