الإثارة لا تنتهي هنا؛ نحن حتى الآن لا نعرف حدود الكون الحقيقية وكم عدد هذه العناقيد. ربما أفضل تشبيه للاكتشاف الأخير هو أن الكون هو عبارة عن دماغ يحتوي على عدد هائل من الخلايا العصبية (أو العناقيد المجرية العملاقة) ونحن الآن استطعنا التعرف على الخلية العصبية التي نقع فيها!
لا يزال الكون لغزاً غامضاً حتى اليوم، وإن كنا نملك ترسانة هائلة من التقنيات وأدوات البحث والاستكشاف المتقدمة التي تتضمن المراصد الأرضية والفضائية وعشرات المسبارات التي تجوب الفضاء والمركبات التي تسير على الكواكب والأجرام.في الحقيقة الكون لم يزل منذ فجر التاريخ اللغز الأكبر لكل عالم في كل فن، فقبل قرون عديدة كانت معرفتنا محدودة بحدود كوكبنا الأزرق، وكنا نعتقد أننا نحن الكون كله، وأن ما نراه من النجوم في السماء كل ليلة ما هو إلا أجسام وأضواء هامشية ليست بـ"ضخامة" وأهمية أرضنا.كنا نحن والشمس والقمر فقط نمثل الكون بأكمله، لكن مع تفجر المعارف والتقدم المدهش في الأبحاث والتقنية تكشفت لنا الحقيقة المدهشة: كوكبنا هو واحد من بين ثمانية كواكب -بعد أن تم تنقيص درجة بلوتو إلى كوكب قزم- تدور حول نجم ضخم مكونين ما يسمى بمجموعة شمسية، وهذه المجموعة الشمسية ما هي إلا واحدة من 100 مليار مجموعة شمسية أخرى في مجرتنا الشاسعة: درب التبانة، وهذه المجرة بدورها هي جزء بسيط ضمن عنقود مجري يسمى بعنقود العذراء (Virgo Supercluster) الذي يحتوي على مئات المجرات. هذا التسلسل لم ينتهِ بعد، فلا زالت الأبحاث تأتينا بالجديد.قبل أيام استطاع علماء من جامعة هاواي الأمريكية التوصل إلى اكتشاف تاريخي ضج به المجتمع العلمي، وتم اختياره كصورة الغلاف لآخر أعداد مجلة نيتشر المرموقة وكتبنا عنه أيضاً في موقعنا: السعودي العلمي.تمكن هؤلاء العلماء من رسم خريطة بالغة الدقة وغير مسبوقة لـ"كوننا المحلي" كاشفين بذلك عن عنقود مجري عملاق أو Supercluster مترامي الأطراف تنتمي له مجرتنا الأم وعنقودها الأصغر العذراء وسمي بـ"لايناكيا" أو السماء التي لا حد لها بلغة سكان جزر هاواي المحلية -حيث تم الاكتشاف-، عرض هذا العنقود يصل إلى 520 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 5 مليار ترليون كيلومتر (أو 5 مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون كم) ويحتوي على أكثر من 100 ألف مجرة أخرى بها ما يعادل كتلة شمسنا مائة مليون مليار مرة !! (الأرقام صحيحة).قد تعتقد للوهلة الأولى أن هذا هو الكون كله خاصة وأن أعداد المجرات والأجرام السماوية فيه لا يمكن تصورها بعقولنا، لكن في الحقيقة هذه العنقود المجري العملاق ما هو إلا جزء واحد متصل بعناقيد عملاقة أخرى من كل اتجاه تشكل الكون بأكمله، وكل واحد من هذه العناقيد يحوي مئات آلاف وربما ملايين المجرات التي تحوي بدورها مئات المليارات من المجموعات الشمسية!
رد مع اقتباس
