القطة والعجوز



في وقت الظهيرة ..عاد من رحلة صيد ..منهكا كالعادة ..دخل منزل والده الكبير ..تتناثر وسطه اشجار نخيل ..شجرة أخرى تتوسط الدار ..تسمى (شريشة)..بئر صغيريتدلى في قعره دلو حديدي ..مطبخ خشبي يسمونه (كرجين)..نسوة واطفال يملؤن الدار صخبا في بعض الاحيان .. جلس تحت الشريشة .. يتناول غداءه ..اقتربت منه قطة سوداء ..اعتاد ان يطعمها شيئا من مائدة الغداء .. لا يبخل عليها ..يناولها قطعة سمك كبيرة ..تمد القطة يديها الاثنتين للامام .. تاكل بشراهة مفرطة..يصاحبها في الاكل احيانا قططا صغيرة ..تبدو ابناءها..احدى عيناها شهلاء أما الأخرى تميل للزرقة.. تراقب اي حركة من صاحبها .. تكن له كل ود واحترام واضح ..تبادله الحنان ..تحك راسها بباطن قدميه .. يبادلها نفس الشعور ..يمسح راسها ..يراوده شعورا استثنائيا تجاهها..حميمية..امر روتيني هذا المشهد..علاقة غير واضحة المعالم..بعد المغرب ..جلس بالقرب من اخوته ووالديه ..احتسا كوب حليب ساخن ..بالقرب من تلفاز .. بالاسود والابيض ..موصول بسلك لبطارية سيارات صغيرة .. في وسط فناء المنزل الكبير..رائحة الخبز تملأ المكان .. سكون يعم المنزل .. عدا صوت سميرة توفيق يصدح باغنية وطنية ..تجمعت حولها بعض النسوة أغلبهن لم يعرفن شيئا عن المدارس الحكومية .. عدا مدارس القرآن الكريم في سن مبكر ..نظرات الاعجاب بالاغنية واضحة على وجوههن.. اصوات بايقاع مزعج لمولدات الكهرباء في بعض منازل القرية .. اتكأ قليلا على مسندة خلف ظهره .. فاجأ الجميع برغبته في الرحيل من منزل والده ..الى منزل غير بعيد .. يقع في مشارف القرية ..بالقرب من خور البحر .. برر انتقاله لاسباب كثيرة ..تدعوه للانتقال ..يعتقد ان الوقت حان لمثل هذا القرار ..لم يمانع والده ..بل شجعه .. راقت له فكرة الاعتماد على نفسه ..والاحساس بالمسؤولية ..خاصة بعد الزواج وانجاب الذرية ..رغم ان والدته واخوته كان لهم راي مغاير .. يفضلون بقائه معهم .. بالفعل انتقل بعد فترة الى منزله الجديد .. بيت متواضع يدور حوله سور من سعف النخيل .. احدى الغرف مبنية من الطين ..تحميه وابنائه من الامطار وبرد الشتاء ..تأقلمت أسرته الصغيرة مع البيت الجديد .. في احدى الليالي ..الجميع خلد الى النوم .. الا هو ظل ساهدا في فراشه..وسط ظلام دامس ..لم يستسلم للنوم سريعا ..يعتقد ان تناول القهوة قبل النوم مضرا ..ربما سببا للسهد ..بدأ النعاس يداعب عينيه ..تجاوز الوقت منتصف الليل ...تنزقه احيانا اصوات تنبعث من خارج المنزل ..عواء كلاب الليل .. مواء قطط تبحث عن مأوى دافيء ..بسبب برد الشتاء القارس ..فجأة يشعر بحركة غير طبيعية خارج الغرفة .. أقدام تطأ الرواق ببطأ ..تقترب من باب الغرفة ..مقبض الباب يتحرك للاسفل ببطء ..يعتقد ربما احد اطفاله ..ينفرج الباب قليلا ..يترقب .. ينزق حينما رأى كف امرأة عجوز يغطيها رداء أسود .. تأكد ان القادم ليس طفلا ..نادى بصوت خافت ..من؟؟ ..من؟؟ ..فجأة يغلق الباب بقوة .. قفز من فراشه ..ليتبع ما شاهد ..فتح الباب ..رأى جسد امرأة عجوز متشح بالسواد .. في يدها سكينا ..خرجت مسرعة من باب الحوش ..تبعها غير خائف ..هرول بسرعه ..ابتعدت العجوز عن المنزل .. يكسوها الظلام .. في ليلة غير مقمرة..أصر ان يتبعها ..دون تردد..لحقها بالقرب من خور البحر ..دخلت وسط الخور ..لم يظهر منها سوى منتصف جسدها من الاعلى ..بينما وقف هو على حافة الخور ..يسألها من أنت ؟؟..من أنت؟؟.. تكلمت ..بنبرة مرعبة .. و غضب واضح .. متسائلة: عن سبب انتقاله من منزل ابيه ؟؟ ..مشيرة بقولها ..(( ما تعرف من انتقلت عنا..محد يعطينا حزة (أي قطعة) سمك.. انا وأولادي جوعانين .. احسن لك رجع بيت ابوك))..ثم غطست في عمق الخور.. ولم يظهر لها اثر ..سكتت الجدة من سرد قصة مثيرة قبل النوم.. بينما اغمضت البنت الصغيرة عينيها خائفة ..تتخيل المشهد .. غادرت الجدة المكان ..بابتسامة واضحة ..صاحبها قهقهة بسيطة..
بقلمي / ناصر الضامري