https://mrkzgulfup.com/uploads/171156484124551.jpeg

قائمة المستخدمين المشار إليهم

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: محظية الدون

  1. #1

    محظية الدون

    قصة قصيرة من تراث المافيا
    جلست سلفيا في ثوبها الفيروزي المطرز بالزهور على طرف سرير وثير في غرفة عالية من قصر الدون منكسةً رأسها الحاسر مكفكفة بقايا دموعها، وقد ضاعت عيونها في تفاصيل دقيقة لسجادة فارسية ملقاة على الأرض ذكرتها بالعز الذي كان. لقد ألقت الصدمة ظلالاً حائرة على تقاطيع وجهها الجميل، فزادت تقاسيمه الجميلة جمالاً. لا زالت سلفيا غير مصدقة لما حدث وأنها قد وقعت أسيرة في قبضة الدون - أبغض الرجال إلى قلبها. لا بد أنها تحلم وأن كل هذا ما هو إلا كابوس ينقضي. أمسكت سلفيا رأسها بين يديها وأخذت تهزه بعنف علها تصحو من هذا الكابوس، لكن لا فائدة فما حدث ليس كابوساً، بل هو الواقع الموحش والحقيقة القاسية.
    تلك كانت المرة الأولى التي تخلو فيها سلفيا بنفسها منذ اختطفها رجال الدون من ديار أهلها. لا تزال أطياف المقتلة العظيمة التي حدثت بالأمس وراح ضحيتها أبوها وخطيبها وإخوتها وكثير من أقاربها تحتل كل ثنايا مخيلتها، ولا تزال أطياف أبيها وحبيبها وإخوتها تطوف بها تعانقها وترحل ثم تعود. لم يعد بمقدور سلفيا التمييز بين الواقع والطيف.
    وبدون هدف أو تفكير وقفت سلفيا ومشت إلى نافذة الغرفة المطلة على حديقة القصر، ومن خلال قضبانها كان بمقدورها رؤية رجال الدون يحرسون البوابات والأسوار والممرات، وأدركت أن الفرار مستحيل. ألقت سلفيا بنفسها منتحبة على السرير. لم تمض ثوان حتى أغمضت عينيها وغفت لهنيهة لم تستمر طويلاً. أفاقت سلفيا وفتحت عينيها وتذكرت ما تخفي تحت طيات ثوبها، فمدت يدها الغضة تتلمس سكيناً تمكنت من إخفائه عن أعين الحرس والعاملات. عقدت سلفيا العزم على أمر ومضت له عيناها.
    سلفيا هي الإبنة الوحيدة لأسرة كانت تضم ثلاثة أشقاء يكبرونها وأم وأب حانيين. كان والد سلفيا تاجرا غنياً تمكن من تكوين ثروة كبيرة بعمله الجاد والمستمر على مدار سنين. وفي قصر أبيها كانت سلفيا تعيش حياة الأميرات الوادعة والخالية من الهموم. وكما كانت الحياة كريمة مع سلفيا بمنحها العيشة المرفهة، فقد كانت أكثر كرما في منحها جمالا آخذاً لا يوصف وسريرة صافية وبراءة غير منقطعة.
    إلا أن تصاريف الأمور التي أعطت سلفيا بغير حساب تجهمت يوما في وجهها، وأخذت منها كل ما أعطت. فقبل ما يقارب العام وذات مساء - لا تبارح صوره وأصواته مخيلة سلفيا وذاكرتها الغضة - انقض أفراد عصابة المافيا وجموع من الرعاع بقيادة الدون على قصر ابيها. لم تكن سلفيا مصدقة لعينيها وهي ترى ما يحدث من نهب وترويع وتدمير. انقضى ذلك اليوم بعد أن انقلبت فيه حياة سلفيا رأسا على عقب، وتغيرت فيه نظرتها المتفائلة نحو الحياة والإيجابية نحو الدنيا والواثقة بالناس. بعد ذلك اليوم لم تعد سلفيا تلك الطفلة الساذجة المدللة التي تحب وتثق بالجميع، ولم تعد الدنيا في عيني سلفيا دار براءة وصفاء ومحبة. أسئلة كثيرة داهمت عقل سلفيا الغض البسيط وتركتها في حيرة مربكة.
    لم تنته الأمور عند الحد الذي وصلته، فقبل أن ينتهي ذلك اليوم أرسل الدون إنذاراً لأبيها بأن القتل سيكون مصيره ومصير عائلته إن لم يرحل. قرر والد سيلفيا - بعد تفكير لم يطل - أن يرحل، فقد كان هيناً عليه ترك القصر والمكان من أن يخسر فرداً من أفراد أسرته التي يحبها أكثر من المال والقصور. قرر ذلك بعد أن تيقن له أن نفوذ الدون أصبح عظيماً ، وأن يده اصبحت نافذة في كل الشؤون. لم يعتقد والد سلفيا أن معارضته لرغبات الدون ورفضه دفع الأتاوة ستقود إلى مثل هذا الرد. كان واضحا أنه أساء تقدير قسوة الدون ومقدار بطشه.
    غادرت سلفيا مع أهلها البلدة التي عاشت فيها طفولتها البريئة والجميلة، ولجأوا إلى أقارب لهم يعيشون في مدينة بعيدة. إستقبلهم أقاربهم وخففوا عنهم ويسّروا عليهم لجؤوهم وبقاءهم بينهم. ولم يمض وقت غير طويل حتى حبكت الحبّاكة قصة حب بين سلفيا الجميلة وكينيث ابن زعيم القرية. باركت العائلتان هذا الحب واتفقتا على أن يكون الزواج في نهاية الصيف بعد أن ينضج العنب، وتنضج سلفيا أكثر؛ فعمرها بعد لم يتجاوز السادسة عشر. خططت العائلتان، ولم تعلما أن الحبّاكة تنسج خيوطها في طريق تختلف ملامحه وألوانه.
    لم تمض شهور حتى استنفذ الدون ورجاله موارد البلدة التي سيطرو عليها، وأصبحت البلدة التي لجأت إليها سلفيا وأهلها هدفا للدون ورجاله. علم أهل البلد بنوايا الدون، فاجتمعوا وعقدوا العزم على مقاومته وعدم الاستسلام لرغباته وشروطه وأعدو العدة لمقاومته إن تطلب الأمر ذلك. ومع كل ما أعدوه لمقاومة الدون ورجاله فإن ذلك لم يمنعهم إلا بعض وقت ثم كان الاندحار والمقتلة العظيمة.
    مرت أطياف هذه الأحداث في مخيلة سلفيا وهي جالسة في محبسها الوثير، وزادتها تصميما على تنفيذ ما عزمت عليه، فتحسست السكين المخفي، ومسحت دموعها، وجلست جلسة اللبوءة المتربصة تنتظر الدون. فقد سمعت من العاملات أن الدون قد اختارها محظية له وأنه لا بد آت.
    عاد الدون إلى قصره بعد أن أنهى مع رجاله نهب القرية المنكوبة، وبعد أن أوقع بأهلها مقتلة عظيمة. كان هذا الدون لمن يعرفونه حق المعرقة أنذل الرجال وأحقرهم وأكثرهم خسة. أما في نظر من لا يعرفونه حق المعرقة فكان رجلاً عظيما مهاباً مطاعاً بين رجاله؛ فعلى الرغم من خسة طباعه وسوء أخلاقه إلا أنه كان عظيم السخاء يعطي رجاله بغير حساب مما يتحقق له من النهب والغزو؛ فأحبه رجاله وتبعه الكثيرون، ونسجوا القصص الكثيرة حول عظيم أخلاقه وشيمه وكرروها ونقلوها حتى صدقها الكثيرون.
    أسرع الدون بعد عودته بالسؤال عن مكان محظيته الجديدة التي سحره جمالها، فأبقى عليها وأمر رجاله بحملها إلى قصره لتكون رفيقة فراشه. أسرع الدون إلى الغرفة التي حُبست بها، وفتح الباب، ودخل بلا استئذان ووقف بالباب متأملا سلفيا في جلستها. وبدون أن ترفع رأسها ومن تحت رموشها ومن خلل دموعها نظرت سلفيا إليه، فهالها مرآه، فدمدم قلبها، وشعرت بقشعريرة تهز اركانها، فمدت يدها تتحسس السكين المخبأة تحت ثوبها، ثم أمسكتها بثبات لتسكنها قلبه ما أن يقترب منها.
    في صباح اليوم التالي فتحت سلفيا باب الشرفة، وخرجت تتلمس هواءاً صافيا تتنشقه. وقفت في الشرفة، وألقت عينيها على العوام في سيرهم وغدوهم أسفل قصر سيدهم وقائدهم. تلفتت عائدة إلى الغرقة والقت بنظرها على الدون غارقا في سريره الوثير، ثم نقلت نظرها إلى سكينها الملقي بجانب السرير يغطيه منديل بان عليه أثر دم ...

    •   Alt 

       

  2. #2
    كاتب قصص في السبلة العمانية
    الصورة الرمزية seajie
    تاريخ التسجيل
    Feb 2016
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    3,493
    Mentioned
    20 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    1
    عندما تنتشر الجرائم ويغيب الوازع الديني تعاني البشريه ...
    الحمدلله على النعم التي ننعم بها
    من الغباء أن احسد الآخرين على ما يملكون
    فسعادتي لا تقترن بتعاستهم , ولا أعلم ما ينقصهم

  3. #3
    متذوقة شعر وقصص وروايات في السبلة العُمانية الصورة الرمزية نوارة الكون
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    40,290
    Mentioned
    50 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    يسلمو ع الطرح
    اسعدنا تواجدك معانا
    وأهلا وسهلا

    - اللهم اغفر لى و لوالدى,
    و لأصحاب الحقوق على,
    و لمن لهم فضل على ,
    و للمؤمنين و للمؤمنات والمسلمين و المسلمات
    عدد خلقك و رضا نفسك و زنة عرشك و مداد كلماتك.


ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م