ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
09-10-2015, 08:51 AM
لـن أرشــح أحــداً .. وهذه أســبابي !!
... وأنا في قيلولة ظهر مستمتعا بقراءة أشعار الشاعر العظيم المرحوم بلند الحيدري وديوانه رن جرس الباب .. قيل لي أن الطارق إمرأة تريدني فاستأذنت من روح شاعري العظيم بلند التي كانت قربي وخرجت لأرى من هذه الطارقة الآتية لزيارتي في عز هذا الظهر الشاسع النهار قاطعة عليَّ أجمل وأسعد وقت أعيشه ( عرفت فيما بعد ومن الجيران أن هذه المرأة هجمت ظهر هذا اليوم على حارتنا بيتا بيتا وفي يدها ملفا به نسخ ورقية لإعلان هام وزعته عنوة على بيوت الحارة ) ..
كانت إمرأة في أربعينيات عمرها بعباءة من سواد .. ترجلت نازلة من سيارتها الفخمة عندما رأتني أطل عليها .. وفورا مسكتني من تلابيب دهشتي بهذا السؤال المفاجىء وهي تبتسم :
ـــ أنت الشاعر سعيد الغافري . أليس كذلك ؟!
قلت بتواضع كبير وباندهاش مرتبك وأنا أبتسم مرحبا بها بحرارة :
ـــ أنا ذاكه !! أهلا وسهلا بك أختي .. تفضلي .. تفضلي
أدخلتها في مجلس الضيوف مباشرة ثم وأنا أهم بالذهاب لجلب قهوة الضيافة صاحت بي ملحة مصرة وهي تقول بصوت عفوي متباسط :
ـــ لا تجلب أي شيء .. تعال لنجلس بعض الوقت .. أنا مستعجلة وسأزورك في وقت لاحق أفضل لأستمتع بسماع أشعارك ودردشتك على رواقة ..
مرة أخرى حاولت مصرا أن أذهب لجلب واجب الضيافة ولم تدعني وامتثلت أخيرا لرجائها وجلست معها .. بعد حديث الحال والأحوال .. جلست تمطرني بوابل من الاطراء حول قلمي وشعري وكتاباتي المجنونة التي حسب كلامها تستهويها كثيرا وتتابعها بحرص .. شعرت وقتئذ بالحرج الشديد وبالضآلة أمام نفسي وأمامها .. فأنا لست بهذه العظمة التي ( صورتني ونفختني بها نفخا أي نفخ ) وظنت المسكينة أنني سأسكر بالمدح والثناء والاعجاب .. أنا مواطن عربي عادي ومجرد صوت لا أكثر ولا يهمني هذا الطنين والتطبيل ..
كنت طوال الوقت في نفسي أقول وربي سيحاسبني :
ـــ أموت وأعرف ما وراء هذه ( الورنشة ) التي قامت بها هذه المرأة لصورتي وقلمي في عز هذا النهار الحارق ؟؟؟!!
وفي النهاية دخلت معي في ( الكلام الجد ) الذي أساسا جاءت من أجله ولأجله من حيها الشمالي إلى حارتي الجنوبية بالبلدة التي نسكن فيها وقالت :
ـــ أستاذ سعيد أنا جاية مخصوص عندك عشان تدعمني في الترشيح لعضوية مجلس الشورى .. أريدك أن تساعدني في تجميع الأصوات وعمل دعاية لي في المواقع النتية التي تكتب فيها . أنا محتاجة لدعم قلمك لي في هذه الحملة . وأوعدك أن كل مشاريعك وكتبك راح تطبع على نفقتي الخاصة بعد فوزي بالترشح في المجلس .. وراح أدعمك ماديا ومعنويا في هذا الجانب .. وعدا وعهدا مني بذلك ..
ورغم هذه الإغراءات والميزات التي قدمتها لي نظير ( صوتي ) ودعمي القلمي الكامل لها إلا أنه دار في عقلي وقتها سؤال ضاغط رغم أنه مستهلك وقديم جدا لكني طرحته عليها فورا :
ـــ طيب يا أختي ما هي أفكارك أو توجهك أو أهدافك وما تريدي أن توصليه عنا كمواطنين إلى قبة مجلس الشورى ؟؟
وحسبتها ستصدر حمحمة ثم تجلس تتكلم باسترسال عن أفكارها و تشرح لي توجهاتها وأهدافها وما تريد توصيله للمجلس عبر عضويتها .. إلا أنها إختصرت وبسرعة عناء هذه الثرثرة المتوقعة وسحبت ببساطة نسخة من كومة أوراق مطبوعة طباعة لونية فاخرة كانت تحملها معها في هذه الحملة وناولتني إياها وهي تقول :
ـــ في هذه الورقة ستجد كل أجوبة أسئلتك وبغيتك ..
وأمام صدمتي علق عقلي ساخرا وهو يضحك :
ـــ قصدها تقول لك : في هذه الورقة السحرية يوجد عفريت مصباح علاء الدين الذي سيحقق لك كل ما تشتهي وتتمنى .. إنفخ فقط في الورقة واطلب ما تشاء من معجزات لك وللشعب وللوطن . وعلى الفور سيقول لك عفريت تلك الورقة : شبيك لبيك .. أنا بين يديك .. أطلب وفي الحال ألبيك ههههههه
وانصرفت عني بعد أن عززت تلك الورقة المعجزة التي ناولتني إياها جوابا على تساؤلاتي ببطاقة بيضاء صغيرة فيها رقم هاتفها و صورتها ذات الملامح المتغضنة والمضغوطة والعابسة والتي ذكرني مرآها باليابانية ساكي في رواية ( الجيشا ) ..
على الصعيد نفسه أعلن مترشح لعضوية مجلس الشورى قائلا بين زملائه في العمل بكل برود ووقاحة :
ـــ المهم أن أفوز في الانتخابات وبعد الفوز لا تعرفوني ولا أعرفكم ..
وأحسبه بهذا التصريح الاستهتاري جادا في كلامه بشواهد التاريخ نفسه والمترسخة في ذهن الشعب عن صورة المجلس وأعضائه وبالأخص صورة أولئك الأعضاء التنابل أصحاب الكلمة الشهيرة ( شكرا معالي رئيس المجلس . نكتفي بما قال العضو الفلاني والشكر موصول لمعالي الوزير الموقر ) وينخمد ساكتا طوال الجلسة في كرسيه وربما يذهب بكرشه المتهدلة ولحيته الكثة في سابع نومة .. نغمة تخاذلية قديمة وصورة يتندر بها دائما ولا تنساها أبدا ذاكرة الشعب ..
وحين سألني صديق هل سترشح أحدا من هذه ( الوجوه السمحة التي نتصبح ونتمسى بها كل يوم في الشوارع وجدران المحال والبيوت ) ؟؟! أجبته :
ـــ لـن أرشح أحدا .. لم أفعلها من قبل .. أأفعلها اليوم وفي ظل هذا الانتكاس الذي يعيشه مجلس الشورى ؟؟ لـن أرشح أحدا !!
نعم .. لـن أرشح أحدا ولي مبرراتي القوية كمواطن أحس وذاق مرارة الخيبة من كل مشوار هذا المجلس وقصصه ومهازله وإخفاقاته .. يوم ينصلح حال هذا المجلس بكل من فيه ويوم أقتنع كمواطن عادي بسيط بهذا المجلس ومن فيه .. يوم أطمئن إلى أن صوتي الذي يعادل وطنا بأكمله لم يضيع هباء ولم يذهب إلى كروش الجهلة والأميين وأنصاف المتعلمين والوصوليين ولابسي الأقنعة المزيفة من أدعياء وانتهازيين .. يوم أجد أن صوت الشعب لا يكمم ولا يرمى في غياهب السجون ولا ينكل به أو يهان .. يوم أجد أن صوت الشعب له هيبته وقيمته واعتباره الحقيقي في الدولة .. ساعتها فقط سأستميت في سبيل التصويت لأي عضو أجد أنه جدير ويستحق صوتي الذي وزنه بوزن وطن بأكمله ..
قولوا بالله عليكم .. نحن الشعب الصغير في هذا البلد الكبير المترامي الأطراف والكثير الكنوز والخيرات ــ من نرشح ؟ نرشح عضوا خذل بلدا بأكمله يوم نفض يديه من المسؤولية ولم يقدم لولايته ولا حتى للبلدة التي يسكن فيها والتي دعمته بأصواتها وأهاليها أدنى خدمة إلا ما فيه منفعة شخصية له ووجاهة لوجهه ونفاقه ؟؟ نرشح مترشحا صورة مبروزة في إطار لكن بلا فكر حقيقي ؟؟!! .. أنا كمواطن لا تهمني أبدا صورتك ( الكاشخة ) في هذه الشوارع ولا يهمني اسمك ومن أنت وما هي مسيرتك الوطنية المظفرة في البلد .. يهمني من كل هذه الكومة المعروضة ومن كل هذه الهالة المبجلة التي تحيطها وتزخرفها أمامي شيئان : عقلك وصوت ضميرك المسموع ..
ثم من أساسه وبأمانة صريحة مجلس الشورى هذا فقد مصداقيته وثقة الشعب فيه .. كيف لا ونحن كحكومة ماضين مع الأعضاء بسياسة تكميم الأصوات ومنع صوت أي عضو يقول الحق والصدق والصراحة فيقطع ميكروفون صوته عن عمد وقصد وبشكل علني وأمام مشاعر وعقل وعين وسمع الشعب من جهة وسمع ومرأى الاعلام نفسه المتواطىء مع هذا الـ ( تسكيت ) من جهة ثانية شاء العضو أم أبى ثم إذا طال صوت الشعب وعلت كلمة الحق وجد العضو نفسه فجأة مخطوفا من بيته ومودعا في السجن ( طالب المعمري نموذجا ) وكانت قبله المذكورة بالخير دوما طيبة المعولي أول صوت حر حقيقي شجاع خرج من رحم الشعب وصاح في وجه وزير لا يعلم أي شيء من أحوال هذا الشعب البائس وربما يعلم ولكنه وبتعليمات مشددة وخط أحمر مرسوم له من قبل فضل أن يبيع صوت ضميره بالسكوت والتعامي نظير أن يبقى وزيرا في منصبه ومستمتعا ببحبوحة العيش الرغيد هو وعائلته وأهله وبطانته .. طيبة المعولي أول إمرأة تصرخ بصوت الحق جهارا وتقول كلمتها الشهيرة الخالدة التي لم ولن ينساها لها الشعب العماني بأكمله ولا حتى الحكومة نفسها : ( أنا مستعدة أن أحملك إلى مطرح بسيارتي وأدخلك عند أســر وعوائل وحارات فقيرة فقرا مدقعا لترى الحال على حقيقته وتكف عن قولك لا يوجد فقر بعمان ) .. وسكت ناكسا برأسه من الخجل في الوقت الذي كان رئيس المجلس يقطع على طيبة كلامها ويوقف من أزراره المربوطة والمتحكمة بأصوات الشعب صوت شعب بأكمله بضغطة زر ..
وفي المرحلة البرلمانية الجديدة و الجميلة جدا جدا والتي ظهر فيها سالم العوفي والدكتور طالب المعمري ومعهم سلطان العبري وبقية الأسماء الجميلة فكرا وصوتا وعطاء في هذه المرحلة تحديدا كدنا قاب قوسين أو أدنى من نجاح التجربة البرلمانية العمانية وكدنا أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح لمسار مجلس الشورى لولا أن .. وأقول لولا .. لولا الانتكاسة التي حصلت مؤخرا حين بدأت الدولة تكشر عن أنيابها وتتعامل مع الصوت البرلماني الشعبي بلغة ( تكميم الأفواه وتخريس الألسن ) ثم تجاوز بها الشطط والتعسف في تعاملها مع أعضاء المجلس ووصل الأمر إلى التحقيق معهم ثم سجنهم وإقصاء بعضهم لأن هؤلاء ( المشاغبين ) كانوا بحق شجعانا في قول الصدق والصراحة وفي كشف الكثير من الأوراق المندسة والمسكوت عنها بل وتعرية الكثير من وجوه بعض الوزراء الذين كانوا يرتكبون وباستهتار شديد أخطاء شنيعة بحق الوطن والمواطن دون حسيب أو رقيب مما سهل على ظهور بيئة الفساد الإداري والمالي داخل مؤسسات الحكومة وتراخيا واضحا في الضرب وبحزم بأيدي المخالفين مما عزز من تكالب هؤلاء على مال الدولة بصور خداعية شتى تفوق تصور خيال الشخص العادي ( مشاريع وهمية غير موجودة على الأرض ومشاريع أخرى حقيقية وكلاهما الوهمي والحقيقي بمبالغ مالية مهوولة تصل إلى ملايين ومليارات الريالات نصفها ذهب إلى كروش هؤلاء بطرق غريبة وغامضة ) !!
ولأن إبن البلد وطني حقيقي أصيل غيور جدا على وطنه وشعب وطنه فلم يرض بهذه المهازل الحاصلة بحق ثروات وطنه ولم يدعه صوت ضميره أن يسكت ويغض الطرف عما يرى من تجاوزات وسرقات وأخطاء وفساد تقوم به حفنة مسيطرة من تنابلة الوزراء باعوا ضميرهم ووطنيتهم والأمانة التي أؤتمنوا عليها .. لقد ثار إبن البلد على كل هذه الصور القبيحة التي تنهب بلده وتمعن فيها بالفساد .. تكلم .. صارح .. أبرز حقائق بالصور والأرقام وبأدلة ظاهرة للعيان على الواقع .. حين هز صوت الحق مجلس الشورى .. حين عرى صوت الحق زيف هؤلاء وأماط عن وجوههم الحقيقية كل الأقنعة المزيفة والبراقة التي كانوا يظهرون بها أمام الشعب وكأنهم ملائكة أطهار .. حين تركهم وبجرأة حقائق عارية أمام الشعب . ماذا كان موقف الحكومة من الخطوة الجريئة التي قام بها صوت الضمير والحق والصدق والصراحة ؟؟ إرتكبت أكبر خطأ برلماني شنيع بحقهم .. فأسرعت وكممت أفواههم وأخرست بتوقيف صوت المايك ألسنتهم .. ولم تكتف بهذا بل زجت بهم في السجون ووضعت الكثير منهم تحت المراقبة الخفية .. لو الحكومة من البداية وضعت يدها في يد أعضاء مجلس الشورى ووثقت بصوت الشعب لكان حال مجلس الشورى الآن في أحسن حال ولكانت مؤسسات الحكومة بالأخص في صحة وعافية و أجمل صورة مرضي عنها وعن أدائها في مختلف القطاعات وكانت ستحدث عملية تنظيف وكنس شامل في داخل البيت الحكومي بحيث ينظف إداريا وماليا وقانونيا من كل أشكال الفساد والعفن ويصبح فيه فقط النظيف والنزيه والأمين والشريف ومن قلبه على الوطن لا على جيبه الشخصي ومن عقله وضميره مع الشعب لا مع مصالحه الشخصية وشركاته التي يستثمرها من مال الوطن نفسه .. ولكانت الصورة السلبية النيجاتيف المترسخة للآن في ذهن ومشاعر الشعب عن هذا المجلس ومن يمثله كانت هذه الصورة ستتغير إلى النحو الايجابي والحسن وكان الشعب سيضع كل ثقته في هذا الشورى وسيقبل على التصويت بروح من حس وطني متحمس وواثق من هذا المجلس ومن أعضاء المجلس .. لكن الحكومة طوّحت بكل هذه الآمال بعيدا وحطمت في المواطن البسيط العادي روح الثقة ليس فقط في مجلس الشورى ومن يمثله بل في الحكومة نفسها التي تقف كالجوستابو وراء هذا المجلس .. مما أوجد هـوَّة عميقة جدا بين الشعب والحكومة وتباعدا ظاهرا بين صوت المواطن وصوت الحكومة مع حساسية شديدة ترسبت في نفسية المواطن نفسه لدرجة أنه صار أكثر عصبية وحدة في موقفه مع أي شيء له طابع حكومي .. ومادام الحال كذلك فلن يتحق أي تلاحم وطني حقيقي وقوي بين مجلس الشورى والشعب ولن تكون هناك أي ثقة حقيقية في عقل ونفسية وروح الشعب تجاه مجلس الشورى مالم يتغير هذا المجلس جذريا من الداخل وبالصورة التي يرجوها ويتمناها كل مواطن شريف غيور جدا على بلده ومحب لبلده .. لا تكمموا صوت الحق والحقيقة ولا تهينوا الشعب بالإسكات العلني لصوته الممثل في أعضائه الذين إنتخبهم .. وعلى الحكومة أن تعيد النظر من جديد في تصرفات مجلسها من جهة مع أعضاء مجلس الشورى وفي تصرفها هي أيضا مع هؤلاء الأعضاء الذين كل جريمتهم الكبرى التي ارتكبوها أنهم قالوا الحقيقة وعروا الزيف وكشفوا العيوب وأبانوا ما كان خافيا عن الحكومة وعن الشعب .. هؤلاء وطنيون حقيقيون شرفاء وليسوا خونة لوطنهم وأمتهم .
إن واقع الحال مع مجلس الشورى هذا يجعلني كمواطن عادي أطرح في عقلي أكثر من تساؤل مليء بالتأمل :
هل هذه هي الحرية المرجوة من مجلس الشورى ؟؟ هل هذه هي صورة الديمقراطية التي يزخرفها ويتشدق بها المطبلون والمزمرون في إعلامنا في الداخل والخارج بمناسبة وبدون مناسبة ؟؟ هل هذه هي الثقة التي نأملها نحن كشعب بسيط من المجلس ؟؟ تسكيت صوت عضو برلماني في الدول المتقدمة يعد جريمة شنعاء يعاقب عليها القانون إلى درجة فصل رئيس البرلمان نفسه وطرده وتجريده من كل حقوقه وامتيازاته بالبرلمان ( طبعا مع الفارق الكبير جدا والشاسع بيننا وبين تلك البرلمانات ذات الهيبة والسلطة والمصداقية والرقي والتي بها وحدها فقط يمكن طرد وزير من منصبه فورا لمجرد أنه قصر في عمله أو عرضت حقائق عنه وعن وزارته ) ..
وعموما ما دامت مسألة ترشيح المترشحين حتى الآن غير إجبارية ( ولله الحمد والشكر أنها إلى الآن غير إجبارية ) فـلـن أرشح أحدا من هذه الأشكال المنفرة التي تتصبح وتتمسى بها عيوننا ليل نهار رغما عنا وعن أذواقنا وكل يوم والتي تحس وأنت تراها في الشوارع كأنك أمام وجوه قديمة ميتة آتية من العصور الوسطى حيث اللحى حتى الصرة والخناجر والعصي والأيدي المشبوكة أمام البطن وكأنه يشتكي من مغص حل به أو إضطراب معوي حاد فاجأه . في مظهر مقزز وغير عصري أبدا ولا يمت لوجه القرن الحادي والعشرين الراقي بأي صلة لا شكلا ولا مضمونا .. لـن أرشح أحدا ولو جاء ملاكا من السماء حتى تستقيم أمور هذا المجلس أعضاءا وأهدافا وتوجها وحتى أشعر أن صوتي كمواطن بسيط حق مقدس لا يكممه لا رئيس مجلس ولا إعلام متواطىء مع مجلس ولا يرهب ويودع في سجن لمجرد أنه نطق بالحق أو قال الحقيقة التي خرجت من قلب يخاف على الوطن ومن ضمير مؤتمن برسالة عظيمة من قبل شعب يريد أن تسمعه الحكومة بكل صدق وصراحة وشفافية وبعيدا عن أي تستير أو تعتيم أو نفاق .. وحتى أتيقن وباطمئنان تام أن حالة الشيزوفرانيا/الانفصام هذه والتي يعاني منها مجلس الشورى قد انتهت وزال مرضها وكل أعراضها ولم يعد صوت الشعب في جانب وصوت الحكومة في الضفة الأخرى بل كلا الصوتين منصهرين ومتحدين في بوتقة وطنية واحدة ومصلحة عامة واحدة وأهداف واحدة وحب وطني واحد حقيقي وصادق يضع الشعب فوق كل اعتبار والوطن فوق كل مصلحة وغاية ومكسب ..
وكـأســـك يــا وطــــــن
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
... وأنا في قيلولة ظهر مستمتعا بقراءة أشعار الشاعر العظيم المرحوم بلند الحيدري وديوانه رن جرس الباب .. قيل لي أن الطارق إمرأة تريدني فاستأذنت من روح شاعري العظيم بلند التي كانت قربي وخرجت لأرى من هذه الطارقة الآتية لزيارتي في عز هذا الظهر الشاسع النهار قاطعة عليَّ أجمل وأسعد وقت أعيشه ( عرفت فيما بعد ومن الجيران أن هذه المرأة هجمت ظهر هذا اليوم على حارتنا بيتا بيتا وفي يدها ملفا به نسخ ورقية لإعلان هام وزعته عنوة على بيوت الحارة ) ..
كانت إمرأة في أربعينيات عمرها بعباءة من سواد .. ترجلت نازلة من سيارتها الفخمة عندما رأتني أطل عليها .. وفورا مسكتني من تلابيب دهشتي بهذا السؤال المفاجىء وهي تبتسم :
ـــ أنت الشاعر سعيد الغافري . أليس كذلك ؟!
قلت بتواضع كبير وباندهاش مرتبك وأنا أبتسم مرحبا بها بحرارة :
ـــ أنا ذاكه !! أهلا وسهلا بك أختي .. تفضلي .. تفضلي
أدخلتها في مجلس الضيوف مباشرة ثم وأنا أهم بالذهاب لجلب قهوة الضيافة صاحت بي ملحة مصرة وهي تقول بصوت عفوي متباسط :
ـــ لا تجلب أي شيء .. تعال لنجلس بعض الوقت .. أنا مستعجلة وسأزورك في وقت لاحق أفضل لأستمتع بسماع أشعارك ودردشتك على رواقة ..
مرة أخرى حاولت مصرا أن أذهب لجلب واجب الضيافة ولم تدعني وامتثلت أخيرا لرجائها وجلست معها .. بعد حديث الحال والأحوال .. جلست تمطرني بوابل من الاطراء حول قلمي وشعري وكتاباتي المجنونة التي حسب كلامها تستهويها كثيرا وتتابعها بحرص .. شعرت وقتئذ بالحرج الشديد وبالضآلة أمام نفسي وأمامها .. فأنا لست بهذه العظمة التي ( صورتني ونفختني بها نفخا أي نفخ ) وظنت المسكينة أنني سأسكر بالمدح والثناء والاعجاب .. أنا مواطن عربي عادي ومجرد صوت لا أكثر ولا يهمني هذا الطنين والتطبيل ..
كنت طوال الوقت في نفسي أقول وربي سيحاسبني :
ـــ أموت وأعرف ما وراء هذه ( الورنشة ) التي قامت بها هذه المرأة لصورتي وقلمي في عز هذا النهار الحارق ؟؟؟!!
وفي النهاية دخلت معي في ( الكلام الجد ) الذي أساسا جاءت من أجله ولأجله من حيها الشمالي إلى حارتي الجنوبية بالبلدة التي نسكن فيها وقالت :
ـــ أستاذ سعيد أنا جاية مخصوص عندك عشان تدعمني في الترشيح لعضوية مجلس الشورى .. أريدك أن تساعدني في تجميع الأصوات وعمل دعاية لي في المواقع النتية التي تكتب فيها . أنا محتاجة لدعم قلمك لي في هذه الحملة . وأوعدك أن كل مشاريعك وكتبك راح تطبع على نفقتي الخاصة بعد فوزي بالترشح في المجلس .. وراح أدعمك ماديا ومعنويا في هذا الجانب .. وعدا وعهدا مني بذلك ..
ورغم هذه الإغراءات والميزات التي قدمتها لي نظير ( صوتي ) ودعمي القلمي الكامل لها إلا أنه دار في عقلي وقتها سؤال ضاغط رغم أنه مستهلك وقديم جدا لكني طرحته عليها فورا :
ـــ طيب يا أختي ما هي أفكارك أو توجهك أو أهدافك وما تريدي أن توصليه عنا كمواطنين إلى قبة مجلس الشورى ؟؟
وحسبتها ستصدر حمحمة ثم تجلس تتكلم باسترسال عن أفكارها و تشرح لي توجهاتها وأهدافها وما تريد توصيله للمجلس عبر عضويتها .. إلا أنها إختصرت وبسرعة عناء هذه الثرثرة المتوقعة وسحبت ببساطة نسخة من كومة أوراق مطبوعة طباعة لونية فاخرة كانت تحملها معها في هذه الحملة وناولتني إياها وهي تقول :
ـــ في هذه الورقة ستجد كل أجوبة أسئلتك وبغيتك ..
وأمام صدمتي علق عقلي ساخرا وهو يضحك :
ـــ قصدها تقول لك : في هذه الورقة السحرية يوجد عفريت مصباح علاء الدين الذي سيحقق لك كل ما تشتهي وتتمنى .. إنفخ فقط في الورقة واطلب ما تشاء من معجزات لك وللشعب وللوطن . وعلى الفور سيقول لك عفريت تلك الورقة : شبيك لبيك .. أنا بين يديك .. أطلب وفي الحال ألبيك ههههههه
وانصرفت عني بعد أن عززت تلك الورقة المعجزة التي ناولتني إياها جوابا على تساؤلاتي ببطاقة بيضاء صغيرة فيها رقم هاتفها و صورتها ذات الملامح المتغضنة والمضغوطة والعابسة والتي ذكرني مرآها باليابانية ساكي في رواية ( الجيشا ) ..
على الصعيد نفسه أعلن مترشح لعضوية مجلس الشورى قائلا بين زملائه في العمل بكل برود ووقاحة :
ـــ المهم أن أفوز في الانتخابات وبعد الفوز لا تعرفوني ولا أعرفكم ..
وأحسبه بهذا التصريح الاستهتاري جادا في كلامه بشواهد التاريخ نفسه والمترسخة في ذهن الشعب عن صورة المجلس وأعضائه وبالأخص صورة أولئك الأعضاء التنابل أصحاب الكلمة الشهيرة ( شكرا معالي رئيس المجلس . نكتفي بما قال العضو الفلاني والشكر موصول لمعالي الوزير الموقر ) وينخمد ساكتا طوال الجلسة في كرسيه وربما يذهب بكرشه المتهدلة ولحيته الكثة في سابع نومة .. نغمة تخاذلية قديمة وصورة يتندر بها دائما ولا تنساها أبدا ذاكرة الشعب ..
وحين سألني صديق هل سترشح أحدا من هذه ( الوجوه السمحة التي نتصبح ونتمسى بها كل يوم في الشوارع وجدران المحال والبيوت ) ؟؟! أجبته :
ـــ لـن أرشح أحدا .. لم أفعلها من قبل .. أأفعلها اليوم وفي ظل هذا الانتكاس الذي يعيشه مجلس الشورى ؟؟ لـن أرشح أحدا !!
نعم .. لـن أرشح أحدا ولي مبرراتي القوية كمواطن أحس وذاق مرارة الخيبة من كل مشوار هذا المجلس وقصصه ومهازله وإخفاقاته .. يوم ينصلح حال هذا المجلس بكل من فيه ويوم أقتنع كمواطن عادي بسيط بهذا المجلس ومن فيه .. يوم أطمئن إلى أن صوتي الذي يعادل وطنا بأكمله لم يضيع هباء ولم يذهب إلى كروش الجهلة والأميين وأنصاف المتعلمين والوصوليين ولابسي الأقنعة المزيفة من أدعياء وانتهازيين .. يوم أجد أن صوت الشعب لا يكمم ولا يرمى في غياهب السجون ولا ينكل به أو يهان .. يوم أجد أن صوت الشعب له هيبته وقيمته واعتباره الحقيقي في الدولة .. ساعتها فقط سأستميت في سبيل التصويت لأي عضو أجد أنه جدير ويستحق صوتي الذي وزنه بوزن وطن بأكمله ..
قولوا بالله عليكم .. نحن الشعب الصغير في هذا البلد الكبير المترامي الأطراف والكثير الكنوز والخيرات ــ من نرشح ؟ نرشح عضوا خذل بلدا بأكمله يوم نفض يديه من المسؤولية ولم يقدم لولايته ولا حتى للبلدة التي يسكن فيها والتي دعمته بأصواتها وأهاليها أدنى خدمة إلا ما فيه منفعة شخصية له ووجاهة لوجهه ونفاقه ؟؟ نرشح مترشحا صورة مبروزة في إطار لكن بلا فكر حقيقي ؟؟!! .. أنا كمواطن لا تهمني أبدا صورتك ( الكاشخة ) في هذه الشوارع ولا يهمني اسمك ومن أنت وما هي مسيرتك الوطنية المظفرة في البلد .. يهمني من كل هذه الكومة المعروضة ومن كل هذه الهالة المبجلة التي تحيطها وتزخرفها أمامي شيئان : عقلك وصوت ضميرك المسموع ..
ثم من أساسه وبأمانة صريحة مجلس الشورى هذا فقد مصداقيته وثقة الشعب فيه .. كيف لا ونحن كحكومة ماضين مع الأعضاء بسياسة تكميم الأصوات ومنع صوت أي عضو يقول الحق والصدق والصراحة فيقطع ميكروفون صوته عن عمد وقصد وبشكل علني وأمام مشاعر وعقل وعين وسمع الشعب من جهة وسمع ومرأى الاعلام نفسه المتواطىء مع هذا الـ ( تسكيت ) من جهة ثانية شاء العضو أم أبى ثم إذا طال صوت الشعب وعلت كلمة الحق وجد العضو نفسه فجأة مخطوفا من بيته ومودعا في السجن ( طالب المعمري نموذجا ) وكانت قبله المذكورة بالخير دوما طيبة المعولي أول صوت حر حقيقي شجاع خرج من رحم الشعب وصاح في وجه وزير لا يعلم أي شيء من أحوال هذا الشعب البائس وربما يعلم ولكنه وبتعليمات مشددة وخط أحمر مرسوم له من قبل فضل أن يبيع صوت ضميره بالسكوت والتعامي نظير أن يبقى وزيرا في منصبه ومستمتعا ببحبوحة العيش الرغيد هو وعائلته وأهله وبطانته .. طيبة المعولي أول إمرأة تصرخ بصوت الحق جهارا وتقول كلمتها الشهيرة الخالدة التي لم ولن ينساها لها الشعب العماني بأكمله ولا حتى الحكومة نفسها : ( أنا مستعدة أن أحملك إلى مطرح بسيارتي وأدخلك عند أســر وعوائل وحارات فقيرة فقرا مدقعا لترى الحال على حقيقته وتكف عن قولك لا يوجد فقر بعمان ) .. وسكت ناكسا برأسه من الخجل في الوقت الذي كان رئيس المجلس يقطع على طيبة كلامها ويوقف من أزراره المربوطة والمتحكمة بأصوات الشعب صوت شعب بأكمله بضغطة زر ..
وفي المرحلة البرلمانية الجديدة و الجميلة جدا جدا والتي ظهر فيها سالم العوفي والدكتور طالب المعمري ومعهم سلطان العبري وبقية الأسماء الجميلة فكرا وصوتا وعطاء في هذه المرحلة تحديدا كدنا قاب قوسين أو أدنى من نجاح التجربة البرلمانية العمانية وكدنا أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح لمسار مجلس الشورى لولا أن .. وأقول لولا .. لولا الانتكاسة التي حصلت مؤخرا حين بدأت الدولة تكشر عن أنيابها وتتعامل مع الصوت البرلماني الشعبي بلغة ( تكميم الأفواه وتخريس الألسن ) ثم تجاوز بها الشطط والتعسف في تعاملها مع أعضاء المجلس ووصل الأمر إلى التحقيق معهم ثم سجنهم وإقصاء بعضهم لأن هؤلاء ( المشاغبين ) كانوا بحق شجعانا في قول الصدق والصراحة وفي كشف الكثير من الأوراق المندسة والمسكوت عنها بل وتعرية الكثير من وجوه بعض الوزراء الذين كانوا يرتكبون وباستهتار شديد أخطاء شنيعة بحق الوطن والمواطن دون حسيب أو رقيب مما سهل على ظهور بيئة الفساد الإداري والمالي داخل مؤسسات الحكومة وتراخيا واضحا في الضرب وبحزم بأيدي المخالفين مما عزز من تكالب هؤلاء على مال الدولة بصور خداعية شتى تفوق تصور خيال الشخص العادي ( مشاريع وهمية غير موجودة على الأرض ومشاريع أخرى حقيقية وكلاهما الوهمي والحقيقي بمبالغ مالية مهوولة تصل إلى ملايين ومليارات الريالات نصفها ذهب إلى كروش هؤلاء بطرق غريبة وغامضة ) !!
ولأن إبن البلد وطني حقيقي أصيل غيور جدا على وطنه وشعب وطنه فلم يرض بهذه المهازل الحاصلة بحق ثروات وطنه ولم يدعه صوت ضميره أن يسكت ويغض الطرف عما يرى من تجاوزات وسرقات وأخطاء وفساد تقوم به حفنة مسيطرة من تنابلة الوزراء باعوا ضميرهم ووطنيتهم والأمانة التي أؤتمنوا عليها .. لقد ثار إبن البلد على كل هذه الصور القبيحة التي تنهب بلده وتمعن فيها بالفساد .. تكلم .. صارح .. أبرز حقائق بالصور والأرقام وبأدلة ظاهرة للعيان على الواقع .. حين هز صوت الحق مجلس الشورى .. حين عرى صوت الحق زيف هؤلاء وأماط عن وجوههم الحقيقية كل الأقنعة المزيفة والبراقة التي كانوا يظهرون بها أمام الشعب وكأنهم ملائكة أطهار .. حين تركهم وبجرأة حقائق عارية أمام الشعب . ماذا كان موقف الحكومة من الخطوة الجريئة التي قام بها صوت الضمير والحق والصدق والصراحة ؟؟ إرتكبت أكبر خطأ برلماني شنيع بحقهم .. فأسرعت وكممت أفواههم وأخرست بتوقيف صوت المايك ألسنتهم .. ولم تكتف بهذا بل زجت بهم في السجون ووضعت الكثير منهم تحت المراقبة الخفية .. لو الحكومة من البداية وضعت يدها في يد أعضاء مجلس الشورى ووثقت بصوت الشعب لكان حال مجلس الشورى الآن في أحسن حال ولكانت مؤسسات الحكومة بالأخص في صحة وعافية و أجمل صورة مرضي عنها وعن أدائها في مختلف القطاعات وكانت ستحدث عملية تنظيف وكنس شامل في داخل البيت الحكومي بحيث ينظف إداريا وماليا وقانونيا من كل أشكال الفساد والعفن ويصبح فيه فقط النظيف والنزيه والأمين والشريف ومن قلبه على الوطن لا على جيبه الشخصي ومن عقله وضميره مع الشعب لا مع مصالحه الشخصية وشركاته التي يستثمرها من مال الوطن نفسه .. ولكانت الصورة السلبية النيجاتيف المترسخة للآن في ذهن ومشاعر الشعب عن هذا المجلس ومن يمثله كانت هذه الصورة ستتغير إلى النحو الايجابي والحسن وكان الشعب سيضع كل ثقته في هذا الشورى وسيقبل على التصويت بروح من حس وطني متحمس وواثق من هذا المجلس ومن أعضاء المجلس .. لكن الحكومة طوّحت بكل هذه الآمال بعيدا وحطمت في المواطن البسيط العادي روح الثقة ليس فقط في مجلس الشورى ومن يمثله بل في الحكومة نفسها التي تقف كالجوستابو وراء هذا المجلس .. مما أوجد هـوَّة عميقة جدا بين الشعب والحكومة وتباعدا ظاهرا بين صوت المواطن وصوت الحكومة مع حساسية شديدة ترسبت في نفسية المواطن نفسه لدرجة أنه صار أكثر عصبية وحدة في موقفه مع أي شيء له طابع حكومي .. ومادام الحال كذلك فلن يتحق أي تلاحم وطني حقيقي وقوي بين مجلس الشورى والشعب ولن تكون هناك أي ثقة حقيقية في عقل ونفسية وروح الشعب تجاه مجلس الشورى مالم يتغير هذا المجلس جذريا من الداخل وبالصورة التي يرجوها ويتمناها كل مواطن شريف غيور جدا على بلده ومحب لبلده .. لا تكمموا صوت الحق والحقيقة ولا تهينوا الشعب بالإسكات العلني لصوته الممثل في أعضائه الذين إنتخبهم .. وعلى الحكومة أن تعيد النظر من جديد في تصرفات مجلسها من جهة مع أعضاء مجلس الشورى وفي تصرفها هي أيضا مع هؤلاء الأعضاء الذين كل جريمتهم الكبرى التي ارتكبوها أنهم قالوا الحقيقة وعروا الزيف وكشفوا العيوب وأبانوا ما كان خافيا عن الحكومة وعن الشعب .. هؤلاء وطنيون حقيقيون شرفاء وليسوا خونة لوطنهم وأمتهم .
إن واقع الحال مع مجلس الشورى هذا يجعلني كمواطن عادي أطرح في عقلي أكثر من تساؤل مليء بالتأمل :
هل هذه هي الحرية المرجوة من مجلس الشورى ؟؟ هل هذه هي صورة الديمقراطية التي يزخرفها ويتشدق بها المطبلون والمزمرون في إعلامنا في الداخل والخارج بمناسبة وبدون مناسبة ؟؟ هل هذه هي الثقة التي نأملها نحن كشعب بسيط من المجلس ؟؟ تسكيت صوت عضو برلماني في الدول المتقدمة يعد جريمة شنعاء يعاقب عليها القانون إلى درجة فصل رئيس البرلمان نفسه وطرده وتجريده من كل حقوقه وامتيازاته بالبرلمان ( طبعا مع الفارق الكبير جدا والشاسع بيننا وبين تلك البرلمانات ذات الهيبة والسلطة والمصداقية والرقي والتي بها وحدها فقط يمكن طرد وزير من منصبه فورا لمجرد أنه قصر في عمله أو عرضت حقائق عنه وعن وزارته ) ..
وعموما ما دامت مسألة ترشيح المترشحين حتى الآن غير إجبارية ( ولله الحمد والشكر أنها إلى الآن غير إجبارية ) فـلـن أرشح أحدا من هذه الأشكال المنفرة التي تتصبح وتتمسى بها عيوننا ليل نهار رغما عنا وعن أذواقنا وكل يوم والتي تحس وأنت تراها في الشوارع كأنك أمام وجوه قديمة ميتة آتية من العصور الوسطى حيث اللحى حتى الصرة والخناجر والعصي والأيدي المشبوكة أمام البطن وكأنه يشتكي من مغص حل به أو إضطراب معوي حاد فاجأه . في مظهر مقزز وغير عصري أبدا ولا يمت لوجه القرن الحادي والعشرين الراقي بأي صلة لا شكلا ولا مضمونا .. لـن أرشح أحدا ولو جاء ملاكا من السماء حتى تستقيم أمور هذا المجلس أعضاءا وأهدافا وتوجها وحتى أشعر أن صوتي كمواطن بسيط حق مقدس لا يكممه لا رئيس مجلس ولا إعلام متواطىء مع مجلس ولا يرهب ويودع في سجن لمجرد أنه نطق بالحق أو قال الحقيقة التي خرجت من قلب يخاف على الوطن ومن ضمير مؤتمن برسالة عظيمة من قبل شعب يريد أن تسمعه الحكومة بكل صدق وصراحة وشفافية وبعيدا عن أي تستير أو تعتيم أو نفاق .. وحتى أتيقن وباطمئنان تام أن حالة الشيزوفرانيا/الانفصام هذه والتي يعاني منها مجلس الشورى قد انتهت وزال مرضها وكل أعراضها ولم يعد صوت الشعب في جانب وصوت الحكومة في الضفة الأخرى بل كلا الصوتين منصهرين ومتحدين في بوتقة وطنية واحدة ومصلحة عامة واحدة وأهداف واحدة وحب وطني واحد حقيقي وصادق يضع الشعب فوق كل اعتبار والوطن فوق كل مصلحة وغاية ومكسب ..
وكـأســـك يــا وطــــــن
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.