يقول المثل : من حكم في ماله ما ظلم،، ولكن هناك قصة أظن أنها تستحق النقاش بحرارة .. في الحقيقة أشعر بالقهر حين أزور منطقة من المناطق في ولاية من الولايات وأجد أن أصحاب المزارع قاموا بتطويق المساحات الزراعية الخضراء التي يمتلكونها بجدران شاهقة من الطين والأسمنت .. أتذكر أنني في صغري كنت أزور باستمرار مع عائلتي قرية جميلة وادعة باتت اليوم مهجورة تماماً لأنها لم تعد تصلح لسكنى البشر بشكل مفجع.. فالمنطقة قد سورت مزارعها الكثيرة بمثل تلك الجدران، ونكاية بالمجهول قام بعض مُلاك تلك المزارع بزرع الزجاج المتكسر ولصقه بنهايات تلك الجدران خوفاً من تسلق ونط الناس على مزارعهم، على الرغم من أن الارتفاع الكبير لتلك الجدران لن يجعل أحد يفكر مجرد تفكير في تسلقها، علاوة على أن لم يعد هناك إنسان تلجأه الحاجة أو الجوع ليفكر بأخذ ثمرة صغيرة من مزرعة أي أحد -لله الحمد- الواقع أن تلك البلدة الجميلة أصبحت كئيبة للغاية فتخيل أنك تدخل لحارة كل ما فيها أسوار عالية شديدة الصلابة تحجب عنك كل الجمال الذي تتذكره في طفولتك حين كان مبسوطاً أمام ناظريك فتكتحل العينين ويسر الفؤاد على عكس الحاصل منذ سنوات طويلة،، فالموضوع ليس وليد الأمس بل أن هذه الجدران قد بنيت من سنين طوال، وللأسف فإن البلديات التي تتبع لها هذه المناطق لا تكترث ولا تهتم بإيجاد حلول تحمي أصحابا لمزارع من التعدي ولا تحرم الزائر العادي في نفس الوقت من متعة المشاهدة فالعين تجوع وشبعها بالنظر إلى البساط الأخضر،، نحن اليوم بلد يتمنى أن يحظى بفرصة حقيقية ليكون بلد سياحي حقيقي، ولكن أكثر الولايات ما تزال بعيدة عن خارطة السياحة ولا يفكر المعنيين بها على استصلاح مساحاتها الشاسعة لتكون مستحقة للزيارة في أعين حتى السائح المحلي، فلا دورات مياه عامة ولا عناية وأجتهاد حقيقي طموحه رفع اسم الولايات غير البارزة لتكون ضمن خارطة السياحة، فلا يوجد طموح من أبناء الولايات ليلجأهم للعمل الجاد والمتفاني لأبراز ولاياتهم كمزار سياحي برغم كل الجمال الذي تتمتع به تلك الولايات.. رحم الله زمناً كانت بلديات الولايات فيه تتسابق لتفوز بكأس صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم على اعتبار أن البلدية الفائزة بالكأس هي البلدية التي عملت بلا كلل لجعل الولاية المنوطة بها أنظف وأجمل ولاية وأكثرها اهتماماً من قبل سكانها بالتشجير والعناية والرعاية وتوفير المرافق العامة المهمة.. شيء آخر لفت انتباهي وجعلني أقارن بين مربع الطفولة وذلك المكان إذ أتيحت لي فرصة زيارة ولاية صور العفية وكان ذلك منذ سنوات .. فقارنتها بتلك الولايات القاسية التي تكثر فيها الجدران مخبأة خلفها جنان رائعة الجمال كانت تستحق أن تكون متعة لكل زائر وناظر.. ففي ولاية صور قام ملاك الأراضي وفق ما أذكر في زيارتي الأخيرة بعمل أسيجة شفافة تحمي مزارعهم لكنها في نفس الوقت لا تحجب الرؤية عن الناس الغادي منهم والآتي،، فإلى متى نتجاهل ولاياتنا الحبيبة ولا نسعى كأبناء برره لإزالة كل ما يحجب رونقها وجمالها .. أعزائي،، هل يحق لأصحاب الأراضي -وأكثرهم من علية القوم في ولاياتهم- أن يشيدو الجدران الحاجبة للمنظر الأخضر عن الناس؟ لماذا لا يعد هذا الصنيع مخالفة تستوجب التوقف عندها ومحاسبة مرتكبها ؟ ولماذا لا أحد يتحرك ليقول كلمه لتوعية الناس أن الناس باتو في غنى عن خيرات وفيوض مزارعهم ؟
للأسف إن المنطقة رائعة الجمال التي ما أزال أذكر تفاصيلها في طفولتي أصبحت مهجورة إلا من فقير ظل يسكنها حتى الآن مع من زوجته وهما موغلان في العمر،، أما من بقي من السكان فقد نجحوا ووفقوا في الهروب من هذه الآجواء الخانقة وهذا السجن الكبير وأصبحت المنطقة سكناً حقيقياً لذلك الرجل الطاعن في العمر والأشباح معه.. ما رأيكم أيها الأصدقاء؟