صدى صوت
07-09-2018, 08:15 PM
العنوان بتصرف طارح الموضوع...
تستحق قصة الطفل الذي قضى بسبب نسيانه في الباص اليوم كل الغضب الذي ثار، وكل الحبر الذي أسيل، ونسأل الله الصبر والسلوان لوالديه. غير أنه من المجدي أيضا النقاش الجدي لهذا الموضوع لضمان عدم تكرار هذه الحادثة مستقبلاً، والاعتراف بأنها تكررتْ بسبب اللامبالاة بضحايا سابقة، أو الاكتفاء بالتعبير عن الغضب من جهة كنوع من فش الخلق، والتبرير من الجهة الأخرى بغرض التنصل من مسؤولية جسيمة كهذه.
يعرف معظمنا أن نسبة غير قليلة من سائقي الباصات لدينا هم موظفون في الأصل وليسوا متفرّغين لهذه الوظيفة، ولعلهم يسابقون الزمن صباحا ليقذفوا بحمولتهم من الأطفال قبل أن يتوجهوا إلى وظيفتهم الأخرى. هذا ليس تبريرا لهم بقدر ما هي نقطة ينبغي وضعها في الحسبان ونحن نحلل الحكاية. ثمة من يوقع عقد حافلة من وزارة التربية، ثم يوكل سياقتها لشخص آخر، لأنه هو نفسه غير متفرغ. وهذا السائق الذي يعمل من الباطن لا أحد يمكن أن ينتبه له أو يحاسبه إلا ضميره. معظم الوفيات حدثت في مناوبة السائق الصباحية وليس في مناوبة العودة. ببساطة لأن الأم أو الأب يعرفان بالضبط موعد عودة الطفل أو الطفلة إلى البيت وبمجرد تأخره/ا ولو دقائق ستستيقظ قرون استشعارهما وتدفعهما دفعاً للبحث عن فلذة الكبد. لكن كلاً منهما – أي الأب والأم – يسترخي في الصباح اعتماداً على أن ابنهما يتلقى دروسه في الصف، ولا يدور في خلد أي منهما أنه قد يكون محبوساً في حافلة ينازع الموت بدون أن يشعر به أحد. ثمة سائقون آخرون قد يكونون متفرّغين لعملهم هذا ولكنهم يتعاملون معه على أنه وظيفة والسلام، وليس لديهم الوازع الأخلاقي الكافي الذي يجعلهم يستشعرون ضخامة مسؤولية أن تكون مسؤولا عن حيوات أطفال بريئة مؤكَدٌ أنك لن تتقصّد أن تؤذيها، ولكن إهمالك ومبالاتك سيكونان قاتلَيْن، شئتَ أم لم تشأ.
ما الحلّ إذن؟.
ثمة تجربة ناجحة لجامعة صحار يسردها لي صديقي متعب (وهو بالمناسبة سائق حافلة طلاب عتيد، ستعرف من حُرقته على ما حصل اليوم، أن أصابعك ليست واحدة، وثمة سُوّاق ضمائرهم لا تنام). فرضت هذه الجامعة (وإن كان لأسباب وسياقات مختلفة) حارس أمن على بوابتها مهمته الدخول في الباص بعد إفراغ حمولته في حرم الجامعة والتأكد من خلوّه من الطلبة قبل خروجه. "بذا حمت الجامعة نفسها وحمتْ السائق أيضا" يقول متعب الذي يؤكد أنه كان يحدث كثيرا لطلبة جامعة كبار أن ينسوا أنفسهم في الباص، فما بالك بطفل صغير لم يتعدّ ستّ سنوات. وإذا كان لدى كل مدرسة حارس يقف على بوابتها طوال اليوم، فلِمَ لا يكون لديها حارس آخر تكون مهمته التأكد من نزول جميع الأطفال من الباص بدلاً من الاعتماد فقط على سائق قد يكون مكترثاً وقد لا يكون. وإن كان متعذراً ذلك، لِمَ لا يكلّف مشرف أو مشرفة من المدرسة نفسها بهذه المهمة بشكل يومي، وبتطبيق صارم لا يدع مجالاً للخطأ أو النسيان.
ثمة حلول أخرى – أثق في ذلك – يمكن أن تظهر للنور، فيما لو جرّبنا التفكير الجدّي في الموضوع، بمعزل عن – أو على الأقل جنبا إلى جنب مع – الغضب المشروع لإزهاق نفس بريئة كان يمكن أن تكون بيننا الآن، وإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك.
سليمان المعمري
تستحق قصة الطفل الذي قضى بسبب نسيانه في الباص اليوم كل الغضب الذي ثار، وكل الحبر الذي أسيل، ونسأل الله الصبر والسلوان لوالديه. غير أنه من المجدي أيضا النقاش الجدي لهذا الموضوع لضمان عدم تكرار هذه الحادثة مستقبلاً، والاعتراف بأنها تكررتْ بسبب اللامبالاة بضحايا سابقة، أو الاكتفاء بالتعبير عن الغضب من جهة كنوع من فش الخلق، والتبرير من الجهة الأخرى بغرض التنصل من مسؤولية جسيمة كهذه.
يعرف معظمنا أن نسبة غير قليلة من سائقي الباصات لدينا هم موظفون في الأصل وليسوا متفرّغين لهذه الوظيفة، ولعلهم يسابقون الزمن صباحا ليقذفوا بحمولتهم من الأطفال قبل أن يتوجهوا إلى وظيفتهم الأخرى. هذا ليس تبريرا لهم بقدر ما هي نقطة ينبغي وضعها في الحسبان ونحن نحلل الحكاية. ثمة من يوقع عقد حافلة من وزارة التربية، ثم يوكل سياقتها لشخص آخر، لأنه هو نفسه غير متفرغ. وهذا السائق الذي يعمل من الباطن لا أحد يمكن أن ينتبه له أو يحاسبه إلا ضميره. معظم الوفيات حدثت في مناوبة السائق الصباحية وليس في مناوبة العودة. ببساطة لأن الأم أو الأب يعرفان بالضبط موعد عودة الطفل أو الطفلة إلى البيت وبمجرد تأخره/ا ولو دقائق ستستيقظ قرون استشعارهما وتدفعهما دفعاً للبحث عن فلذة الكبد. لكن كلاً منهما – أي الأب والأم – يسترخي في الصباح اعتماداً على أن ابنهما يتلقى دروسه في الصف، ولا يدور في خلد أي منهما أنه قد يكون محبوساً في حافلة ينازع الموت بدون أن يشعر به أحد. ثمة سائقون آخرون قد يكونون متفرّغين لعملهم هذا ولكنهم يتعاملون معه على أنه وظيفة والسلام، وليس لديهم الوازع الأخلاقي الكافي الذي يجعلهم يستشعرون ضخامة مسؤولية أن تكون مسؤولا عن حيوات أطفال بريئة مؤكَدٌ أنك لن تتقصّد أن تؤذيها، ولكن إهمالك ومبالاتك سيكونان قاتلَيْن، شئتَ أم لم تشأ.
ما الحلّ إذن؟.
ثمة تجربة ناجحة لجامعة صحار يسردها لي صديقي متعب (وهو بالمناسبة سائق حافلة طلاب عتيد، ستعرف من حُرقته على ما حصل اليوم، أن أصابعك ليست واحدة، وثمة سُوّاق ضمائرهم لا تنام). فرضت هذه الجامعة (وإن كان لأسباب وسياقات مختلفة) حارس أمن على بوابتها مهمته الدخول في الباص بعد إفراغ حمولته في حرم الجامعة والتأكد من خلوّه من الطلبة قبل خروجه. "بذا حمت الجامعة نفسها وحمتْ السائق أيضا" يقول متعب الذي يؤكد أنه كان يحدث كثيرا لطلبة جامعة كبار أن ينسوا أنفسهم في الباص، فما بالك بطفل صغير لم يتعدّ ستّ سنوات. وإذا كان لدى كل مدرسة حارس يقف على بوابتها طوال اليوم، فلِمَ لا يكون لديها حارس آخر تكون مهمته التأكد من نزول جميع الأطفال من الباص بدلاً من الاعتماد فقط على سائق قد يكون مكترثاً وقد لا يكون. وإن كان متعذراً ذلك، لِمَ لا يكلّف مشرف أو مشرفة من المدرسة نفسها بهذه المهمة بشكل يومي، وبتطبيق صارم لا يدع مجالاً للخطأ أو النسيان.
ثمة حلول أخرى – أثق في ذلك – يمكن أن تظهر للنور، فيما لو جرّبنا التفكير الجدّي في الموضوع، بمعزل عن – أو على الأقل جنبا إلى جنب مع – الغضب المشروع لإزهاق نفس بريئة كان يمكن أن تكون بيننا الآن، وإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك.
سليمان المعمري