صـــــالــــح عـــليه الـــسـلام
بـــــداية ,,,
جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، و قوم ثمود هم عرب سكنوا في منطقة الحجر، وهي شمال غرب المدينة،
وتسمى اليوم مدائن صالح، وتعود أصول هؤلاء القوم إلى نفس اصول قبيلة عاد، ولكنهم سكنوا منطقة مختلفة،
كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى،وقد كانوا ذوي قدرة جسمانية هائلة
فحفروا البيوت في الجبال وبنوا القصور فيها،
فلك أخي القارئ أن تتخيل هذه الحضارة في قوم ثمود، فكانت أراضيهم تمتلئ بالعيون والأنهار والمزارع الخضراء.
كما ذكرنا أن قوم ثمود جاء بعد قوم نوح وعاد أصحاب العذاب السابقيين ، لكنّهم لم يعتبروا من قصصهم
بل عادو للكفر والعصيان .
فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم..
وهو صالح بن عبيد بن هشام ينتسب الى ثمود بن عاد بن آرم بن سام،
فقد كان نبينا صالح قبل أن يبعث للرسالة من أشراف قوم ثمود إنساناً طيّباً وحكيماً
فقد كان يتصف بالعقل والحكمة،
وكانوا يرجعون اليه في خصوماتهم، ويسترشدون برأيه في مشاكلهم،
وفي تلك الفترة التي عاشَ سيّدنا صالح عليه السّلام بين أناسُ يُحبّونه كثيراً
لِما عُرِف عنه من الخِصال الحَميدة والصفات الحَسَنة...
وكانَ بعضُ أفرادِ القبيلة يفكّرونَ بأنّ صالحاً سيكون له شأنٌ ومنزلة،
وربّما سَيَرأس قبيلةَ ثَمود القويّة.
اللهُ سبحانه اختارَ سيّدَنا صالح ليكونَ رسولاً إلى قبيلتِه ثمود، لينهى الناسَ عن عبادةِ الأوثان ويعبدوا الله وحدَه.
سيّدنا صالح كان يَعرِفُ أنّ عبادةَ الأوثان مُتأصِّلة في قلوبهم؛ لأنها عبادةُ الآباءِ والأجداد..
وكان يَعرِفُ أنّ زُعَماءَ القبيلةِ أُناسٌ مُفسِدون لا يُحبّون الخير...
وهم يَبطِشون بكلِّ مَن يدعو الناسَ إلى الانصرافِ عن عبادةِ الأصنام.
ولكن سيّدنا صالح عليه السّلام هو نبيُّ الله ورسولُه وهو لا يخاف أحداً غير الله عزّوجلّ.
لهذا أعلَنَ سيّدُنا صالح دعوتَهُ وبَشّر برسالته، ومِن هُنا بدأ الصراع.
وعندما أعطي الرسالة النبي صالح عليه السلام إلى توحيد الله والايمان به، وترك الأصنام وعبادتها،
دعاهم وذكرهم بأنعم الله عليهم وأن الله حكمهم في الأرض، وأسبغ عليهم برحمته الواسعة،
وحذرهم من خسران تلك النعم كما حدث لقوم عاد.
وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير،
كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.
فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. فقد كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم..
وكان له مكانة مرموقة بين أقرانه، وكان يحظى باحترام الكبير والصغير
وقال قوم صالح له:
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)
هذا ردهم على دعوة نبيهم الذي أرد لهم الخير فهم كانوا جاحدين كما عرف عنهم؛
فلم يصغوا لدعوة نبيهم صالح -عليه السلام-، وأخذوا يتهمونه بالكذب وأنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة،
وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده،
فكانت لدعوته صدى كبير وهزت كبيرهم وصغيرهم،
تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك.
كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك..
أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها..
وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويندهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده.
وطالبوه بمعجزة تثبت أنه نبي من عند الله، فاستجاب الله لرغبتهم،
وأرسل إليهم معجزة خرجت من الصخر، الذي كانوا يصنعون بيوتهم منه.
النـــاقة معــجــرة صالح عليه السلام
(26)إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ
(27)وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ
(28)
المعجزة التي أرسلها الله لهم ناقة خرجت من صخرة من جبل بعد أن انشقت، لتكون معجزة قوية يصدقونها،
هذه الناقة التي ولدت بغير الطريقة المعروفة، مما جعلهم يندهشون من ذلك،
الذي زاد دهشتهم أن حليبها كان يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال.
قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:
وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) (هود)
والآية تدل ان الناقة كانت هي المعجزة فقد طلب منهم نبي الله صالح أن يتركوها تأكل من الأرض،
وأن لا يمسها أحد بسوء، ومن يفعل ذلك سوف يلاقي عذاباً أليماً، هذا ما كان واضحاً في الآية الكريمة.
ولأن الناقة ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة
ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه
وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس.
كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله.
وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها،
أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء،
وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة.
كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله.
وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر.
وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به،
وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.
كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده،
ويخبرهم أن الله قد أخرج لهم معجزة هذه الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته.
وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة بسلام تأكل في أرض الله، وكل الأرض لله.
وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم.
155)وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(156
وذكرهم بنعم الله عليهم وأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد..
وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة.
لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.
يسألونهم سؤال استخفاف وزراية:
أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح:
إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
فقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ :
إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ .
هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.
قال تعالى:
"وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ
(61)قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ
(62)قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
(63)وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ
(64)فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
(65)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ
(66)وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
(67)كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ
(68)
صدق الله العظيم
تآمر الملأ على الناقة:
وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية على ناقة الله،
وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.
وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم،
وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته
تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس
للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده.
أخذ رؤساء
القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح.
فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة
ومن ثم قتل صالح
لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة،
وهددنا بالعذاب القريب.
فقال أحدهم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة.
ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم.
وهم المذكورون في قوله تعالى :
(47)وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
(48)
وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض،و الويل لمن يعترضهم.
اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة.
وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام.
انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم،
فهجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة.
امتدت الأيدي الآثمة بقتلها (28)فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ
(29)
وعقروها وسالت دمائها.
قال الله تعالى
(76)فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(77
علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه
قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله..
ألم تقل أنك من المرسلين؟
(64)فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
(65)
قال صالح لقومه:
تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
بعدها غادر صالح قومه تركهم ومضى.
انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.
ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون،
اليوم الموعود بهلاك ثمود
و من رحمة الله تعالى أمهلهم ثلاثة أيام ليتوبوا قبل أن يحل عذابه ،و لكن من دون فائدة
وبعد ثلاثة أيام في فجر اليوم الرابع
انشقت السماء
وأرسل الله تعالى جبريل عليه السّلام و صاح صيحةً واحدة ,
صيحة جبارة واحدة ، أهلكت قوم ثمود بأكملها
نعم هي صرخة واحدة كالصاعقة ،
قطعت أوتار قلوبهم
و توقفت قلوبهم عن الحياة
و هم في بيوتهم جاثمين ,
صيحة جبارة واحدة انقضت على الجبال فهلك فيها كل شيء حي.
هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء
حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.
فسبحان الله عما كانو يشركون
هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث.
أما صالح والجماعة الذين اتبعوه فقد فانجاهم الله جميعاً من الصيحة التي قضت على المستكبرين الكافرين من ثمود،
وماكان من نبي الله صالح(ع) إلاّ أن رحل من الأرض التي حلَّ عليها غضب الله
مصطحباً معه جماعته، وتوجهوا شمالاً باتجاه فلسطين، وحطوا رحالهم في مدينة الرملة...
ويذكر أن نبي الله صالحاً(ع) ذهب وحجَّ بيت الله ملبيّاً وقد مرَّ بوادي عسفان، الذي مرَّ فيه قبله النبي هود(ع).
ويروى أنه (ع) ترك بلاد فلسطين ماراً بأرض الشام قاصداً إلى مكة المكرمة، فوصلها،
وظلَّ فيها يعبد الله حتى وافاه الأجل.
ويقال: إنه ذهب إلى حضرموت من أرض اليمن إذ إنَّ أصله من هناك، وتوفي فيها وفيها دفن.
فسلام الله على صالح إنه كان من المرسلين.