حكاية اخيرة قبل النوم......

فتاة صغيرة .. تستمع الى حكاية اخيرة قبل النوم ...بشغف وانصات رهيب .... برهة من الوقت صمتت الجدة ..تتامل السقف واركان تلك الغرفة الصغيرة... وتمسد شعر حفيدتها .. تعلم انها تنتظر منها قصة مثيرة .. تشبه قصة الذئب والعجوز ..لا تعلم ان العجوز سبحت في بحر افكارها .. ذاكرتها البعيدة ..كبعد السماء والنجوم .. سرعة الزمن والعمر .. بالامس القريب كانت صبية صغيرة لم تتجاوز الخامسة عشر .. حينما زفت عروسة مشيا على الاقدام .. الى حيث مصيرها الجميل .. في خيمة من سعف النخيل .. تتذكر ان الوقت حينها كان شتاء.. خجولة لدرجة انها كانت تتمنى ان تتوارى عن انظار بنات القرية في صباح يوم العرس .. اشبعت من عبارات الاطراء ..بعثت في نفسها حماس ولهفة .. منذ اليوم الاول .. صنعت طعاما لزوجها رحمة الله عليه .. جلست بقربه وهو يتناول الطعام .. يبادلها اخبار وسوالف القرية .. اعجبت فيه كثيرا .. خاصة انه كان مهتما بمظهره ..الخنجر لا تفارق خصره .. وكذلك عمته ..عصاه.. مر العمر سريعا .. رزقت بابناء وبنات .. هدية الحياة وزينتها .. رغم الامية .. وفقدان نصيبها من التعليم ...رأت في ابناءها العوض .. لذا لم تتهاون في تشجيع ابناءها لاهمية العلم .. كانت حريصة على حضور مجلس العصر مع نساء القرية .. فرصة لتبادل الاخبار ... ونوبات الضحك .. تنزعج حينما تتشابك اصوات النسوة ..ويرتفع رتم الهرج بينهن.. يزعجها احيانا شرب القهوة لاكثر من فنجان .. كما كانت حريصة على النهوض باكرا في الفجر .. تجهز الخبز والافطار .. تتطعم حيوانات الدار .. تمشي الى البستان الصغير لتقطف شيئا من ثمار الليمون ..وتتامل طلع النخيل ..واشجار المانجو المزهرة .. تحضر الماء من بئر القرية في آنيه معدنية .. بكت كثيرا حينما قرر الزوج السفر .. شعرت بالوحدانية .. المرارة ..سلمت بالامر .. تحلت بشيء من القوة .. سافر لبلاد العالي .. اعتزلت غرفتها ..بعد ان ودعته .. وداعا اخيرا ... رحل عنها .. للتتحمل بنفسها مسؤولية المنزل والابناء .. رافقه اثنان من بني جنسه.. لاتعلم انه ودعا اخيرا .. وسفرا بلا عودة الى الوطن ..لم يمض وقت طويل .. ترددت اخبارا وشائعات عن غرق السفينة ..تواترت الانباء .. بسبب اعصار .. لم تصدق الامر .. لم تستوعب ما حدث .. كانه ضرب من الخيال .. يراودها املا بعودته في اي لحظة .. اكثر من عشرين عاما ..لم تفقد الامل .. فهو لا يزال يعيش في خيالها .... لا تزال تحتفظ بخنجره وعمته وعصاته ..صورته تتوسط جدار غرفتها .. تتامل عباراته الخالده في مسامعها ..تتردد في اركان ذاكرتها .. تنزق كلما طرق طارق لباب الدار .. لا يعمل بحالها الا حالها .. كما نزقت بانامل حفيدتها تمسح شيئا من دموعها .. تسالها عما يبكيها ؟..لم تشأ جوابها .. اكتفت بمسك كف الصغيرة الدافيء .. طلبت من الصغيرة ان تنام .. فالليل طويل ..احلاما جميلة تنتظرها..في مكان لم تراه من قبل ..

بقلمي/ ناصر الضامري