البيروني بين تجار
الموت وعشاق الحياة
-----------------
حمود بن سالم السيابي
-----------------
لم يتهافت لبناء القواعد في بلدان الآخرين كما يتهافتون.
ولا اندفع لينشر الموت في بلدان الآخرين كما ينشرون.
ولا سخر أجهزة بلاده لنسج الدسائس ونشر الفتن وزرع الخلايا كما يزرعون.
ولا جعل من إعلام بلاده جبهة حرب تجزيء المجزأ وتقسم المقسم كما يفعلون.
وفي الوقت الذي تغير فيه طائرات العرب على حواضر العرب كانت الطائرة المقلة لمبعوث سيد عمان تحط على مدرج مطار طشقند ومعها مفتاح مكتبة البيروني.
وبينما يتباهى العرب بانتصاراتهم على العرب كان سيد عمان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم يكلف وزير تراثه ليضع على أرفف الصرح الحضاري في أوزباكستان مجلدا أنيقا لكتاب "الجماهر في معرفة الجواهر".
ويأمر وزير أوقافه أن يتأكد من وجود أصح النسخ لصحيحي البخاري ومسلم بين كنوز المكتبة الجديدة.
وبينما يظلم العرب الدروب ويطفئون القناديل تسلط عمان كشافات التاريخ إلى بلاد ما وراء النهر وطريق الحرير ، وتعيد للإذن المغيبة تكبيرات المجاهد العماني المهلب بن أبي صفرة في بخارى وسمرقند.
وحين تسفر حروب العرب عن الوجوه القبيحة للعرب ، وتعج مدن العرب بسرادقات العزاء ، وتصبح شواهد القبور فيها أكثر من أرغفة الخبز تكون عمان قد استكملت مكتبة البيروني وشرعت لوضع حجر الأساس لمصدر إشعاع جديد للإنسانية في حاضرة أخرى.
لقد اختاروا نشر اللون الأسود الذي تتلفع به النائحات الثكالى ، وانحازت عمان للون وجهها ، وللون الأقرب لصفحات الكتب.
وفي كل يوم ينشرون الموت ، و تنشر عمان الحياة.
وفي كل يوم تضيق الخارطة التي أرادوا توسيعها بالدم والرصاص ، وتتسع الخارطة الإنسانية التي تزرعها عمان زيتونا وياسمين.
لقد تاجروا ليجنوا الأرباح فخسروا رأس المال ، واختارت عمان أن تسعد البشرية فتربح دون تجارة.
وهكذا يولد البيروني من جديد في حضن عشاق الحياة وبعيدا عن المتاجرين بالموت.
---------------
مسقط في ١٤ مارس ٢٠١٨ م.