كل أشكال الألم تذكرنا بهشاشتنا وضعفنا البشري، وعلى الرغم من أنه تحذير مزعج وعدواني إلا أنه علامة التحذير الوحيدة التي تساعد الأطباء في التعرف إلى وجود المرض.

يباغتنا إحساس فظيع بالوحدة، فيخيّل إلينا بأن العالم على سعته خالياً وأننا بمفردنا، فيكون شاسعا مخيفا وفي مواجهة غير متكافئة مع عدو غامض وشرس يمكث في الظلام، من دون أن نجد إلى جانبنا من يخفف عنا وحشتنا. حين تحاصرنا هذه الأحاسيس فنحن في الغالب نواجه ألماً جسدياً، بسبب مرض مزمن أو طارئ يتعذر علاجه أو يطول مكوثه ضيفاً ثقيلاً على ساعاتنا، لتتحول هذه الساعات إلى أيام أو شهور، حتى تخفت معها تدريجياً نظرات العطف التي يهديها لنا الآخرون كنوع من الشفقة، حيث يمضي كل إلى انشغالاته اليومية، وفي النهاية لا تبقى سوى الوحدة وضجيجها. في هذه الأوقات المصيرية، نزداد يقينا بتفاهة هذا العالم، بعد أن يتبدى عجزنا وقلة حيلتنا.

كل أشكال الألم تذكرنا بهشاشتنا وضعفنا البشري، وعلى الرغم من أنه تحذير مزعج وعدواني إلا أنه علامة التحذير الوحيدة التي تساعد الأطباء في التعرف إلى وجود المرض، ولولاه لفتكت الأمراض بأجساد البشر وأودت بهم إلى التهلكة من دون أن يعوا ذلك. مع ذلك، فإن كل ما نواجهه في ساعات الألم الطويلة قد يتجاوز أحيانا قدرتنا على التحمل، فالألم ببساطة هو تقييد لحرية الإنسان في ممارسة حياته الطبيعية وحجر عثرة في طريقه خاصة إذا طال أمده واشتد، حيث يبدو لنا وكأنه كائن غامض قد استلب منا حقوقنا دفعة واحدة من دون وجه حق أو منطق مقبول، لتتشوش رؤيتنا ويمتد وجوده في دقائق حياتنا وتفاصيلها، ساعات متواصلة من الليل والنهار.

يصبح الشخص المريض على حين غفلة، أسيراً لهذا الكائن الصامت الذي يكمن في أحشائه، لتتحرك أفكاره بدافع من الألم، الأفكار التي تحاول انتشاله من المعاناة الشديدة، الأفكار التي تحاصره بالأسئلة دائماً: لماذا يحدث هذا معي، لماذا أنا بالذات؟ ومتى يتوقف كل هذا الألم؟

عندما نكون في مواجهة المرض، تقتحم المعاناة حياتنا الهادئة فتجعلنا في مواجهة سؤال آخر مهمّ وجوهري لم نكن نجد الوقت له، ونحن في خضم رحلتنا لتحصيل النجاح والمعرفة، السؤال البسيط العميق: ما هو هدف الحياة وجوهرها؟ وهل سيمنع المرض استمرار حياتنا، هل سيعطلها، هل سيوقفها؟

من محنة إلى محنة ومن اختبار إلى اختبار، سنرى الحياة بمنظار جديد يساعدنا في الكشف عن ذواتنا.

بالطبع، لا يوجد ألم أكبر من ألم الموت وإحساسنا بالعجز حياله، وعدا ذلك، فكل شيء قابل للتفاوض وكل ألم محتمل، ربما سنعتاده، فتتبلد مشاعرنا ليتحول إلى أمر طبيعي، وربما سننتفض مثل عصفور جريح ونعلن غضبنا، الأمر سيان.

في اللحظة التي تستفيق فيها من الألم الذي حاصرك طويلاً، في هذه اللحظة بالذات، تدرك مدى تفاهة صراعك مع الآخر، معاركك الوهمية مع الحياة، ومدى بلادة أفكارك عنها، الحياة التي كانت معلقة ببساطة في غرفة معتمة لا تسمع فيها سوى أنين المرض ولا ترى فيها غير تفاصيل الألم وهو يعتصر ملامحك. هذه هي اللحظات الحقيقية الوحيدة في حياتك؛ لحظات الألم ورغبتك المستميتة للتخلص من قبضته، ومتى ما تم لك ذلك، فهذا هو النصر الوحيد الذي يمكن أن تطمح إليه، أما ما عداه فهو محض تفاهات.

فما أكثر هشاشتنا وضعفنا!

منقول،،،