شموس الحق
04-03-2018, 12:47 PM
حينما قرأ بن سالمين كتاب الغزالي...
رحم الله بن سالمين ..لا تزال ذكراه معششة في مخيلتي.. ترك اسئلة خضعت لتأويلات وتفسيرات عامة الناس في القرية .. لم يكن مجرد رجل مسن .. يعيش بمفرده في منزل السعف .. بالقرب من مسجد صغير .. كان عالما زاهدا في الدين .. ينصت ويصغي كثيرا .. تعد دور العبادة من أولوياته .. وكذلك مجالس العلم .. لم يسلم من إتهامات أصحاب القلوب المريضة في القرية.. أسمع بعضها .. كإتهامه بانه ساحر .. رغم ما قيل عنه .. الا إني اجد نفسي معجبا ومتأملا في تلك الشخصية .. الاستثنائية .. كون بن سالمين يقرأ .. يكتب .. مرجعا في العلم والمعرفة .. ليس جاهلا كالبقية من هم في عمره .. تسبب زهده في تجاهل قدره .. عمق من هالة الغموض حوله .. انصت احيانا لسماع حديثه الجانبي المقتضب في مجلس الشايب عبدالله .. نلقيه غالبا بعد صلاة العشاء من كل ليلة مع ابناء الشايب عبدالله .. نتذاكر بعض الدروس وحل الواجبات المدرسية اليومية .. احيانا .. نشعر باهتمامه بحوارنا ومناقشاتنا .. في احدى المرات تدخل بشكل ملفت للانتباه .. حينما طرح علينا سؤالا ليختبر معرفتنا في النحو .. سأل بنبرة صوت بالكاد نسمعها .. بقوله : ( من يعرب لي قوله تعالى : خلق الانسان ضعيفا ) .. ادخل في نفوسنا ربكة .... كانت اجابتنا غير مقنعة .... اعقبها بابتسامة يعلوها شيء من السخرية ..ثم اردف قائلا : (خلق : فعل ماض مبنى على المجهول، الانسان : نائب فاعل مرفوع ، ضعيفا : صفة منصوبة ) ..كنت مذهولا من سماع تلك الاجابة ..ادركت حينها ان معرفته اكثر مما نتصور .. اعتلى شأن بن سالمين وقدره في نفسي ..مرت الايام .. لم يتحدث معنا مرة اخرى .. اكتفى بالحديث الجانبي مع قرينه الشايب عبدالله ..يتناولان تمرا (سح فرض) من صحن صغير امامهما ..وقهوة نشم رائحتها في الغالب .. مرة اخرى تدخل في مناقشتنا الجانبية حول كتاب (الغزالي ) الذي تدور حوله اساطير .. تحدث وكلنا آذان صاغية ..بانصات .. اوضح بقوله : ( ان كتاب الغزالي ليس بالكتاب العادي ..وعلى من يرغب بقراءته ان يحتاط كثيرا ) ..ثم استطرد بقوله :( انا قرات كتاب الغزالي آملا في امتلاك الجن- على حد قوله) ، صدمنا بمعرفة ذلك .. وتصريح بن سالمين بهذه الحقيقة .. احدنا ساله : كيف ؟ .. صمت بن سالمين .. يبدو انه كان يضمر شيء في نفسه .. لم يتردد حينما قرر اخبارنا بقصة قراءة الغزالي.. تمنيت ان يسرع في حديثه .. ذكر بن سالمين انه استعد لذلك الامر وتوجه الى منطقة نائية عن القرية .. تسمى الحويمي .. حيث اشجار الراك الكثيفة ..تعرف بانها مأوى للكلاب الضآلة لبعدها عن القرية ..كان الوقت ليلا .. وقام بتحويط نفسه بقراءة بعض الآيات القرآنية ..كما قام برسم دائرة جلس في وسطها .. بعدها بدأ بقراءة كتاب الغزالي .. دون ان يلتفت لاي ما يدور حوله خارج الدائرة .. لان الجن لم يدعوه في حاله .. اثناء القراءة كانت حيوانات متوحشة تهاجمه وتتوقف خارج الدائرة ..واشياء اخرى مخيفة .. الا ان بن سالمين كان محافظا على رباطة جأشة . .حتى قبيل الفجر ..تفاجأ بأمراءة عجوز .. تقول له : ( كفاية قراية (أي قراءة) .. بس عاد الشمس طلعت ..شوفها) ..حينها رفع ابن سالمين راسه للاعلى لرؤية الشمس .. فبطل عمل قراءة كتاب الغزالي-على حد وصفه ..وتبدد حلم ابن سالمين في تملك الجن .. وقفل راجعا الى منزله ..يجر خلفه ذيول الندم والاستعجال ...
بقلمي / ناصر الضامري
رحم الله بن سالمين ..لا تزال ذكراه معششة في مخيلتي.. ترك اسئلة خضعت لتأويلات وتفسيرات عامة الناس في القرية .. لم يكن مجرد رجل مسن .. يعيش بمفرده في منزل السعف .. بالقرب من مسجد صغير .. كان عالما زاهدا في الدين .. ينصت ويصغي كثيرا .. تعد دور العبادة من أولوياته .. وكذلك مجالس العلم .. لم يسلم من إتهامات أصحاب القلوب المريضة في القرية.. أسمع بعضها .. كإتهامه بانه ساحر .. رغم ما قيل عنه .. الا إني اجد نفسي معجبا ومتأملا في تلك الشخصية .. الاستثنائية .. كون بن سالمين يقرأ .. يكتب .. مرجعا في العلم والمعرفة .. ليس جاهلا كالبقية من هم في عمره .. تسبب زهده في تجاهل قدره .. عمق من هالة الغموض حوله .. انصت احيانا لسماع حديثه الجانبي المقتضب في مجلس الشايب عبدالله .. نلقيه غالبا بعد صلاة العشاء من كل ليلة مع ابناء الشايب عبدالله .. نتذاكر بعض الدروس وحل الواجبات المدرسية اليومية .. احيانا .. نشعر باهتمامه بحوارنا ومناقشاتنا .. في احدى المرات تدخل بشكل ملفت للانتباه .. حينما طرح علينا سؤالا ليختبر معرفتنا في النحو .. سأل بنبرة صوت بالكاد نسمعها .. بقوله : ( من يعرب لي قوله تعالى : خلق الانسان ضعيفا ) .. ادخل في نفوسنا ربكة .... كانت اجابتنا غير مقنعة .... اعقبها بابتسامة يعلوها شيء من السخرية ..ثم اردف قائلا : (خلق : فعل ماض مبنى على المجهول، الانسان : نائب فاعل مرفوع ، ضعيفا : صفة منصوبة ) ..كنت مذهولا من سماع تلك الاجابة ..ادركت حينها ان معرفته اكثر مما نتصور .. اعتلى شأن بن سالمين وقدره في نفسي ..مرت الايام .. لم يتحدث معنا مرة اخرى .. اكتفى بالحديث الجانبي مع قرينه الشايب عبدالله ..يتناولان تمرا (سح فرض) من صحن صغير امامهما ..وقهوة نشم رائحتها في الغالب .. مرة اخرى تدخل في مناقشتنا الجانبية حول كتاب (الغزالي ) الذي تدور حوله اساطير .. تحدث وكلنا آذان صاغية ..بانصات .. اوضح بقوله : ( ان كتاب الغزالي ليس بالكتاب العادي ..وعلى من يرغب بقراءته ان يحتاط كثيرا ) ..ثم استطرد بقوله :( انا قرات كتاب الغزالي آملا في امتلاك الجن- على حد قوله) ، صدمنا بمعرفة ذلك .. وتصريح بن سالمين بهذه الحقيقة .. احدنا ساله : كيف ؟ .. صمت بن سالمين .. يبدو انه كان يضمر شيء في نفسه .. لم يتردد حينما قرر اخبارنا بقصة قراءة الغزالي.. تمنيت ان يسرع في حديثه .. ذكر بن سالمين انه استعد لذلك الامر وتوجه الى منطقة نائية عن القرية .. تسمى الحويمي .. حيث اشجار الراك الكثيفة ..تعرف بانها مأوى للكلاب الضآلة لبعدها عن القرية ..كان الوقت ليلا .. وقام بتحويط نفسه بقراءة بعض الآيات القرآنية ..كما قام برسم دائرة جلس في وسطها .. بعدها بدأ بقراءة كتاب الغزالي .. دون ان يلتفت لاي ما يدور حوله خارج الدائرة .. لان الجن لم يدعوه في حاله .. اثناء القراءة كانت حيوانات متوحشة تهاجمه وتتوقف خارج الدائرة ..واشياء اخرى مخيفة .. الا ان بن سالمين كان محافظا على رباطة جأشة . .حتى قبيل الفجر ..تفاجأ بأمراءة عجوز .. تقول له : ( كفاية قراية (أي قراءة) .. بس عاد الشمس طلعت ..شوفها) ..حينها رفع ابن سالمين راسه للاعلى لرؤية الشمس .. فبطل عمل قراءة كتاب الغزالي-على حد وصفه ..وتبدد حلم ابن سالمين في تملك الجن .. وقفل راجعا الى منزله ..يجر خلفه ذيول الندم والاستعجال ...
بقلمي / ناصر الضامري