مشروع دوري الأضواء .. خطوة للأمام .. وخطوتان للوراء

مر أسبوعان على عودة دوري الأضواء من جديد بعد فترة توقف طويلة زادت عن الشهرين بسبب مشاركة المنتخب الوطني في بطولة كأس الخليج ومشاركة الأولمبي في نهائيات أمم آسيا تحت 23 سنة.

جاءت العودة للمنافسة في أسبوعها الأول لا تحمل أي جديد أو مؤشرات تبرهن عن استفادة الأندية من فترة التوقف في ترتيب الأوراق وتوفيق الأوضاع وإيجاد معالجات حذرية للمشاكل الدائمة التي ظلت تسبب الصداع الدائم للإداريين والأجهزة الفنية.

الأسبوع الماضي غادر مدرب فريق صحم المصري محمد عمر بعد شهور قضاها في تدريب الفريق لم تخل من المعاناة والعقبات التي حالت دونه وأن يقوم بدوره كاملا في تجهيز اللاعبين وتطبيق أسلوبه في المباريات ليفقد قدرته على الاستمرارية.

مغادرة محمد عمر بسبب غياب اللاعبين عن التدريبات وعدم انتظام القائمة كاملة في التحضيرات الفنية اليومية تدل على عمق الأزمة التي لا يعاني منها صحم وحده بل تعاني منها معظم الأندية وتمثل هاجسا مستمرًا للأجهزة الفنية وتتسبب بصورة غير مباشرة في نهاية مسيرتها عندما تسوء النتائج بغض الطرف عن الأسباب الأساسية التي تجعل المدرب غير قادر على أن ينفذ سياسته وبرامجه لأسباب خارجة عن إرادته.

أزمة الدوري الذي يمثل قمة هرم مسابقات الكرة العمانية مستمرة في غياب المساعي واضحة لإيجاد حلول ناجحة تعزز من القدرات الفنية والإدارية وتصقل المواهب وتوفر أرضية وقاعدة صالحة إلى أن تحقق النجاحات على كل صعيد وفي كل ميدان.

انتهى الدور الأول بعد رحلة شاقة لغالبية الفرق ونتائج لم تخل من المفاجآت ومستويات فنية عانت من التذبذب، كما جرت العادة في البطولة التي تدخل عامها الخامس ولا تزال تبحث عن الاستقرار الفني وهوية تميز التنافس على لقبها الذي يبدو في كل موسم حائرا لا يعرف أحد إلى أين تتجه بوصلته.

قبل انطلاقة المنافسة في دورها الثاني كانت ثمة حسابات فنية حاضرة يفرضها المنطق ومستويات الفرق المشاركة على ضوء الاستعدادات التي سبقت البداية والمشاركات السابقة إلا أن كل هذه الحسابات خابت ولم تتحقق عند العودة للتنافس في أرض الواقع وبنسبة كبيرة ليؤكد دوري المحترفين بأنه خارج دائرة التوقعات أو الحسابات المسبقة.

خلص الدور الأول على منافسة ثنائية على الصدارة بين السويق والشباب بفارق 6 نقاط في غياب أي فرص يمكنها أن تشعل السباق على الصدارة وتضاعف عدد الفرق صاحبة الطموح في التقدم وإضفاء الندية والإثارة على البطولة.

الطبيعي أن تجتهد فرق الصدارة المرشحة للفوز بالبطولة لتوسيع فارق النقاط فيما بينها وهو الأمر الذي لم ينجح فيه أي فريق حتى الآن ولم تعكسه أي ملامح فنية للفرق يثبت بأنها تمضي في تصاعد فني وقادرة على الاستفادة من تجاربها وتملك قدرة تجاوز السلبيات والأخطاء وتوفير الأجواء التي تمهد الطرق للسير بخطى ثابتة وواثقة لتحقيق النجاحات الكبيرة وإثراء المنافسة الأولى.

وعلى ضوء الوقائع الفنية التي مثلت حصاد الدور الأول فإن كل الاحتمالات بشأن البطل ستظل مفتوحة في غياب المقاييس الفنية التي تؤسس لنهائيات منطقية مع بداية الدور الثاني الحاسم وليس مستبعدا أن يقتحم المقدمة أي من الفرق الأخرى خاصة التي تبدو قريبة من الصدارة إذا ما توفرت لها الأسباب وخدمتها الظروف لعودة قوية في الدور الثاني تمنحها المزيد من النقاط وفرصة الصعود باستمرار في الترتيب على حساب أي من السويق والشباب ولكن في رأي الكثير من المراقبين والمحللين أن مثل هذا الأمر يمكن أن يكون أقرب إلى المستحيل في ظل وضعية الأندية التي تشترك في المعاناة وأن اختلفت الأسباب.

استمرار دوري الأضواء بصيغته الحالية التي تحوله إلى نسخ متشابهة ومتطابقة مطبوعة بالكربون تبين أن مستقبلها لا يزال غامضا بعد ظهور بعض الأصوات في وقت سابق تطالب بإلغاء نقلة الاحتراف والعودة إلى الدوري بشكله القديم ووجهة النظر هذه لا تزال تشكل قناعة عند البعض نتيجة غياب مقومات الاحتراف الحقيقي وقدرة الأندية على توفير فواتير النقلة الفنية والإدارية وأن أي حديث حول هذا الأمر لا يتجاوز الشكليات فقط.

يظــل الدعم المالـــــي الهاجس الأكبر عند جميع الأندية وتوفره يحدد قدرتها على النجاح وفرصتها في المنافسة بقوة على الألقاب أو الاحتفاظ على الأقل بمقعد في دوري البطولة الأولى وإن استمرت مشاكل التذبذب في الأداء والنتائج.

لا تزال بوصلة الأندية حتى اليوم حائرة في الاتجاهات التي يمكنها أن تجلب الدعم المالي بعيدا عن المساهمات الفردية وبعض المبادرات البعيدة كل البعد عن مفهوم التسويق والاستثمار الحقيقي.
اســــتمرار الصمت على المعوقات التي تهدد تطور الأندية ثم تطور الدوري يعقد كثيرا من مشهد المنافسة ويحاصرها بالكثير من السلبيات وتراكم الديون وتناقص الأدوار الإيجابية والقيام بالواجبات المطلوبة لدعم الكرة العمانية.

فقدان الأمل .. أنموذج يحمل أكثر من رسالة

تعاقدت الأندية عبر مسيرتها في دوري الأضواء في مواسمه الماضية القليلة مع عدد كبير من المدربين أصحاب الخبرات والتجارب في الدوريات العربية والخليجية والأوروبية إلا الأسماء التي نجحت واستطاعت ترك بصمة تبدو ضئيلة للغاية.

علاوة على قرارات الاستغناء عن خدمات المدربين الجاهزة دوما هناك جوانب أخرى تحول دون أي مدرب طموح في أن ينجح ويستطيع أن يمنح فريقه خبراته وقدراته وذلك بسبب ظروف العمل التي تكون دائما غير مشجعة في مقدمتها عدم توفر العدد الكافي من اللاعبين لعدم تفرغهم بالكامل وحضورهم لمران أو اثنين بالكثير قبل المباراة وهو ما يسبب إزعاجا لأي مدرب ويجعله غير قادر على العمل ووضع خطة للمباراة تمكنه من الفوز.

ألمح المدرب المصري محمد عمر إلى أن واحدا من أسباب مغادرته الدوري هو عدم تمكنه من العمل بصورة سلمية لغياب اللاعبين عن التدريبات وهو أمر يجعله لا يقوم بالعمل الفني على النحو المطلوب ولا يقدم العطاء الذي يشجعه على البقاء.

الأنموذج المصري محمد عمر متعدد وموجود في الدوري ويحمل أكثر من رسالة تكشف عن أكبر مواطن الخلل في الأندية ثم مسابقة الدوري.

التسجيلات ضربة حظ .. والخــــيارات محـــــدودة

تسعى بعض الأندية لاستغلال فترة التسجيلات الشتوية بقيد لاعبين جديدين ودعم فرقها بالعناصر التي تحتاجها وتدعم الصفوف ويكون التركيز في الغالب على اللاعبين الأجانب في عملية إحلال وإبدال في إشارة إلى أن عملية الاختيار الأولى لم تكن صائبة أو أن الظروف لم تساعد اللاعب الأجنبي على أن يقدم أفضل ما عنده في تجربته مع النادي.

استبدال اللاعبين الأجانب يمكنه أن يحدث نقلة في مستويات الفرق التي تنجح في التعاقد مع لاعبين يصنعون الفارق ويشكلون إضافة فنية إيجابية وبنظرة عامة لنوعية اللاعبين الأجانب الذين يلعبون بالدوري تظهر محدودية الخيارات وحقيقة أن التسجيلات تبدو أشبه بضربة الحظ مرات تصيب ومرات تخيب.

أبرز الأسباب التي تجعل تعاقدات الأندية في بعض الأحيان لا تحقق الفوائد الفنية المرجوة تعود للتغييرات المستمرة في الأجهزة الفنية وعندما يتولى أي مدرب المهمة يجد نفسه أمام الأمر الواقع فيما يتعلق بنوعية اللاعبين الموجودين في كشف الفريق.

ذات مرة تسرب عن مدرب أجنبي تعاقد مع أحد الأندية قوله: إذا عاد بي الوقت لبداية تشكيل هذا الفريق لما تركت فيه أكثر من خمسة وطردت البقية وهنا تتبلور واحدة من علل الدوري ومسببات عدم تطوره.

فترة الهدنة .. فـــرق خــــارج الخدمة

يحاول اتحاد الكرة عبر برنامجه في الموسم أن يحدث تنوعا في المسابقات ويوفر للأندية فرص إضافية للسعي للفوز بالألقاب وفي الوقت نفسه تكون هناك هدنة بين بطولة وأخرى الغرض منها تكثيف الجهود وتصحيح المسيرة إلا أن معظم الأندية تكون خارج الخدمة في فترة الهدنة ولا تقم بالعمل المطلوب.

لا تبدو الهدنة أو فترة الراحة التي تفصل الفرق بين الدورين الأول والثاني أو بين جولات الدوري ومسابقة كأس جلالته وكأس مازدا ذات فائدة واضحة على مستويات الفرق التي تشارك أو تودع مبكرا.

فترة أي توقف تمثل أهمية كبيرة للفرق والتي تحرص على الاستفادة في الجوانب الفنية والإدارية بتكثيف العمل لتجاوز العقبات والمشاكل وتهيئة الظروف لعودة قوية تقود لتحقيق الانتصارات والنجاحات.

هناك بعض الفرق الكبيرة والتي تمتلك قدرة المنافسة على الألقاب لم توفق في مشوار بطولة الكأس وخرجت مبكرا من دون أن يمنحها هذا الحافز لمضاعفة دوافعها للتعويض في الدوري وأن تعود في الدور الثاني برغبة جادة للمنافسة على الصدارة وأن تكون لها بصمة واضحة في الموسم.

قناعات الجمهور .. والانتصارات بوابة الحضور

يختلف مشهد الحضور الجماهيري للدوري في سنواته الماضية ولا تظهر أي اختلافات كبيرة في المدرجات وتكاد الصورة تبدو متشابهة ما بين مباراة وأخرى وهو ما يؤكد أن القناعة الجماهيرية بالدوري وعطاءات الأندية لن تبتعد كثيرا عما هو معتاد ومعروف وصعوبة حدوث أي جديد يجذب ويدعو للحضور.

تتصدر جماهير صحار قائمة الحضور بصورة دائمة فهي الوحيدة التي لم تربط وجودها خلف فريقها في مبارياته بما يحققه من نتائج عكس الجماهير الأخرى التي تغيب وتظهر على ضوء قدرة فريقها في تحقيق الانتصارات.

الإحجام الجماهيري يعتبر واحدا من المسائل التي تجرد الدوري من فرص النجاح والانطلاق بقوة لتحقيق كل الأهداف المرجوة للأندية أو المسابقة نفسها.

يتطلب أمر جذب الجماهير وإقناعها بضرورة تسجيل أسمائها في دفتر حضور مباريات الدوري القيام بخطوات كبيرة تمثل الحصول على مقومات النقلة الفنية الحقيقية التي ينتظرها الجميع والخوف كبير من أن يطول الانتظار ويلبس الدوري عباءة العادة في كل أحواله الفنية والإدارية ويتخذ نهج التقدم خطوة والتراجع خطوتين.

المستفيد الأكبر .. لا يزال الوقت مبكرا

تعتبر مباريات الدور الثاني الحاسمة مجالا للتعرف على الفرق القادرة على الاستفادة من الفرصة الأخيرة لتحسين وضعيتها في المنافسة وتبديل مواقعها باحتلال المركز الذي يمثل الهدف في سباق الدوري المتأرجح.

هناك بعض الفرق ظهرت في الجولة ولا تزال تعاني من مشكلات فنية واضحة تفرض عليها حتمية الابتعاد عن المراكز المتقدمة وذلك يخصم كثيرا من فرص حدوث متغيرات فنية إيجابية على المنافسة وزيادة قوتها التي تجذب الجماهير وتفتح الباب أمام النقلة المنشودة.

المنطق الفني يتحدث عن إمكانية أن يكون هناك أكثر من فريق يمكنه حمل لقب المستفيد الأكبر في الدور الثاني سواء من فرق المقدمة أو الوسط أو المراكز الأخيرة إلا أن هذا الأمر لن يكون سهلا ويتطلب مقومات عديدة ومتنوعة لا تتوفر بشكل واضح عند الغالبية.

الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عما يمكن أن يحدث في الجولات المقبلة لبطولة الدوري وإمكانية حدوث تطورات فنية تنعكس إيجابا على المنافسة وتقلل من مشاكل تذبذب الأداء وتراجع المستويات الفنية وغياب الرؤية الفنية التي تتوافق والطموحات.

السلبيات من موسم لآخر .. صورة طبق الأصل

تتكرر العديد من السلبيات في الأداء عند غالبية فرق الدوري بسبب غياب التجهيزات الفنية الاحترافية والنقص في الخطوط ومحدودية اللاعبين المؤثرين بجانب الضغوط النفسية والحسابات المعقدة التي تفرض خيار الفوز رغم الصعوبات في ظل الحرص المشترك بين جميع الفرق لعدم خسارة النقاط ليقلل الإصرار في بعض الأحيان فوارق القدرات والخبرات.

ظل الدوري يعاني بصورة متكررة في كل موسم من مقصلة المدربين التي باتت أمرا ثابتا في دوري المحترفين وفي كل موسم تكاد الفرق كلها تستبدل مدربيها ويبلغ عدد المدربين الذين يتم الاستغناء عن خدماتهم مع نهاية الدوري رقما قياسيا في مشهد ظل يثير تكراره مشكلة فنية كبيرة ويعرقل نجاحات البطولة ويجردها من صبغة الاحتراف ويضع المسؤولين في الأندية أمام تساؤلات عريضة حول القرارات المتكررة في كل موسم والتبديل المتواصل للأجهزة الفنية وفي بعض الأحيان يتعاقد ناد مع ثلاثة مدربين للموسم الواحد.

درجت معظم الأندية على أن تأتي للدور الثاني بأسماء جديدة في الأجهزة الفنية وهو ما يعني أن المهمة لن تكون سهلة وسيواجه كل مدرب جديد تحديات كبيرة ورغبات عاجلة من الجماهير بتحقيق النتائج الإيجابية وتحسين الصورة وهو ما يضعه تحت ضغط كبير وربما يكون سببا في مغادرته لتبحث الإدارة من جديد عن بديل له.

هناك من يربط سلبية تذبذب الأداء للفرق ما بين مباراة وأخرى إلى غياب الاستقرار الفني وكذلك عدم انتظام اللاعبين في التدريبات بسبب ظروف العمل أو المطالبة بالمستحقات وهو ما يمثل العقبات الدائمة.

هذه السلبيات المتكررة من موسم لآخر بصورة طبق الأصل تعبر عن أن فرص المعالجات لا تزال غائبة إن لم تكن بعيدة المنال وخارج إمكانية القائمين على إدارة الأندية وقبلهم المسؤولون في اتحاد الكرة.



منقول .