أضحى الطيّار الإسرائيلي رون آراد (مواليد عام 1952)، الذي أُسقِطَتْ طائرته شرقي مدينة صيدا (16 تشرين الأول 1986)، «فخّاً وطعماً» من قِبل مخابرات العدو الإسرائيلي و«مصيدةً» للإيقاع بالعملاء من ضعفاء النفوس، عبر إغرائهم بأموال فادحة وخدمات متعدّدة، في سبيل الحصول على «معلومات» عن الطيّار الذي ما زال مصيره مجهولاً، ولا يعرف إذا كان حياً أم ميتاً حتى الآن!
وتكشف التقارير عن أنّ العدو تيقّن وفق المعلومات التي تمكّنت مخابراته من جمعها عبر طرق شتى، من أنّ آراد قد مات، إلا أنّه لا يعلن ذلك على الملأ مستغلاً هذه القضية، لاصطياد مَنْ يلهث وراء المال مقابل إعطاء معلومات عن هذا الطيّار، أو عن الجنود الإسرائيليين الذين قُتِلوا في «معركة بيادر العدس» – السلطان يعقوب عام 1982...
ولا يتجرأ العدو على الإعلان عن وفاة آراد، حتى لا يفقد «طعماً» هامّاً في اصطياد العملاء والإيقاع بهم وهم كُثُر، ممَّن أوقفتهم الأجهزة اللبنانية الرسمية والوطنية، أو مَنْ لم يقع بعد في «الشرك»!
واتضح أنّ الإغراءات المالية للاحتلال، التي وصلت قيمتها إلى رصد مبلغ 10 ملايين دولار أميركي مقابل إعطاء معلومات عن الطيّار آراد، وأيضاً عن المفقودين من الجنود الإسرائيليين، كانت هي العنوان العام لتجنيد العملاء وإغرائهم من خلال المبالغ المالية الطائلة، لكن في حقيقة الأمر ظهر جلياً من خلال ما أوقف من شبكات تجسّس إسرائيلية وعملاء، أنّ العدو هدف إلى تجنيد هؤلاء لتحديث «بنك المعلومات» من خلال أكبر كمية يمكن توفيرها عن قيادات ومؤسّسات رسمية، مدنية وعسكرية، وروحية وسياسية لبنانية، وقادة ومسؤولين في أحزاب لبنانية وفصائل فلسطينية، والمقار والمكاتب والأماكن العسكرية، حتى دور العبادة والمقابر والمؤسّسات الرسمية، فضلاً عن الجسور والمنشآت الحيوية...
يعتمد الاحتلال الإسرائيلي كثيراً على «بنك المعلومات» لتحديثه وفق المتغيّرات التي تطرأ على العديد من الساحات، وفي مقدّمها لبنان وفلسطين، فضلاً عن البلاد العربية والإسلامية والدول الإفريقية، وصولاً إلى أي مكان يمكن وضع موطئ قدم للاحتلال فيه، سواء بالتجنيد أو القيام بعمليات أمنية، وحتى السيطرة من أجل الإمساك بزمام الأمور والقرار في العديد من البلدان سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً واستخباراتياً وعسكرياً وهو ما سلّطتُ الأضواء عليه في كتابي «زلزال الموساد»... العملاء في قبضة العدالة»، الذي قدّم له قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي...
قرابة الساعة الرابعة من بعد ظهر 16 تشرين الأول 1986، أُسقِطَتْ طائرة «فانتوم»، خلال تنفيذها في سرب مع طائرة أخرى من الطراز ذاته غارة على قواعد لحركة «فتح» وفصائل «منظّمة التحرير الفلسطينية» في جبل الحليب، المشرف على مخيّم عين الحلوة ومنطقة الأشرفية في المية ومية – شرقي صيدا، ما أدى إلى أسر أحد الطيّارين اللذين كانا على متنها وهو رون آراد، ومنذ ذلك التاريخ لم ينفك الاحتلال يعمل بشتى الوسائل لتأمين معلومات عنه، تحت عنوان استعادته، وهنا لا فرق لدى قادة الاحتلال بالاستعادة أكان حيّاً أم ميتاً...
لا يأبه الاحتلال إلى أي أسلوب يستخدمه في سبيل الحصول على معلومة، سواء عن الطيّار آراد أو الجنود المفقودين في «معركة بيادر العدس» في البقاع، إثر غزو عام 1982، عبر تجنيد العملاء أو رصد مختلف الأنواع، وصولاً إلى القيام بعملية كوماندوس وخطف، كما حصل مع «أبو علي» مصطفى الديراني (الذي اختُطِفَ من منزله في البقاع 21 أيار 1994)، ولكن كانت المعلومات التي بحوزته تتوقّف عند مرحلة معينة، حين كان آراد تحت سيطرته، دون التمكّن من كشف المصير الحقيقي له.
وممَّنْ وقعوا في فخ الاستدراج غادة رفيق العقيلي، التي أوقفت من قِبل الأجهزة الأمنية اللبنانية (2 تشرين الأول 2009)، حيث ثبت أنّها أجرت اتصالات برقم «المشغّل» الإسرائيلي في بريطانيا، بعدما أغراها إعلان صادر عن جمعية إنسانية أوروبية تحمل شعار «ولد للحرية» أو «ولد ليحيا»، وخصّص مكافئة مالية لمَنْ يدلي بمعلومات عن الطيّار آراد، وجرى تشغيلها، حيث سافرت عدّة مرّات للقاء «المشغّل» الإسرائيلي في تركيا، قبل أنْ يتم توقيفها من قِبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، والحكم عليها في «المحكمة العسكرية الدائمة» ببيروت بالسجن لمدة سنة.
وأيضاً ما حصل مع زياد أحمد الحمصي، الذي تم تجنيده من قِبل عملاء العدو الإسرائيلي وطُلِبَت منه في العام 2007 معلومات عن الطيّار آراد، وأيضاً عن الجنود الإسرائيليين الذين قُتِلوا في «معركة بيادر العدس»، التي كان أحد المقاتلين فيها في صفوف الثورة الفلسطينية في العام 1982، لكنه وقع في فخ الجاسوسية، على الرغم من محاولة تصوير نفسه أنّه «عميل مزدوج»، ولكن أكدت الوقائع والمعطيات أنّ عمالته ما بين عامي 2007 و2008 – وتحديداً قبل 25 تشرين الأول 2008، لم يُبلِغ بها الجهات القضائية والأمنية الرسمية اللبنانية، أو الأمنية الوطنية، بل إنّ ما أشار إليه حول أنّه تعرّف على أحد الوفود الإسرائيلية، كان بعد توقيف الأخوين علي ويوسف ديب الجراح في منطقة البقاع من قِبل مخابرات الجيش اللبناني، قبل أنْ يتم توقيف زياد الحمصي على يد مخابرات الجيش اللبناني (16 أيار 2009)، حيث صدر حكم عن «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت برئاسة العميد الركن نزار خليل بحقّه (2 كانون الأول 2010) وقضى بسجنه في الأشغال الشاقة المؤقتة لمدّة 15 سنة وتجريده من حقوقه المدنية، قبل أنْ يتم تخفيض العقوبة في «محكمة التمييز العسكرية» برئاسة القاضية الدكتورة أليس شبطيني العم من 15 سنة إلى الأشغال الشاقة 3 سنوات - أي مكتفية بالمدّة التي قضاها في السجن، ولكن قضت المحكمة بتجريمه بالتعامل وتجريده من حقوقه المدنية (1 حزيران 2012).
العدو يتجسس عبر «الانترنت»
تتعدّد وسائل اتصال العدو بعملائه، وتتطوّر وفقاً لتطوّرات التكنولوجيا، فبعدما كانت عبر الوسائل البدائية المتعارف عليها من خلال إرسال الرسائل المشفّرة، والحبر السري، والمخابئ السرية، استقبال البرقيات، والجاريكان (يعني جرّة المياه)، دخلت التكنولوجيا إلى ذلك عبر الاتصالات الهاتفية، وصولاً إلى الأقمار الاصطناعية عبر الإرسال والقراءة بواسطة أجهزة خاصة، والـ«فلاش ميموري» و«gps» وزرع برامج إلكترونية في أجهزة كومبيوتر، حتى تطوّر الأمر بعد كر سبحة توقيف شبكات التعامل وصولاً إلى تقنيات حديثة.
فبعد التنصّت على الهواتف وأجهزة الكومبيوتر واعتراض الوسائط الرقمية، ركّز الاحتلال في الآونة الأخيرة عمله الأمني والاستخباراتي من خلال شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» على جمع أكبر كمية معلومات وبيانات وصور وتوثيقها وتحليلها والاستفادة منها في شتى المراحل.
وتكشف المصادر عن أنّ جهاز «أمان»، هو أحد أبرز أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والوحيد الذي حصل على زيادة في الموازنة السنوية، ما أتاح له زيادة في العامل البشري، مع عدم حصر نطاق عمله في منطقة جغرافية محدّدة، بل إنّ مجال عمله يشمل مختلف أصقاع المعمورة.
ويعمد العدو إلى الاستفادة من تقنيات تحمل عنوان صفحات التواصل الاجتماعي من خلال «النت» (أجهزة الهواتف والكمبيوتر) عبر «واتس آب»، «فايبر»، «لاين»، «فايسبوك»، «تويتر»، «سكايب» والمواقع الإلكترونية، والعديد من التقنيات الأخرى.
واعتمد العدو هذا الأسلوب بعد انكشاف العديد من شبكاته، للنفاذ منها إلى أكبر شريحة، حيث يتم بناء شبكة علاقات تطرح إعلانات عن توظيفات يتم من خلالها الاستفادة من البيانات عمَّنْ يُضعون في دائرة الاستقطاب بهدف التجنيد والتشغيل، والتواصل لمعرفة حاجات ومشاكل وظروف الطرف الآخر، وإبداء الاستعداد لتقديم العون، ثم القيام بالربط، وصولاً إلى التوريط والتجنيد، حيث يصبح الشخص المتورّط بعد ذلك مثل الخاتم في الأصبع.
ويتولّى القيام بهذه المهام - أي الحصول على المعلومات وتوثيقها، طلاب وطالبات جامعيون، يتمتّعون بمهارات استخدام الكومبيوتر وفنون الإنترنت، ويُدرّبون على استخدام برامج تتيح لهم مهمة اختراق أجهزة الكومبيوتر الموصولة على الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر المربوطة بالإنترنت أيضاً، حيث تصبح كافة المعلومات المتوافرة على أي منها في أيدي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليُصار إلى تحليلها والاستفادة منها.
هذا فضلاً عن القيام بمهام تتجاوز الحصول على المعلومات إلى اختراق أجهزة الكومبيوتر والهواتف، وصولاً إلى تدمير البعض منها، عبر تقنيات وبرامج متخصّصة!
لكن في المقابل، استطاع العديد من الشباب العربي توجيه ضربات قاسية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بالدخول إلى حواسيب وبرامج مؤسّسات هامة، ومنها أمنية، والتحكّم بمسار بعض العمليات، بما في ذلك السيطرة على أعمال أبراج المراقبة لتوجيه طائرات وإمكانية إسقاطها أو تغيير مسارها!
ولا يقتصر المجال الاستخباراتي الإسرائيلي على ذلك، بل يشمل:
- بحراً: عبر الغواصات والبوارج والسفن.
- جوّاً: طائرات الاستطلاع من دون طيّار والأقمار الاصطناعية وأجهزة التنصّت.
- برّاً: شبكات التجسّس وأجهزة التنصّت التي تنتشر في أكثر من مكان، وليس آخرها ما جرى تفجيره في منطقة النبي ساري في عدلون – قضاء صيدا حيث تم اكتشاف جهاز تنصّت، كان مزوّداً بعبوات، أقدمت قوّات الاحتلال على تفجيره عن بُعد، ما أدى إلى استشهاد حسن علي حيدر (5 أيلول 2014).
رسائل عملية «حزب الله»
لقد جاء رد «حزب الله» سريعاً على الخرق الأمني في منطقة عدلون، والذي لم يكن جديداً، بل استشهد فيه أحد كوادر وخبراء الحزب في تفكيك المتفجّرات، حيث كان الرد بعملية أمنية في مزارع شبعا المحتلة (7 تشرين الأول 2014)، حملت جملة من الرسائل إلى العدو الإسرائيلي والخلايا الإرهابية والداخل اللبناني والمجتمع الدولي، ودلّت على:
- أنّ توقيتها كان في ذات موعد تفجير عبوة عدلون عند الساعة الثانية و22 دقيقة، وأنّها حملت إسم الشهيد حسن علي حيدر.
- أنّ المقاومة تمتلك حق الرد في أي لحظة تراها مناسبة على الاستهداف والخروقات الإسرائيلية، للقرار الدولي 1701، الذي أوقف الحرب على لبنان في تموز 2006 (14 آب 2006).
- أنّه وخلافاً للمرّات السابقة، فإنّ المقاومة سارعت للإعلان عن تبنّي هذه العملية تحت إسم الشهيد حسن علي حيدر، في اليوم ذاته الذي نفّذت به العملية، خلافاً لما كان يجري سابقاً بتأخير الإعلان عن العملية أو ترك الاحتلال الإسرائيلي في مهب التجاذبات والتساؤلات، والاستنتاجات لجهة مَنْ يقف خلفها.
- أنّها رسالة إلى المجتمع اللبناني بأنّه على الرغم من الانشغالات الداخلية للحزب على الساحة اللبنانية، لن يؤثّر ذلك على مهمته في مواجهة العدو الإسرائيلي.
- أنّها رسالة للخلايا الإرهابية، بأنّه على الرغم من محاولات فتح أكثر من جبهة سواء في الداخل اللبناني، عبر العمليات الانتحارية والسيارات المفخّخة، أو ما جرى من اقتحام لمواقع «حزب الله» على أيدي «داعش» و«جبهة النصرة» في بريتال، لن يؤدي إلى تغيير خطة الحزب، لمواجهة هذه الخلايا، سواء على الأراضي اللبنانية أو حتى في عمق الداخل السوري بالوقوف إلى جانب النظام هناك.
- أنّ «عين المقاومة» ترصد كل ما يجري في المنطقة الحدودية، تحديداً للجهة الجنوبية الشرقية من لبنان، في المثلث الذي يربط بين لبنان وفلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل وأقسام من سوريا، وصولاً إلى ما خلف ذلك في الأردن، حيث يتكشّف كل يوم مغزى «داعش» و«جبهة النصرة» في محاولات الوصول إلى موانئ لبنانية، هي بأمس الحاجة إليها لربط خطوطها ما بين لبنان وسوريا والأردن وصولاً إلى العراق.
- أنّ الحزب يوجّه رسالة إلى مَنْ يعنيهم الأمر، بجهوزيته لمواجهة أي محاولات لفتح ثغرة في منطقة شبعا العرقوب وحاصبيا والجولان والأراضي السورية، والتي قد تحدث تحت «غض نظر» إسرائيلي للجماعات المسلّحة للسيطرة على منطقة العرقوب وراشيا وحاصبيا.
- أنّ الحزب أيضاً أكد في هذه العملية أنّ بإمكانه الوصول إلى حيث يريد خلف خطوط العدو الإسرائيلي، وزرع عبوات، دون أنْ ترصده كاميرات المراقبة الإسرائيلية المتطوّرة، أو أجهزة التجسّس، سواء عبر المنطاد أو طائرات الاستطلاع من دون طيّار وحتى الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن الدوريات وعيون العدو من العملاء، فنفّذ عمليته في المكان والوقت المحدّدين.
وقد طرحت هذه العملية جملة من التساؤلات في الشارع الإسرائيلي لجهة توقيتها وظروفها، وأنّها رسالة من الحزب باستمرار المقاومة طالما هناك خروقات واعتداءات إسرائيلية على لبنان، خاصة أنّ المعلومات التي استقاها العدو عبر أكثر من وسيلة وطريقة، تؤكد أنّ منظومة صواريخ «حزب الله» تطال مسافات أبعد مما سقطت فيه في عدوان تموز 2006، وأنّ قدراته القتالية براً وبحراً وجواً تطوّرت كثيراً، وأصبحت تؤرق المحتل الإسرائيلي، الذي فشل في عدوانه على قطاع غزّة على مدى 51 يوماً (7 تموز 2014 – 26 آب 2014)، حيث فاجأته صواريخ المقاومة الفلسطينية بسقوطها في أماكن لم يكن يتوقّعها، على الرغم من العوامل الجغرافية لقطاع غزّة، والحصار على المعابر وعدم إمكانية وصول السلاح بسهولة، وهو ما استُعيض عن جزء كبير منه بالتصنيع الداخلي، إلا أنّ إمكانيات حصول «حزب الله» على أسلحة متعدّدة الوسائل، فضلاً عن أنّ مجال التصنيع الداخلي هو أحد هذه الوسائل.
إذاً فإنّ العملية النوعية التي قام بها «حزب الله» في منطقة شبعا، أربكت المسؤولين الإسرائيليين الذين لم يردّوا عليها، ووجّهت رسائل إلى مَنْ يعنيهم الأمر، بأنّ الحزب في جهوزية لفتح أكثر من جبهة في آن واحد. وعلى الرغم من هذه العملية، فإنّ المعطيات التي تمكّنت جهات لبنانية وإقليمية ودولية من جمعها، بما في ذلك قوّات «اليونيفل»، أكدت أنّ لا قرار بفتح جبهة الجنوب، سواء من جهة «حزب الله» أو من جهة الكيان الإسرائيلي.
سقوط طائرة آراد
وفي العودة إلى تفاصيل سقوط طائرة آراد، فإنّ سرباً من طائرتين من نوع «فانتوم» كانتا تُغيران على جبل الحليب والأشرفية في المية ومية وشرقي صيدا (بعد ظهر 16 تشرين الأول 1986)، في صورة أصبحت مألوفة بشن العدو غارات جوية على أكثر من منطقة ومخيّم في لبنان في ذلك الوقت، لكن المفارقة في هذا العدوان كان أنّ إحدى الطائرتين أُصيبت، ما أدّى إلى اشتعال النيران بأحد أجنحتها، وكانت تحلّق على ارتفاع 7 آلاف قدم، قبل أنْ يقفز منها الطيّاران. وبعد ثوان قليلة كانت تنطلق طوّافات «كوبرا» من جهة البحر وتبدأ بحملة تمشيط، وكانت رشاشات المروحيات تطلق نيرانها في محيط المنطقة التي سقط فيها الطيران، قبل أنْ تنفجر الطائرة وتسقط في منطقة وادي طنبوريت قرب درب السيم.
وعلى الفور سارعت قوّات الاحتلال الإسرائيلي إلى محاولة إنقاذ ملاحيها يشاي أور ورون آراد، حيث ضربت طوقاً أمنياً وحرّكت ثلث قوّاتها الجوية بين الأوّلي شمالاً والزهراني جنوباً، وصولاً إلى إقليم التفاح شرقاً، وكثفت من زنّار النار في دائرة 2 كلم في المنطقة التي سقطت فيها الطائرة، وتمكّنت الطائرات الإسرائيلية بفضل طوقها الناري من إنقاذ الطيّار أور، الذي وفق شهود عيان أعطى إشارات من مسدّس ضوئي خاص إلى الطائرات الإسرائيلية، التي دفعته عبر الهواء إلى وادي المطيرية في منطقة وعرة، قبل أنْ ترمي له سلّماً تمكّنت عبره من إجلائه.
واستمرت في محاولة لإنقاذ الطيّار آراد، لكن كثافة النيران التي كانت تُطلق باتجاهه، حالت دون ذلك، حيث سقط في مظلّته ووقع في قبضة عناصر حركة «أمل»، التي كانت تسيطر على الضفة الجنوبية لنهر سينيق، ولم تتمكّن الفصائل الفلسطينية من الوصول إلى «الكنز الثمين».
أما عن كيفية إسقاط طائرة آراد، فقد تعدّدت الروايات لجهة:
- أنّ مقاوماً فلسطينياً أسقطها بإطلاقه صاروخ «سام» يُطلق من على الكتف، فأُصيب أحد أجنحتها قبل أنْ تتهاوى.
- أنّ الطائرة أُصيبت بمضادّات أرضية.
- أنّ الطائرة أُصيبت بقذيفة «أر.بي.جي.» مع المضادّات الأرضية.
وفور وقوع الطيّار آراد في قبضة حركة «أمل»، جرى نقله إلى منطقة آمنة حيث كان لا يزال على قيد الحياة وكانت يده مكسورة ومُصاباً بنوبة هستيرية ويرتجف من الخوف.
وعند السابعة مساءً، أُبلِغَ رئيس حركة «أمل» نبيه بري بأنّ «الكنز أصبح في عهدة الحركة»، فجرت اتصالات بين الرئيس بري ومسؤول حركة «أمل» في منطقة الجنوب آنذاك – محمود فقيه، وتم نقل الكنز فوراً إلى بيروت، حيث وُضِعَ في صندوق إحدى السيارات، وكانت هناك حواجز على الطريق باتجاه بيروت، خاصة لـ «الإدارة المدنية» التابعة لـ «الحزب التقدّمي الإشتراكي» في إقليم الخروب، فضلاً عن حواجز سورية، وتمكن المسؤول العسكري لحركة «أمل» في منطقة الزهراني أمجد غدار من إيصال «الكنز» إلى مسؤول الأمن المركزي في حركة «أمل» – آنذاك - مصطفى الديراني «أبو علي»، حيث خضع آراد لمعالجة سريعة ليده المكسورة، وجرى خلع بزّته العسكرية وتفتيش أغراضة وسحب جميع الأوراق والمستندات حتى لا يكون بينها ما يشير إلى مكان وجوده ويعطي إشارات للعدو عن ذلك، وأُلبس بيجامة رياضية.
بعد هذه المهمة، جرى نقل آراد إلى أكثر من منطقة في بيروت والضاحية الجنوبية، وكان تحت قبضة حركة «أمل» قبل أنْ يعلن الديراني انشقاقه عن الحركة في ربيع العام 1988، ويشكّل «أمل المقاومة المؤمنة»، وينقله الديراني إلى سهل البقاع، حيث تعدّدت الروايات حول مصيره، ومنها التي تحدّثت عن أنّه ليل 4–5 أيار 1988 نُفِّذَتْ عملية كوماندوس إسرائيلية ضد إحدى قواعد «المقاومة المؤمنة» في ميدون، ما أدّى إلى إصابة عدد كبير في صفوف المقاومين، اختفت بعدها آثار آراد، ومنها التي تقول بأنّه في تلك اللحظة حاول الهرب، لكن أحد الحرّاس أطلق عليه النار انتقاماً لمقتل أحد أقاربه في العملية الإسرائيلية، ولكن في تلك اللحظة الواضح أنّ آراد أفلت من أيدي الديراني ولم يُعرف مصيره، أهو لا يزال على قيد الحياة أم إنّه توفي في تلك المعركة أو بفعل مرض ما؟!
آراد مقابل الدبلوماسيين الأربعة؟
كثرٌ يربطون مصير الطيّار آراد بمصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختفت آثارهم خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، حيث يسعى الاحتلال للحصول على معلومات بشأن الطيّار آراد خاصة خلال عمليات التبادل المتعدّدة، التي كانت تُجرى بينه وبين «حزب الله» عبر الوسيط الألماني غيرهارد كونراد، الذي فُوِّضَ من قِبل الأمين العام لـ «الأمم المتحدة» بان كي مون بوضع الترتيبات اللوجيستية الميدانية لعملية التبادل بينهما من خلاله، والتي تمّت في تموز 2008، وأفضت إلى الإفراج عن عميد الأسرى العرب سمير القنطار، و4 من معتقلي «حزب الله» لدى» إسرائيل» فضلاً عن الإفراج عن أسرى إسرائيليين ورفات العديد من الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين والمناضلين في صفوف الثورة الفلسطينية.
ولكن، وعلى الرغم من أنّ الاحتلال كان يطلب معلومات عن آراد، لكن لم يتم تحديد مصيره، حيث بقيت المعلومات التي يتلقّفها العدو الإسرائيلي متضاربة، سواء بالحديث للحصول على لعاب منه، أثبتت الفحوصات عدم صحته أو أساليب أخرى، ويمكن الجزم بأنّ الرسائل الثلاث التي أرسلها آراد إلى عائلته مع الصورتين اللتين التقطتا له وهو في الأسر، كانت في العام 1988، قبل أنْ تفقد بوصلة تحرّكاته.