حنااايا..الروح
21-09-2014, 12:56 PM
أغترف لكم من سجل الذكريات الحافل بالمآسي والمسرات ، والمضحكات المبكيات قصةً حوتـها أروقة مستشفى الأمل بالرياض قبل سنوات حيث كنت في زيارة للمستشفى .
النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام
ومكافحة المخدرات سابقاً
وحقيقةً ، لم يدر في خلدي أن يقع مثل هذا اللقاء المثير ، وصدق الله {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} فإلى ذلك اللقاء .
إنه لقاءٌ حار في إحدى استراحات المستشفى مع بعض الشباب الذين يتلقون العلاج .. مستدبرين وراءهم أياماً موحشة في ظلمات الإدمان .. مستقبلين أمامهم صفحة بيضاء مشرقة من الإنابة والرجوع إلى جادة الصواب .
لقاءٌ مفتوح لا تنقصه الصراحة .. وحوارٌ كما يقال ( على المكشوف ) .. وشبابٌ تشع وجوههم حماساً وعاطفةً وندماً .
في خضم هذه المشاعر أخذ الشباب يتذكرون بكل مرارة وأسى تلك الشــرارة التي أوقــدت نار الإدمــــــان في القلـــوب ، وزجت بـها عبر بوابة السعادة الزائفة إلى دهاليز الموت .
تحدث الشباب - وكلٌ يشكو ليلاه - عن أسباب متعددة دفعتهم إلى سلوك هذا الطريق .
فشابٌ يقول : كنت ذا خلق سوي وسمعة طيبة .. لكن رفقة سيئة كانت سبباً في وقوعي في بحيرة الإدمان .. ولولا لطف الله ورحمته لغرقت .
وآخر يقول : سافرت من هذا البلد المبارك عبر بوابة المطار إلى إحدى الدول الأجنبية المعروفة بالفساد .. قضيت بـها أياماً عديدة بحثاً عن السعادة الموهومة في الشهوات والمحرمات .. لم أكن أعلم أن السعادة شيء واللذة شيء آخر .
نعم ، لقد عدت إلى بلادي .. لكن العودة كانت ولأول مرة عبر بوابة جديدة .. اسمها بوابة الإدمان .
وآخر يقول : التقليد وحب الاستطلاع .. وآخر يقول : نزغة شيطان !!! .
أسباب مثيرة يطول لها عجب ذوي الألباب .. لكن كان هناك أمر هو أعجب مما ذكر ، فما هو يا ترى ؟
لقد تحدث الشباب ، وأباحوا بما تكن صدورهم عن أسباب دخولهم هذا العالم ، إلا شاباً يبلغ من العمر قرابة السبعة عشر خريفاً ، بقي مستمعاً دون أن يتفوه بكلمة واحدة .
كنت أظن أن هذا الشاب ينتظر أن يفتح له الباب ليتحدث عن نفسه ، فبادرت بسؤاله : وأنت ما قصتك؟ ما سبب إدمانك؟ .
تحفزت لسماع قصته أملاً في اكتمال عقد اللقاء بهذه القصة ، لكن سرعان ما خاب أملي عندما نظرت إليه ومشاعر الحرج والارتباك تبدو على صفحات وجهه ولسان حاله يقول : ليتك لم تسأل؟ !!!! .
على كل حال ، كان لقاء مفيداً هادفاً ، تخللته باقة من المشاعر الأخوية ، وشذرات من النصائح التوجيهية .
وبالوداع والسلام ، انفض لقاء الإخاء والوئام .. عدتُ أدراجي لأغادر المستشفى من حيث أتيت ، وإذ بالشاب يستوقفني في أحد ممرات المستشفى .
بدأ الشاب بالاعتذار عن عـــــــدم إجابته علـى سؤالي أمـــــام الشباب فسارعت في إجابته بأن الأمر عادي فقد يشعر الإنسان بالحرج وهو يتحدث عما اقترفت يداه في الماضي .. بشّرته بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأن التوبة تجب ما قبلها .
وقبل أن أستطرد في محاضرة عن التوبة قال الشاب : لكن هذا الأمر في الحقيقة لم يكن هو الذي يمنعني من الإجابة كبقية الشباب فكلهم يعلم أنني أتعاطى الهيروين المخدر .. لكني لا أحب أن أفصح عن سبب وقوعي في الإدمان ، لأنني كلما تذكرت ذلك السبب شعرت بألم وحــزن شـــديد لا يعلمه إلا الله .. ومع هذا سأحدثك عن نفسي :
عشتُ أيام طفولتي بكل حنان وبراءة بين والديّ وإخوتي ، حتى بلغت سن الخامسة عشرة وكنت وقتها أدرس في المرحلة المتوسطة .
وفي يوم من الأيام دخلت غرفة والدي ، فوجدته على غير الحال الذي كنت أراه فيها .
كان بيده مسحوق يضعه على ورقة قصدير ويقوم باستنشاقه ، ثم يقوم بحركات غريبة لم تقع عيني على مثلها .
لم أكن أعلم حقيقة ما يجري .. إذ لم أرَ هذا المسحوق الساحق في حياتي .. بل لم أكن أعلم عن المخدرات شيئاً .. وقبل هذا كله وفوق كل اعتبار فأنا أريد أن أكون رجلاً مثل أبي في كل شيء .. لأنه ( كما أظن ) أبي .
تقدمت إليه .. وبدافع بريء من حب الاستطلاع والتقليد طلبت منه أن أشاركه ، لكنه انتهرني وطردني من الغرفة بعد أن هددني بالضرب .. خرجت من الغرفة لكن هذا المشهد لم يفارق مخيلتي أبداً .
مرت الأيام .. دخلت على أبي مرة أخرى ، وهو على حال شبيهة بالحال التي رأيته فيها في المرة الأولى .
ومن جديد .. ثارت في نفسي شهوة التقليد .. حتى طغت على ما تقدم من التهديد .
لم أفقد الأمل .. كررت طلبي من والدي أن يشركني معه .. ووسط إلحاح مستمر وإصرار شديد قدم إلي شيئــاً من المسحـــوق .. لكنه اشترط علي - لأنه بالطبع والدي المشفق الحريص على مصلحتي - أن لا أقوم بتعاطيه ........ .
وليته توقف عند هذه الكلمة فتهون المصيبة .. لكنه - ويا للأسف - اشترط علي ألا أقوم بتعاطيه أمامه بل في الغرفة الأخرى !!!
ذهبت إلى الغرفة الأخرى .. استنشقت المسحوق .. أصبت بصدمة كبيرة حتى ضاقت عليّ نفسي ، ودخلت من حينها عالم الوهم والإدمان .
ولم أزل في دوامة الإدمان حتى فشا أمري إلى أحد أفراد الأسرة الغيورين .. حضر إلي ، وقام جزاه الله عني خيراً بنصحي وإرشادي .. ثم عرض علي العلاج بمستشفى الأمل واتصل بالمسئولين فهبوا لإنقاذي من الهاوية التي وقعت فيها .
هاأنذا أتنفس الصعداء بعد أيام عصيبة عشت فيها صراعاً مريراً كان المجرم فيه نفسي الأمارة بالسوء ، وكانت الضحية فيه أنا . ولقد كادت الأولى ( نفسي ) أن تقضي على الأخرى ( أنا ) لولا لطف الله تعالى .
إنني أداري نفسي .. فلعلها تسلو بيومي عن أمسي .. لكن بقي من الأمس ما لا يمكن أن أنساه أبداً .. وهو : أن أكـــون أنا الضحية ، والجاني هو أبي ؟!!! .
إنه جرح غائر في القلب .. فأنى لجرح القلب أن يلتئم .
وظلم ذوي القربـى أشدّ مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهنّد
النقيب سامي بن خالد الحمود
عضو إدارة الشؤن الدينية في الأمن العام
ومكافحة المخدرات سابقاً
وحقيقةً ، لم يدر في خلدي أن يقع مثل هذا اللقاء المثير ، وصدق الله {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} فإلى ذلك اللقاء .
إنه لقاءٌ حار في إحدى استراحات المستشفى مع بعض الشباب الذين يتلقون العلاج .. مستدبرين وراءهم أياماً موحشة في ظلمات الإدمان .. مستقبلين أمامهم صفحة بيضاء مشرقة من الإنابة والرجوع إلى جادة الصواب .
لقاءٌ مفتوح لا تنقصه الصراحة .. وحوارٌ كما يقال ( على المكشوف ) .. وشبابٌ تشع وجوههم حماساً وعاطفةً وندماً .
في خضم هذه المشاعر أخذ الشباب يتذكرون بكل مرارة وأسى تلك الشــرارة التي أوقــدت نار الإدمــــــان في القلـــوب ، وزجت بـها عبر بوابة السعادة الزائفة إلى دهاليز الموت .
تحدث الشباب - وكلٌ يشكو ليلاه - عن أسباب متعددة دفعتهم إلى سلوك هذا الطريق .
فشابٌ يقول : كنت ذا خلق سوي وسمعة طيبة .. لكن رفقة سيئة كانت سبباً في وقوعي في بحيرة الإدمان .. ولولا لطف الله ورحمته لغرقت .
وآخر يقول : سافرت من هذا البلد المبارك عبر بوابة المطار إلى إحدى الدول الأجنبية المعروفة بالفساد .. قضيت بـها أياماً عديدة بحثاً عن السعادة الموهومة في الشهوات والمحرمات .. لم أكن أعلم أن السعادة شيء واللذة شيء آخر .
نعم ، لقد عدت إلى بلادي .. لكن العودة كانت ولأول مرة عبر بوابة جديدة .. اسمها بوابة الإدمان .
وآخر يقول : التقليد وحب الاستطلاع .. وآخر يقول : نزغة شيطان !!! .
أسباب مثيرة يطول لها عجب ذوي الألباب .. لكن كان هناك أمر هو أعجب مما ذكر ، فما هو يا ترى ؟
لقد تحدث الشباب ، وأباحوا بما تكن صدورهم عن أسباب دخولهم هذا العالم ، إلا شاباً يبلغ من العمر قرابة السبعة عشر خريفاً ، بقي مستمعاً دون أن يتفوه بكلمة واحدة .
كنت أظن أن هذا الشاب ينتظر أن يفتح له الباب ليتحدث عن نفسه ، فبادرت بسؤاله : وأنت ما قصتك؟ ما سبب إدمانك؟ .
تحفزت لسماع قصته أملاً في اكتمال عقد اللقاء بهذه القصة ، لكن سرعان ما خاب أملي عندما نظرت إليه ومشاعر الحرج والارتباك تبدو على صفحات وجهه ولسان حاله يقول : ليتك لم تسأل؟ !!!! .
على كل حال ، كان لقاء مفيداً هادفاً ، تخللته باقة من المشاعر الأخوية ، وشذرات من النصائح التوجيهية .
وبالوداع والسلام ، انفض لقاء الإخاء والوئام .. عدتُ أدراجي لأغادر المستشفى من حيث أتيت ، وإذ بالشاب يستوقفني في أحد ممرات المستشفى .
بدأ الشاب بالاعتذار عن عـــــــدم إجابته علـى سؤالي أمـــــام الشباب فسارعت في إجابته بأن الأمر عادي فقد يشعر الإنسان بالحرج وهو يتحدث عما اقترفت يداه في الماضي .. بشّرته بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأن التوبة تجب ما قبلها .
وقبل أن أستطرد في محاضرة عن التوبة قال الشاب : لكن هذا الأمر في الحقيقة لم يكن هو الذي يمنعني من الإجابة كبقية الشباب فكلهم يعلم أنني أتعاطى الهيروين المخدر .. لكني لا أحب أن أفصح عن سبب وقوعي في الإدمان ، لأنني كلما تذكرت ذلك السبب شعرت بألم وحــزن شـــديد لا يعلمه إلا الله .. ومع هذا سأحدثك عن نفسي :
عشتُ أيام طفولتي بكل حنان وبراءة بين والديّ وإخوتي ، حتى بلغت سن الخامسة عشرة وكنت وقتها أدرس في المرحلة المتوسطة .
وفي يوم من الأيام دخلت غرفة والدي ، فوجدته على غير الحال الذي كنت أراه فيها .
كان بيده مسحوق يضعه على ورقة قصدير ويقوم باستنشاقه ، ثم يقوم بحركات غريبة لم تقع عيني على مثلها .
لم أكن أعلم حقيقة ما يجري .. إذ لم أرَ هذا المسحوق الساحق في حياتي .. بل لم أكن أعلم عن المخدرات شيئاً .. وقبل هذا كله وفوق كل اعتبار فأنا أريد أن أكون رجلاً مثل أبي في كل شيء .. لأنه ( كما أظن ) أبي .
تقدمت إليه .. وبدافع بريء من حب الاستطلاع والتقليد طلبت منه أن أشاركه ، لكنه انتهرني وطردني من الغرفة بعد أن هددني بالضرب .. خرجت من الغرفة لكن هذا المشهد لم يفارق مخيلتي أبداً .
مرت الأيام .. دخلت على أبي مرة أخرى ، وهو على حال شبيهة بالحال التي رأيته فيها في المرة الأولى .
ومن جديد .. ثارت في نفسي شهوة التقليد .. حتى طغت على ما تقدم من التهديد .
لم أفقد الأمل .. كررت طلبي من والدي أن يشركني معه .. ووسط إلحاح مستمر وإصرار شديد قدم إلي شيئــاً من المسحـــوق .. لكنه اشترط علي - لأنه بالطبع والدي المشفق الحريص على مصلحتي - أن لا أقوم بتعاطيه ........ .
وليته توقف عند هذه الكلمة فتهون المصيبة .. لكنه - ويا للأسف - اشترط علي ألا أقوم بتعاطيه أمامه بل في الغرفة الأخرى !!!
ذهبت إلى الغرفة الأخرى .. استنشقت المسحوق .. أصبت بصدمة كبيرة حتى ضاقت عليّ نفسي ، ودخلت من حينها عالم الوهم والإدمان .
ولم أزل في دوامة الإدمان حتى فشا أمري إلى أحد أفراد الأسرة الغيورين .. حضر إلي ، وقام جزاه الله عني خيراً بنصحي وإرشادي .. ثم عرض علي العلاج بمستشفى الأمل واتصل بالمسئولين فهبوا لإنقاذي من الهاوية التي وقعت فيها .
هاأنذا أتنفس الصعداء بعد أيام عصيبة عشت فيها صراعاً مريراً كان المجرم فيه نفسي الأمارة بالسوء ، وكانت الضحية فيه أنا . ولقد كادت الأولى ( نفسي ) أن تقضي على الأخرى ( أنا ) لولا لطف الله تعالى .
إنني أداري نفسي .. فلعلها تسلو بيومي عن أمسي .. لكن بقي من الأمس ما لا يمكن أن أنساه أبداً .. وهو : أن أكـــون أنا الضحية ، والجاني هو أبي ؟!!! .
إنه جرح غائر في القلب .. فأنى لجرح القلب أن يلتئم .
وظلم ذوي القربـى أشدّ مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهنّد