الأمم لا ترقى ولا تتطور إلا بهمة وعزيمة أبنائها الأوفياء وها هي عمان تجني ثمار 44 سنة من الجهد والعمل الدؤوب واستطاعت أن تعيد أمجادها التليدة التي سطرت بأحرف من نور ولم يتأتَ كل هذا من فراغ وانما جاء بعد كدٍ وكفاح وعزيمة وإصرار فمنذ فجر النهضة العمانية المباركة والتي فجر طاقتها الأب الملهم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاة- والسلطنة تخطو خطوات متزنة وثابتة نحو العلى والتقدم والنماء ويشهد على ذلك القاصي والداني.
الجميع يتذكر النطق السامي لجلالة السلطان المعظم عندما تولى مقاليد الحكم في 23 يوليو من عام 1970 والذي كان إشارة الانطلاقة الحقيقية لنهضة شاملة عمادها الهمة والعزيمة حيث قال جلالته في أول خطاب له:
(أيها المواطنون…… سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب كان وطننا ذو شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي، كانت عمان بالأمس في ظلام ولكن بعون الله غدا سيشرق فجر جديد على عمان وعلى أهلها حفظنا الله وكلل مسعانا بالنجاح والتوفيق) إنها كلمات معبرة نابعة من القلب تحمل في طياتها العديد من المعاني والآمال فيها الحث على التعاون والاتحاد بين أفراد المجتمع لتحقيق هدف واحد وهو بناء عمان الغد والمستقبل ومستندة على ماضٍ عريق وأرضية صلبة هذه الكلمات المعبرة تعتبر المرشد والدليل نحو هدف وغاية ورغم التحديات الكبيرة التي كانت تواجه الدولة الوليدة في ذلك الوقت إلا أنها استطاعت بعون من الله وبحكمة وهمة قائد نذر نفسه أن يجعل أبناء شعبه يعيشون سعداء ولمستقبل أفضل وبمساعدة أبناء الوطن الأوفياء الذين هبوا من كل حدب وصوب لنداء القائد وربما من أبرز التحديات كانت هي ندرة الموارد الاقتصادية وعدم وجود بنى أساسية ووعورة وتباين تضاريس السلطنة وامتداد أراضيها إضافة إلى عدم وجود استقرار سياسي ولا اجتماعي إلا أن الجميع قبل التحدي وعمل ليل نهار من أجل الفجر الجديد الذي شع نوره بعد زمن قصير.
كانت من أهم أولويات جلالة السلطان في بداية عصر النهضة بناء قواعد الدولة الحديثة وإنشاء المؤسسات الهامة لذا كانت الخمس السنوات الأولى بمثابة الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ووضع الأسس لأركان الدولة العصرية حيث تم إنشاء عدد من المؤسسات وشق بعض الطرق وإنشاء المدارس والمستشفيات في المدن الرئيسية ومع بداية عام 1975 بدأت الانطلاقة الحقيقية للتنمية التي تعتمد على الخطط المحددة بالأهداف والاستراتيجيات حيث تم وضع أول خطة خمسية تنموية للسلطنة وكانت من أهم أهدافها بناء الإنسان العماني ووضع البنى الأساسية والمتمثلة في إنشاء المدارس والمستشفيات وشق الطرق وتحولت السلطنة إلى خلية نحل الكل يعمل بجد واجتهاد فتعاقبت الخطط الخمسية واستمرت عجلة التنمية تدور وفي عام 1995 أقرت السلطنة رؤيتها المستقبلية حتى عام 2020 والتي كانت رؤية طموحة للغاية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والاهتمام بتنمية الإنسان العماني وإن كانت تلك الرؤية لم تحقق الطموح المنشود إلا أنها وضعت السلطنة على الطريق الصحيح.
نستطيع القول أن أغلب البنى الأساسية من طرق وخدمات كالكهرباء والاتصالات والصحة والتعليم قد اكتملت حيث غطت تلك الخدمات معظم أنحاء السلطنة ولا زالت مسيرة التنمية ماضية في طريقها ولن تتوقف حتى في أحلك الظروف الاقتصادية والشواهد التي نراها ماثلة أمامنا الآن حول الوضع العام في السلطنة مقارنة بما هو عليه قبل 44 سنة يدعونا إلى استنتاج واستخلاص بعض العبر والدروس والتي ينبغي أن يستفيد منها الجيل الحالي وجيل المستقبل لتكون حافزا لهم على المزيد من العطاء فالعديد من جيل النهضة أبصر النور ووجد كل شيء جاهز ومرتب أبرز تلك الدروس هي:
أولا: الثقة بالله قبل كل شيء ومن ثم بالقائد الملهم الذي استجاب له الشعب مباشرة دون تردد ولا توانٍ فبمجرد ما أعلن جلالته عن توليه مقاليد الحكم في 23 يوليو من عام 1970 التف الجميع حوله وأبدوا استعدادهم للمساهمة في البناء والتشييد حتى من كانت الظروف الاقتصادية آنذاك أجبرته على الخروج من السلطنة للعمل وطلب لقمة العيش عاد لتلبية نداء الوطن وهنا تتجلى الوطنية في أجمل صورها.
ثانيا: كانت هناك إرادة وعزيمة وإصرار من قبل القائد والشعب وبالتالي تحقق الحلم وأصبح حقيقة ماثلة أمام الجميع ولله الحمد.
ثالثا: استطاعت السلطنة أن تخرج من عزلتها وأن تبني دولة المؤسسات والقانون وتضع لنفسها خارطة طريق وسياسة ثابتة وواضحة في الداخل والخارج ربما لم يعرف مغزاها الكثيرون الا مؤخرا عندما تأزمت الأمور في العديد من دول العالم.
رابعا: أثبتت الأيام أن شعب عمان عبارة عن نسيج اجتماعي واحد وهذا أيضا لم يأتِ لولا التوفيق من الله وحكمة قائد وهب حياته من اجل عمان فأحبهم وأحبوه واستطاع هذا الشهم المخلص بحكمته وبعد نظره أن يذيب كل الخلافات ويصنع مجتمعا متماسكا ومتجانسا ليس هدفه الا مصلحة عمان أولا وأخيرا.
كل هذه الحقائق تحتم على جيل اليوم أن يكون يقظا وأن لا يركن الى الدعة والراحة بل عليه ان يواصل المسير فمثلما عبروا عن حبهم لعمان والقائد بمشاعرهم من خلال المسيرات ورفع الأعلام وتزيين السيارات فعليهم ان يثبتوا للوطن وللقائد بالقول والعمل أنهم سيحافظون على مكتسبات هذا الوطن الغالي وعلى نسيجه الاجتماعي المتماسك وعدم الانجراف نحو التيارات المعاكسة خاصة ونحن نعيش في بقعة من العالم تتلاطمها الأمواج من كل اتجاه فلابد أن ننتبه جيدا فالمرحلة القادمة تتطلب منا جميعا بذل جهد أكبر هذا من ناحية اما من ناحية أخرى فإن المرحلة القادمة ستشهد تحديات تنموية كبيرة بسبب تذبذب أسعار النفط والذي لازال يشكل المورد الرئيس للدخل فلابد أن نستعد لهذه المرحلة من خلال التنويع الاقتصادي والاهتمام بالقطاعات الأخرى الواعدة لرفع مساهمتها في الناتج المحلي.

سالم بن سيف العبدلي/ كاتب ومحلل اقتصادي –samadshaan@yahoo.com –
http://main.omandaily.om/?p=174676