أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

تشكّل الحياة الخاصة للأفراد والعائلة حرمةً وضع القانون لها حماية من العبث والاعتداء دون وجه حق. وفي زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع عبر “أثير” سنتطرق لظاهرة تفتيش الهاتف الشخصي من قبل الآخرين، وسنعرج إلى الرأي القانوني لهذا الفعل خصوصًا بين الزوجين، ونجيب عن بعض التساؤلات حوله.

ما هي الحياة الخاصة؟
الحياة الخاصة للفرد هي حرية الإنسان في اختيار أسلوب حياته الشخصية بعيدًا عن تدخل الآخرين، ودون أن يكون في استطاعتهم الاطلاع على أسرارها أو نشرها بدون رضاه، ونطاق ذلك يمتد إلى كل ما يتعلق بحياة الشخص العائلية والمهنية والصحية والغرامية ومعتقداته الدينية والفكرية والسياسية ومراسلاته ومحادثاته وجميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد.

ماذا يقول القانون؟

في ظل التطور التقني الحديث وتغير مفاهيم الحياة الخاصة وتطورات العصر، جاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (12/2011) ليقرر حمايةً لسلامة البيانات والمعلومات الإلكترونية والنظم المعلوماتية وسريتها؛ فجرم كل من يقوم بالاعتداء على الهواتف والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وذلك بتفتيشها أو تغييرها أو إتلافها أو تشويهها، أو تدمير البيانات والمعلومات الشخصية الموجودة فيها.

ما هي العقوبات؟

كل من اقترف ذلك يستوجب العقاب طبقًا لنص المادة (3) من ذات القانون، التي نصت على أنه: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على خمسمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من دخل عمدا ودون وجه حق موقعا إلكترونيًا أو نظاما معلوماتيا أو وسائل تقنية المعلومات أو جزءا منها أو تجاوز الدخول المصرح به إليها أو استمر فيها بعد علمه بذلك”.
فإذا ترتب على ما ذكر في الفقرة الأولى إلغاء أو تغيير أو تعديل أو تشويه أو إتلاف أو نسخ أو تدمير أو نشر أو إعادة نشر بيانات أو معلومات إلكترونية مخزنة في النظام المعلوماتي أو وسائل تقنية المعلومات أو تدمير ذلك النظام أو وسائل تقنية المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو إلحاق ضرر بالمستخدمين أو المستفيدين، تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن خمسمائة ريال عماني ولا تزيد على ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين.



فإذا كانت البيانات أو المعلومات النصوص عليها في الفقرة الثانية شخصية تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

ونجد هنا المشرع قد تدرج في العقوبة فإذا الجاني دخل عمدًا و بدون وجه حق موقعًا إلكترونيًا أو نظامًا معلوماتيًا أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات دون أن يحدث أي ضرر فإن عقوبته السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على خمسمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكذلك الحال إذا كان الجاني مصرحا له بدخول الموقع الإلكتروني أو وسيلة تقنية المعلومات لكن التصريح الممنوح له حد معين فإذا تجاوز حدود التصريح فإنه يعد مرتكبا لهذا الجرم، وأما إذا دخل أو تجاوز خطأ دون أن يقصد الاعتداء ولم يبادر حال علمه بالخروج أو التراجع عن فعله بل واستمر على التدخل على الرغم من علمه لتجاوز الصلاحيات الممنوحة له فإن ذلك يشكل جريمة.

أما إذا ترتب على دخول الجاني للموقع المستهدف إلغاء أو تغيير أو تعديل أو تشويه أو إتلاف أو نسخ أو تدمير أو إعادة نشر البيانات مسببا وملحقا ضررا على المستخدم أو المستفيدين؛ فإن العقوبة تكون بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ريال عماني ولا تزيد على ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وقد تكون البيانات أو المعلومات شخصية وتتعلق بحياة المستخدم الخاصة قام بتخزينها في الموقع الإلكتروني أو في وسائل تقنية المعلومات فإذا ما حصل اعتداء على تلك البيانات وفق ما جاء أعلاه فإن العقوبة المقررة في هذه الجزئية السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني و لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ماذا لو الفعل الجرمي تم أثناء تأدية العمل؟

في هذه الحالة يتم العقاب وفق ما نصت عليه المادة (4) من القانون ذاته: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة (3) من هذا القانون أثناء أو بمناسبة تأدية عمله” ويتضح من هذا النص أن كل من يرتكب لأي فعل من الأفعال المجرمة بالمادة (3) أنه يعاقب بذات العقوبة إذا ما ارتكبت أثناء أو بمناسبة تأدية الجاني لعمله، فلم يتبع فيها التدرج في العقاب المتبع في المادة (3) وذلك لجسامة الفعل المرتكب.

هل تفتيش الزوج لهاتف زوجته والعكس، مجرم قانونًا؟
من المعلوم فقهًا وقانونًا بأن الزوجة لها استقلالها المالي والشخصي عن زوجها فهي حرة في حياتها الشخصية وخصوصيتها وذلك بما لا يتعدى على حقوق الزوج وعصمته، وبالتالي فإن تفتيش الزوج لهاتف زوجته جرم جرمه القانون وعدّه جريمة تستوجب العقاب بناء على نص المادة (3) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وكذلك الحال ينطبق على الزوجة إن قامت بتفتيش هاتف زوجها دون وجه حق.

هل تفتيش الأب لهواتف أبنائه جرم قانونًا؟

الأب ولي على أبنائه القصر دون الثامنة عشرة من عمرهم، وتفتيش أجهزتهم لا تعد جريمة تستوجب العقاب لأن الأب هو الولي وله حق التأديب والإشراف وحماية أبنائه وصون ذواتهم، فضلاً عن أن ذلك حق للأبناء على الآباء في صونهم وكفالة الرعاية والحماية لهم من أي تعدٍ قد يصيبهم من قبل الغير، فمعلوم أن عالم تقنية المعلومات واسع يحوي الصالح والطالح فمن حق الأبناء أن يكون معهم آباء واعون يسهرون على سلامتهم وحمايتهم من كل ما قد يتسبب في الإضرار بهم، وعليه ففي هذه الحالة لا يوجد قصد جرمي، والمشرع عندما جرم هذا الفعل جرمة من باب التعدي على حرمة الحياة الخاصة واشترط توافر القصد الجرمي بعد الركن المادي لتمام أركان الجريمة المؤثمة بنص (3) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فلا يتصور قيام القصد الجرمي عندما يقوم الأب بتفتيش جهاز ابنه القاصر قيامًا بما يمليه عليه الواجب الأبوي، فلا تعد جريمة في ظل ولاية الأب على أبنائه القصر غير كاملي الأهلية القانونية.

من له الحق في تحريك هذه الدعوى؟
تُعد الجريمة المشار إليها في المادة (3) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات من الدعاوى العمومية، وهي اختصاص أصيل للادعاء العام، وقد ألزم القانون المتضرر أو كل من شهد أو علم بوقوع جريمة بإخطار الجهات المختصة، فمتى ما وصلت الجريمة إلى علم مأمورالضبط القضائي أصبح مُلزمَا بإخطار الادعاء العام الذي عليه واجب بالتحقيق في الجرائم محل الاتهام والتقرير بحفظها أو إحالتها للمحكمة المختصة.