اطياف السراب
17-08-2020, 02:52 PM
أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
أثارت الإحصائيات التي تم نشرها مؤخرًا عن المواليد للأمهات من فئة (15-19) سنة تساؤلات عدة، خصوصًا عن موضوع تزويج القاصرات، وهو الموضوع الذي سنسلّط عليه الضوء عبر هذه الزاوية القانونية في “أثير”.
إن براءة الطفولة مستمدة من رفع التكليف الإلهي، وانتفاء المسؤولية المدنية والجنائية، ولهذا فإن السلطنة أولت اهتمامهًا بحقوق الطفل، وأصدرت القوانين والتشريعات التي تحمي وتحفظ هذه الفئة العمرية من الاعتداء والإهمال والاستغلال.
وإيمانًا من السلطنة بحقوق الطفل فقد صدر قانون الطفل بالمرسوم السلطاني رقم ( ٢٢ / ٢٠١٤)، وجاءت أحكامه بحقوق مكفولة ومحفوظة للطفل، منها الحقوق التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية، وعلى حسب تعريف هذا القانون للطفل في المادة (١) الجزئية (د) فإنه: (كل إنسان لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالتقويم الميلادي).
ومع الأسف الشديد تظهر أحيانًا بعض التجاوزات التي نحسب أنها أوشكت على الاختفاء من المجتمع العُماني، ومن ذلك تزويج القاصرات اللاتي هن دون سن الثامنة عشرة؛ فما رأي القانون بذلك؟
بدايةً من الناحية الشرعية فإن الدين الإسلامي الحنيف رفع التكليف الشرعي عن الطفل، وبالتالي يفتي الفقهاء برأي معتبر بعدم تزويج الأطفال، ولأن الزواج من المسائل الشرعية فإن المشرّع العماني في قانون الأحوال الشخصية يعد ولاية ولي القاصر الذي هو دون الثامنة عشرة مقيدًا بحكم القاضي، وبما أن تزويج الفتاة يتطلب موافقة الولي فإن القاضي الذي يرفع له الأمر هو الذي له صلاحية إصدار الأمر القضائي إعمالًا للمادة رقم (١٠) من قانون الأحوال الشخصية، ولهذا أصدرت وزارة العدل قوانينها وإجراءاتها التنظيمية لإدارات الكاتب بالعدل بعدم توثيق عقود الزواج لأي فتاة زُوِّجت وهي دون سن الثامنة عشرة، حتى لو كانت راضية ووليها راضيًا، فلا يكون ذلك إلا بأمر قضائي؛ لأنه ببساطة هذه الفتاة وهي بهذا العمر يفترض أنها لا تزال طالبة بالمدرسة ولم تنهِ الصف الثاني عشر بعد، فكيف تزوّج وهي طالبة في المدرسة؟ مَن الذي يأمر هذه الطالبة بعدم مواصلة الدراسة ونحن في هذا العهد المدني المتقدم؟ أي قانون يسمح بهذا؟ إن وزارة التربية والتعليم أيضًا لم تألُ جهدًا في حماية الطالبات من الزواج فأصدرت تعليماتها الخاصة للمدارس في هذا الشأن.
ولو رجعنا إلى قانون الأحوال الشخصية، فإنه عندما نظّم وسمح للقاضي تزويج من هو دون سن الثامنة عشرة، فإن هذا ينطبق على الولد والبنت ليس بدون سبب أو علة؛ وإنما لحالات خاصة معينة كأن يكون الفتى قد اقترب من سن الثامنة عشرة وقد وصل إلى سن البلوغ والتكليف الشرعي ويخشى عليه من الوقوع في الزنا أو يكونا قد أتعبا أهلهما في مسالك غير حميدة، فيتم مراعاة هذه الحالات الخاصة؛ خوفًا من وقوع ما يؤذي العرض والشرف.
أما ما عدا ذلك واستنادًا للمادة (٣٩) من قانون الأحوال الشخصية فإن ذلك يعد زواجًا باطلًا قانونًا وغير صحيح؛ لاختلال ركن أساسي من أركانه وهو موافقة الولي، وقد أسلفنا أن الولاية هنا للقاضي. كما أن المادة (٤٣) من قانون الأحوال الشخصية نصّت بـ (لا يترتب على الزواج الباطل أي أثر) ومنها الصداق والنسب والعدة والنفقة.
و بما أن الادعاء العام هو الممثل القانوني للمجتمع فإنه أيضًا لا يسمح بتمرير هذه الوقائع لمخالفتها النصوص القانونية الصريحة؛ لأن قانون الجزاء العماني حمى الأطفال من الاعتداءات الجنسية وجعلها من جرائم الجنايات الأكثر تشديدًا وتغليظًا على الجاني.
وإذا كان هذا الزواج باطلًا فإن معاشرة الفراش بسببه تفسّر بأنها واقعة زنا حسب قانون الجزاء العماني حتى لو كانت راضية، جاء ذلك في المادة (٢٦٤) من قانون الجزاء العماني والتي نصت بـ: ( لا يعتد بالرضا في أحكام هذا الفصل إذا كان المجني عليه لم يكمل (١٨) الثامنة عشرة من عمره)، أما إذا كانت مواقعة الأنثى بدون رضا بمعنى أنها شبيهة بالاغتصاب فإن الجريمة تصنف على أنها جناية وتصل عقوبتها للسجن من ( 10) سنوات إلى (15) سنة، وتكون العقوبة بالسجن المطلق إذا كان المجني عليه دون (15) سنة، وفق ما أشارت إليه المادة (٢٥٧) من قانون الجزاء العماني، على اعتبار أنها من الجرائم الواقعة على العرض.
ومهما حدث فإن قانون الأحوال الشخصية العماني وقانون الجزاء العماني من القوانين العامة، أما قانون الطفل فهو قانون خاص، وكل ما يقع من انتهاكات على الطفل يعمل بالقانون الخاص الذي هو قانون الطفل وهو الذي يطبّق.
أين الخلل؟
أرى بأن ولي الأمر يتحمل مسؤولية قراره بتزويج هذه الطفلة، وهذا الزواج وإن حدث فإنه لا يوثّق كما أسلفنا، وينبغي ألا يعتد برضا الطفلة؛ لأنها غير مدركة وغير مميزة، وقد يكون لا حول لها ولا قوة، أو قد تكون مجبرة.
إن الطفلة وهي في هذه المرحلة التكوينية بحاجة ماسة إلى الرعاية والتربية، ولا تكون جاهزة ذهنيًا وفكريًا لتحمّل أعباء الزواج ومسؤوليات الأمومة، ولا تكون مكملة لمرحلة الدراسة، فمن الواجب منحها حقوقها الفطرية والطبيعية التي تناسب بنات جنسها، فلتهنأ بطفولتها وسوف يمضي الزمن سريعًا وتلحق على الزواج، ولن يفوتها شيء إن شاء الله.
وخلاصة الرأي القانوني: ندعو إلى الانتباه والحذر من تزويج القاصر الصغيرة، وندعو المجتمع إلى المحافظة على هذه الفئة والتقيّد بالقوانين، وإرشاد الناس بها.
أثارت الإحصائيات التي تم نشرها مؤخرًا عن المواليد للأمهات من فئة (15-19) سنة تساؤلات عدة، خصوصًا عن موضوع تزويج القاصرات، وهو الموضوع الذي سنسلّط عليه الضوء عبر هذه الزاوية القانونية في “أثير”.
إن براءة الطفولة مستمدة من رفع التكليف الإلهي، وانتفاء المسؤولية المدنية والجنائية، ولهذا فإن السلطنة أولت اهتمامهًا بحقوق الطفل، وأصدرت القوانين والتشريعات التي تحمي وتحفظ هذه الفئة العمرية من الاعتداء والإهمال والاستغلال.
وإيمانًا من السلطنة بحقوق الطفل فقد صدر قانون الطفل بالمرسوم السلطاني رقم ( ٢٢ / ٢٠١٤)، وجاءت أحكامه بحقوق مكفولة ومحفوظة للطفل، منها الحقوق التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية، وعلى حسب تعريف هذا القانون للطفل في المادة (١) الجزئية (د) فإنه: (كل إنسان لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالتقويم الميلادي).
ومع الأسف الشديد تظهر أحيانًا بعض التجاوزات التي نحسب أنها أوشكت على الاختفاء من المجتمع العُماني، ومن ذلك تزويج القاصرات اللاتي هن دون سن الثامنة عشرة؛ فما رأي القانون بذلك؟
بدايةً من الناحية الشرعية فإن الدين الإسلامي الحنيف رفع التكليف الشرعي عن الطفل، وبالتالي يفتي الفقهاء برأي معتبر بعدم تزويج الأطفال، ولأن الزواج من المسائل الشرعية فإن المشرّع العماني في قانون الأحوال الشخصية يعد ولاية ولي القاصر الذي هو دون الثامنة عشرة مقيدًا بحكم القاضي، وبما أن تزويج الفتاة يتطلب موافقة الولي فإن القاضي الذي يرفع له الأمر هو الذي له صلاحية إصدار الأمر القضائي إعمالًا للمادة رقم (١٠) من قانون الأحوال الشخصية، ولهذا أصدرت وزارة العدل قوانينها وإجراءاتها التنظيمية لإدارات الكاتب بالعدل بعدم توثيق عقود الزواج لأي فتاة زُوِّجت وهي دون سن الثامنة عشرة، حتى لو كانت راضية ووليها راضيًا، فلا يكون ذلك إلا بأمر قضائي؛ لأنه ببساطة هذه الفتاة وهي بهذا العمر يفترض أنها لا تزال طالبة بالمدرسة ولم تنهِ الصف الثاني عشر بعد، فكيف تزوّج وهي طالبة في المدرسة؟ مَن الذي يأمر هذه الطالبة بعدم مواصلة الدراسة ونحن في هذا العهد المدني المتقدم؟ أي قانون يسمح بهذا؟ إن وزارة التربية والتعليم أيضًا لم تألُ جهدًا في حماية الطالبات من الزواج فأصدرت تعليماتها الخاصة للمدارس في هذا الشأن.
ولو رجعنا إلى قانون الأحوال الشخصية، فإنه عندما نظّم وسمح للقاضي تزويج من هو دون سن الثامنة عشرة، فإن هذا ينطبق على الولد والبنت ليس بدون سبب أو علة؛ وإنما لحالات خاصة معينة كأن يكون الفتى قد اقترب من سن الثامنة عشرة وقد وصل إلى سن البلوغ والتكليف الشرعي ويخشى عليه من الوقوع في الزنا أو يكونا قد أتعبا أهلهما في مسالك غير حميدة، فيتم مراعاة هذه الحالات الخاصة؛ خوفًا من وقوع ما يؤذي العرض والشرف.
أما ما عدا ذلك واستنادًا للمادة (٣٩) من قانون الأحوال الشخصية فإن ذلك يعد زواجًا باطلًا قانونًا وغير صحيح؛ لاختلال ركن أساسي من أركانه وهو موافقة الولي، وقد أسلفنا أن الولاية هنا للقاضي. كما أن المادة (٤٣) من قانون الأحوال الشخصية نصّت بـ (لا يترتب على الزواج الباطل أي أثر) ومنها الصداق والنسب والعدة والنفقة.
و بما أن الادعاء العام هو الممثل القانوني للمجتمع فإنه أيضًا لا يسمح بتمرير هذه الوقائع لمخالفتها النصوص القانونية الصريحة؛ لأن قانون الجزاء العماني حمى الأطفال من الاعتداءات الجنسية وجعلها من جرائم الجنايات الأكثر تشديدًا وتغليظًا على الجاني.
وإذا كان هذا الزواج باطلًا فإن معاشرة الفراش بسببه تفسّر بأنها واقعة زنا حسب قانون الجزاء العماني حتى لو كانت راضية، جاء ذلك في المادة (٢٦٤) من قانون الجزاء العماني والتي نصت بـ: ( لا يعتد بالرضا في أحكام هذا الفصل إذا كان المجني عليه لم يكمل (١٨) الثامنة عشرة من عمره)، أما إذا كانت مواقعة الأنثى بدون رضا بمعنى أنها شبيهة بالاغتصاب فإن الجريمة تصنف على أنها جناية وتصل عقوبتها للسجن من ( 10) سنوات إلى (15) سنة، وتكون العقوبة بالسجن المطلق إذا كان المجني عليه دون (15) سنة، وفق ما أشارت إليه المادة (٢٥٧) من قانون الجزاء العماني، على اعتبار أنها من الجرائم الواقعة على العرض.
ومهما حدث فإن قانون الأحوال الشخصية العماني وقانون الجزاء العماني من القوانين العامة، أما قانون الطفل فهو قانون خاص، وكل ما يقع من انتهاكات على الطفل يعمل بالقانون الخاص الذي هو قانون الطفل وهو الذي يطبّق.
أين الخلل؟
أرى بأن ولي الأمر يتحمل مسؤولية قراره بتزويج هذه الطفلة، وهذا الزواج وإن حدث فإنه لا يوثّق كما أسلفنا، وينبغي ألا يعتد برضا الطفلة؛ لأنها غير مدركة وغير مميزة، وقد يكون لا حول لها ولا قوة، أو قد تكون مجبرة.
إن الطفلة وهي في هذه المرحلة التكوينية بحاجة ماسة إلى الرعاية والتربية، ولا تكون جاهزة ذهنيًا وفكريًا لتحمّل أعباء الزواج ومسؤوليات الأمومة، ولا تكون مكملة لمرحلة الدراسة، فمن الواجب منحها حقوقها الفطرية والطبيعية التي تناسب بنات جنسها، فلتهنأ بطفولتها وسوف يمضي الزمن سريعًا وتلحق على الزواج، ولن يفوتها شيء إن شاء الله.
وخلاصة الرأي القانوني: ندعو إلى الانتباه والحذر من تزويج القاصر الصغيرة، وندعو المجتمع إلى المحافظة على هذه الفئة والتقيّد بالقوانين، وإرشاد الناس بها.