المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع مغسل الاموات



غسان الروشدي
13-06-2015, 01:29 AM
من نِعم الله سبحانه وتعالى، وربما من علامات حبه لك،
يسخرّ لك من يذكرك به ،ويوعظك فيه لا سيما في هذه الايام المباركه.
إلتقيت ذات يوم بمغسّل للأموات الذي غالبا ما نشعر باليأس والتشاؤم تجاههم،
كون مهنتهم لا تتعدى ان تكون تعامل مع جثث هامدة لا تقوى على الحراك.

اخذ يحدثني عن حاله في تلك الغرفة الضيقة التي يمارس بين جدرانها مهنته.
غرفة ينسال منها ماء وسدر وكافور غُسّل به وحُنّط به اخوة واحباب واصدقاء لنا.
غرفة لو نطقت لعبّرت بأقسى معانِ الحزن والفراق.
غرفة ابوابها تعاني الم الداخلين منها وتحمل بين جنباتها غصة الحنين ولوعة الشوق.
غرفة جدرانها تحكي مرارة العيش عقب فقدان المحب لمحبوبه والاب لأبنه والصديق لصديقه.

عقب التأمل فيه وفي دار مهنته، طلبت منه ان يحدثني بأمور لا نعلمها انا وانت،
يدركها فقط اواخر من يتعامل مع عالم الاموات.
تحدث بحرقة والم،، ولسان حاله ينطق بحال من يُطرح دوريا بين يديه:

فجاءني رجل منهم فجردني
من الثياب وأعراني وافردني
وأودعوني على الألواح منطرحا
وصار فوقي خرير الماء ينظفني
واسكب الماء من فوقي وغسلني
غسلا ثلاثا ونادى القوم باكفني.

قال :
لا اقول لعنة، ولا اقول غضب من الرحمن؛ بل هي اقدار،
او ربما مقادير ساقت بني آدم الى هذه الاوضاع.
يقول منذ زمن بعيد لم اغسّل ابن الخمسين او الستين،
لم اغسّل عجوز قد شب شعره واحدودب ظهره.
من اغسلهم ابناء الخمسة عشر والعشرون.
يسوقونهم اليّ في اكياس ممزقين
منهم من اختلط عظمه بلحمه، ومنهم من يأتي براس مبتور
ومنهم من يأتي بنصف رجل وبدون يد.
يقول: آخر من جيئيء به غلام لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره
يُقال بأنه توفي بحادث في دراجته النارية، ورغم معرفتي ودرايتي
وخبرتي الطويلة في مجال تغسيل الموتى وتكفينهم
إلا انني والله عجزت ان اغسل تلك الجثة،
بل ليست جثة انما اشلاء اُوتيت بها لأضعها في تلك الخرقة البيضاء.


شتّان والله شتّان بين من يُوتى به ليقال توفي على سجادته
او بين مصحفه او متجها لبيت الله الحرام،
وبين من يُؤتي به ممزق البدن كـتمزيق السباع لفرائسها.
يحدثني وانا اكفكف الدمع، لا ادري هي دموع حزن على تلك الأجساد الممدة على الالواح يوم بعد يوم لتُجّهز للسفر الأخير،
ام هي دموع خوف من ان اكون يوما بين يدي هذا المغسّل.
ودعته بقبلة على جبهته واشهد بأنه زودني بجرعات العضة والعبرة.
اقولها على لسان موسى
" يا قوم انكم ظلمتم انفسكم"
حوادث مرور هنا وهناك..ادمغة وجوارح ممزقة على الشوارع والطرقات..بكاء وزفرات من الأطفال والأمهات.
اقولها بحِرقة:

#كفى

صدى صوت
13-06-2015, 09:10 PM
نسأل الله حسن الخاتمه .. شكرا اخي غسان للطرح المثري

نور العيون 2013
14-06-2015, 08:40 AM
نسأل الله حسن الخاتمه ..

يعطيك العافيه..