إدارة ترامب تَستَعِد لإعلانِ تفاصيل “صفقة القرن” وتَعرِض على الرئيس عبّاس “رَشوَةً” بخَمسَة مِليار دولار.. لماذا تُوقِف واشنطن مُساعَداتِها الماليّة للسُّلطة و”الأونروا” وتُبقِيها لقُوّات الأمن فقط؟ وهل باتَت هَذهِ القُوّات “مُستَقِلَّةً” عَن السُّلطة؟
September 16, 2018

يَسود الكَثير مِن اللَّغطِ هَذهِ الأيّام حول ما يُسَمَّى بصَفقَة القرن التي تُحاوِل الإدارة الأمريكيّة الحاليّة فَرضَها على الشَّعبِ الفِلسطينيّ وقِيادَة السُّلطة في رام الله بِطُرقٍ ابتزازيّةٍ، أبرزها وَقف المُساعدات الماليّة، وإغلاق السِّفارة الفِلسطينيّة في واشنطن.
صُحف إسرائيليّة تَحدَّثت اليوم بأنّ الرئيس ترامب، ومِن خِلال صِهره جاريد كوشنر يَعتَزِم إعلان تفاصيل هَذهِ الصَّفَقة سواء وافَق عليها الفِلسطينيّون أو رَفَضوها، وقال هذا الصِّهر إنّ هؤلاء، أي الفِلسطينيين، يستَحِقُّون خَسارَة المُساعدات الأمريكيّة لأنّهم شوَّهوا الإدارة الأمريكيّة.
لا يحتاج الرئيس ترامب لإعلان تَفاصيل هَذهِ الصَّفَقَة التي بَدأ تطبيقها عَمليًّا بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصِمَةً لإسرائيل، وتوقيف كُل المُساعدات الماليّة لوكالة “الأونروا” التي تُجَسِّد حَق العَودة للاجئين، كذلك المُستشفيات المَدينة المُقدَّسة (25 مِليون دولار) في تَضييقٍ على الوُجودِ العَربيّ فيها.
الشَّعبُ الفِلسطينيّ لم يَرضَخ لهَذهِ الضُّغوط الأمريكيّة، مِثلَما لن تُغريه “الجَزَرة” المُتَّصِلةِ بها، أي حُصولِه على 5 مِليار دولار مُقابِل عَودَة قِيادة السُّلطة في رام الله إلى مائِدة المُفاوضات، ولكن بُدون القُدس وعَودَة اللاجئين، ومَتى؟ في الذِّكرى 25 لتَوقيع اتِّفاقات أوسلو التي تُجَسِّد أكبَر خدعة في التَّاريخِ العربيّ.
ترامب وصِهره بحُكم خَلفيتهما الاقتصاديّة كسماسِرة عقار، لا يَفهَمون إلا بالعُمولات والصَّفَقات التجاريّة، ويَتعاطون مع القضيّة الفلسطينيّة على هَذا الأساس، الأمر الذي يُؤكِّد مُجدَّدًا أنّهم لا يَفهَمون هذا الشَّعب ومَعدنِه المُقاوِم، والرَّصيد الهائِل مِن الكرامةِ الوطنيّة الذي يَحمِله في جيناته، ولن يَتنازَل عَن أرضِه وحَقِّه لو عَرضوا عليه كُل تِريليونات العالم.
فليُوقِف ترامب المُساعَدات، وليُغلِق مقر بِعثَة فِلسطين في واشنطن، وليُبعِد السفير (حسام زملط) وأُسرَتِه، وليَقطَع المُساعدات عن مُستشفيات القدس المحتلة ووكالة غَوث اللاجئين الفِلسطينيين، وليتأكَّد هو وصِهره وتابِعه جيسون غرينبلات أنّه لن يَجِد فِلسطينيًّا واحِدًا يُوَقِّع على هَذهِ الصَّفَقة، أو يتفاوَض على بُنودِها، وحتّى لو وَجَد، هذا الشَّخص فإنّه لن يُمَثِّل غير نفسه، والإسرائيليين والأمريكيين الذين يتعامَل معهم.

الرئيس ترامب يُريد “عُملاء” يَرضَخون لإملاءاتِه، ويتحوَّلون إلى أدواتٍ في خِدمَة الاحتلال ومُستَوطِنيه مِثلَما تفعل قُوّات الأمن المَحسوبة على الشَّعب الفِلسطينيّ زُورًا وبُهتانًا، وما يُؤكِّد هَذهِ الحقيقة أنّ ترامب قَطَع المُساعدات الماليّة عَن كُل المُؤسَّسات والمُستشفيات الفِلسطينيّة باستثناءِ الأموال المُخَصَّصةِ لهَذهِ القُوّات.

مَهمَا اتَّخَذ الرئيس محمود عبّاس من خَطواتٍ ردًّا على هذا الابتزاز الأمريكيّ، ومِن بَينِها مُقاطَعة المَسؤولين في إدارة ترامب، فإنّ استمرار التَّنسيقِ الأمنيّ، وقُبولِ المُساعدات الأمريكيّة لتَغطِيَةِ مِيزانيّة قُوّات الأمن، يَنسِف كُل شَيء، ويُشَكِّل عارًا على الشَّعبِ الفِلسطينيّ الذي يَقول أنّه يُمَثِّلُه.
“رأي اليوم”