اطياف السراب
04-04-2019, 11:51 AM
مع كل قضية تلوح في الأفق، تضج وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عنها، وتبدأ الوسومات “الهاشتاقات” بالتفاعل، والعبارات، والفتاوى القانونية فيها، بل يقوم بعضهم بنشر صور المتهمين ومعلومات شخصية عنهم، أو يُطالبون بنشر الصور، ويصل الأمر أحيانًا إلى التجريح الشخصي والقذف والسب، ناسين أنهم لا يزالون “مُتهمين” وليسوا “مُدانين”.
وعلى الرغم من التحذيرات المنشورة حول عدم الخوض في القضايا التي تأخذ مجراها أمام المختصين بالتحقيق تمهيدًا لرفعها إلى القضاء ليقول كلمته الفصل فيه، إلا أن ما شدني كثيرًا في هذا الصدد هو ما يُطالب به البعض بنشر صور المتهمين، وعند إخبارهم بأنه لا يجوز نشر صور المتهمين في أي قضية إلا بإذن من المحكمة بعد صدور الحكم النهائي فيها؛ استنادًا لما نص عليه النظام الأساسي للدولة من “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة يكفل له فيها كافة الضمانات المقررة قانوناً لتمكينه من حق الدفاع المشروع عن نفسه أو بواسطة وكيل عنه”، يُبادرونك بالاستفهام عن الحادثة التي وقعت في عام 2011م، والتي انتشرت تحت وسم (قضايا الإعابة)، قائلين بأنه تم نشر صور المتهمين في تلك القضية حتى قبل صدور الحكم، فلماذا لا يتم معاملة المتهمين في القضايا الحالية كقضية “اختلاسات التربية” مثلا بالمعاملة نفسها ويتم نشر صورهم؟
ونُجيب عن هذا التساؤل عبر هذه الزاوية القانونية في “أثير” بأن القارئ لقانون الجزاء العُماني، يجد أن نشر صور المتهمين لم يُكن مجرّمًا قبل اعتماد القانون المعمول به حاليًا والصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018)، لذا فإن نشر الصور في القضية التي أشرنا إليها في 2011م كان في “ظل إباحة تشريعية” أو بعبارة أخرى “وجود فراغ تشريعي في هذا الجانب”، لذا فالنشر الذي تم كان صحيحًا قانونًا “في حينه”، لكن في الوقت الحالي، فإن المادة (249) من قانون الجزاء العماني جرّمت هذا الفعل، حيث نصت بـ: “يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني كل من نشر بإحدى طرق العلانية دون إذن من الادعاء العام أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال:
1- أخبارًا في شأن تحقيق قائم أو نشر وثيقة من وثائق التحقيق.
2- أخبارًا في شأن الدعاوي التي نص القانون أو قررت المحكمة نظرها في جلسة سرية أو منعت نشرها.
3- أسماء أو صور المتهمين أو المحكوم عليهم.
4- أسماء أو صور المجني عليهم في جرائم الاعتداء على العرض.
ويعاقب بذات العقوبة كل من قام بمد أي من وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية بشيء مما ذكر في البنود السابقة”
فبتجريم هذا الفعل وفق هذا النص؛ يكون المشرّع قد سد الباب أمام كل ما من شأنه أن يسمح بنشر صور المتهمين في أي قضية منظورة أمام القضاء.
ومع ذلك فإننا نرى بأن نشر الصور في عام 2011م لم يُصادف صحيح قوانين أخرى، لأن هذه الحالة وإن لم تكن مجرّمة “وقتها” في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74)، إلا أنها لم تكن في معزل عن نصوص تشريعية أخرى، فالمشرع حظر ذلك منذ فجر إصدار قانون المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (49/84) والذي جاء في مادته رقم (29) ما نصه: “لا يجوز نشر وقائع التحقيقات أو المحاكمات المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها، والتي تحظر المحكمة نشرها، كما لا يجوز بسوء قصد تحريف ما يجري في الجلسات أو المداولات” ونصت المادة (30) منه على أنه: “لا يجوز نشر الأخبار أو الصور أو التعليقات التي تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، إلا إذا كان النشر تنفيذا لحكم قضائي أو قرار إداري تقتضيه مصلحه عامة ويكون الترخيص بالنشر بقرار من وزير الإعلام”، وكذلك فقد استقر قضاء المحكمة العليا التي تتربع على قمة الهرم القضائي في السلطنة في المبدأ رقم (47) في الطعن (139/2004 مدني) على أنه: “نشر صورة الشخص في وسائل الإعلام دون موافقته يُعدّ انتهاكا للخصوصية ويقع تحت طائلة المسؤولية التقصيرية ويقتضي التعويض ولا يشترط أن يكون الضرر ماديا فقط بل يعتبر الضرر المعنوي الذي يصيب الإنسان في حريته أو عرضه أو شرفه أو سمعته أو مركزه الاجتماعي”.
ومن جميع ذلك يتضح أن واقعة النشر التي تمت في الواقعة المذكورة أعلاه كانت مخالفة للقانون وبالتالي لا يجوز القياس عليها، إذ إنها تُعدّ من قبيل الخطأ، والخطأ لا يُقاس عليه سواء في القانون أم في الشريعة الإسلامية الغراء، فلا يجوز بالتالي نشر صور المتهمين في أي قضية كانت كون المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، فالنشر بهذه الصورة قبل صدور الحكم القضائي سوف يجعل من المتهم مجرمًا في عيون شريحة كبيرة من المجتمع، وهذا ولو حكم ببراءته، وبالتالي فهذا الفعل محرّم شرعًا وقانونًا، لكن ينبغي ألا يغيب عن أحد أن نشر صور المتهمين في عام 2011م، قد يكون مبنيًا على اعتبارات أمنية تقدّرها الجهة المختصة في هذا الصدد بلا معقب عليها في ذلك، وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (8) من قانون محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (91/99) وتعديلاته، بأنه: “… ويعتبر سبب القرار مشروعًا إذا كان مبنيًا على اعتبارات أمنية” وعليه متى ما تم ذلك بناءً على هذا السند فلا يجوز بحث مشروعيته من عدمها، كون المشرع جعل له قرينة لا تقبل إثبات العكس أن يكون الفعل أو القرار مبنيًا على سبب صحيح قانونا، وكذلك لا يجوز التعويض عنه لسببين أولهما أن المشرع بجعل القرار الصادر بالنشر قائمًا على سبب صحيح ينتفي معه ركن الخطأ الموجب للمسؤولية، والثاني أنه عند بحث ركن الخطأ يجب التصدي لمشروعية القرار والتي تلزم أن يتم بحث سلامة السبب وما توصلت إليه الجهات الأمنية في هذا الجانب، وهذا ما ينحسر عنه الاختصاص بالبحث أمام ساحات القضاء، وبالتالي لا يتم التعويض عنه.
وعلى الرغم من التحذيرات المنشورة حول عدم الخوض في القضايا التي تأخذ مجراها أمام المختصين بالتحقيق تمهيدًا لرفعها إلى القضاء ليقول كلمته الفصل فيه، إلا أن ما شدني كثيرًا في هذا الصدد هو ما يُطالب به البعض بنشر صور المتهمين، وعند إخبارهم بأنه لا يجوز نشر صور المتهمين في أي قضية إلا بإذن من المحكمة بعد صدور الحكم النهائي فيها؛ استنادًا لما نص عليه النظام الأساسي للدولة من “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة يكفل له فيها كافة الضمانات المقررة قانوناً لتمكينه من حق الدفاع المشروع عن نفسه أو بواسطة وكيل عنه”، يُبادرونك بالاستفهام عن الحادثة التي وقعت في عام 2011م، والتي انتشرت تحت وسم (قضايا الإعابة)، قائلين بأنه تم نشر صور المتهمين في تلك القضية حتى قبل صدور الحكم، فلماذا لا يتم معاملة المتهمين في القضايا الحالية كقضية “اختلاسات التربية” مثلا بالمعاملة نفسها ويتم نشر صورهم؟
ونُجيب عن هذا التساؤل عبر هذه الزاوية القانونية في “أثير” بأن القارئ لقانون الجزاء العُماني، يجد أن نشر صور المتهمين لم يُكن مجرّمًا قبل اعتماد القانون المعمول به حاليًا والصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018)، لذا فإن نشر الصور في القضية التي أشرنا إليها في 2011م كان في “ظل إباحة تشريعية” أو بعبارة أخرى “وجود فراغ تشريعي في هذا الجانب”، لذا فالنشر الذي تم كان صحيحًا قانونًا “في حينه”، لكن في الوقت الحالي، فإن المادة (249) من قانون الجزاء العماني جرّمت هذا الفعل، حيث نصت بـ: “يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن (100) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ألف ريال عماني كل من نشر بإحدى طرق العلانية دون إذن من الادعاء العام أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال:
1- أخبارًا في شأن تحقيق قائم أو نشر وثيقة من وثائق التحقيق.
2- أخبارًا في شأن الدعاوي التي نص القانون أو قررت المحكمة نظرها في جلسة سرية أو منعت نشرها.
3- أسماء أو صور المتهمين أو المحكوم عليهم.
4- أسماء أو صور المجني عليهم في جرائم الاعتداء على العرض.
ويعاقب بذات العقوبة كل من قام بمد أي من وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية بشيء مما ذكر في البنود السابقة”
فبتجريم هذا الفعل وفق هذا النص؛ يكون المشرّع قد سد الباب أمام كل ما من شأنه أن يسمح بنشر صور المتهمين في أي قضية منظورة أمام القضاء.
ومع ذلك فإننا نرى بأن نشر الصور في عام 2011م لم يُصادف صحيح قوانين أخرى، لأن هذه الحالة وإن لم تكن مجرّمة “وقتها” في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74)، إلا أنها لم تكن في معزل عن نصوص تشريعية أخرى، فالمشرع حظر ذلك منذ فجر إصدار قانون المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (49/84) والذي جاء في مادته رقم (29) ما نصه: “لا يجوز نشر وقائع التحقيقات أو المحاكمات المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها، والتي تحظر المحكمة نشرها، كما لا يجوز بسوء قصد تحريف ما يجري في الجلسات أو المداولات” ونصت المادة (30) منه على أنه: “لا يجوز نشر الأخبار أو الصور أو التعليقات التي تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، إلا إذا كان النشر تنفيذا لحكم قضائي أو قرار إداري تقتضيه مصلحه عامة ويكون الترخيص بالنشر بقرار من وزير الإعلام”، وكذلك فقد استقر قضاء المحكمة العليا التي تتربع على قمة الهرم القضائي في السلطنة في المبدأ رقم (47) في الطعن (139/2004 مدني) على أنه: “نشر صورة الشخص في وسائل الإعلام دون موافقته يُعدّ انتهاكا للخصوصية ويقع تحت طائلة المسؤولية التقصيرية ويقتضي التعويض ولا يشترط أن يكون الضرر ماديا فقط بل يعتبر الضرر المعنوي الذي يصيب الإنسان في حريته أو عرضه أو شرفه أو سمعته أو مركزه الاجتماعي”.
ومن جميع ذلك يتضح أن واقعة النشر التي تمت في الواقعة المذكورة أعلاه كانت مخالفة للقانون وبالتالي لا يجوز القياس عليها، إذ إنها تُعدّ من قبيل الخطأ، والخطأ لا يُقاس عليه سواء في القانون أم في الشريعة الإسلامية الغراء، فلا يجوز بالتالي نشر صور المتهمين في أي قضية كانت كون المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، فالنشر بهذه الصورة قبل صدور الحكم القضائي سوف يجعل من المتهم مجرمًا في عيون شريحة كبيرة من المجتمع، وهذا ولو حكم ببراءته، وبالتالي فهذا الفعل محرّم شرعًا وقانونًا، لكن ينبغي ألا يغيب عن أحد أن نشر صور المتهمين في عام 2011م، قد يكون مبنيًا على اعتبارات أمنية تقدّرها الجهة المختصة في هذا الصدد بلا معقب عليها في ذلك، وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (8) من قانون محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (91/99) وتعديلاته، بأنه: “… ويعتبر سبب القرار مشروعًا إذا كان مبنيًا على اعتبارات أمنية” وعليه متى ما تم ذلك بناءً على هذا السند فلا يجوز بحث مشروعيته من عدمها، كون المشرع جعل له قرينة لا تقبل إثبات العكس أن يكون الفعل أو القرار مبنيًا على سبب صحيح قانونا، وكذلك لا يجوز التعويض عنه لسببين أولهما أن المشرع بجعل القرار الصادر بالنشر قائمًا على سبب صحيح ينتفي معه ركن الخطأ الموجب للمسؤولية، والثاني أنه عند بحث ركن الخطأ يجب التصدي لمشروعية القرار والتي تلزم أن يتم بحث سلامة السبب وما توصلت إليه الجهات الأمنية في هذا الجانب، وهذا ما ينحسر عنه الاختصاص بالبحث أمام ساحات القضاء، وبالتالي لا يتم التعويض عنه.