المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التاجر علي



الجليد المتحرك
18-11-2014, 10:37 AM
التاجرعلي-قصة واقعية


كعادته دايما يستيقظ من النوم قبل صلاة الفجر، يخرج الى حوش الدار يتجه للبئر يبحث عن الدلو، ويتمتم بكلمات هي نفس الكلمات كل يوم ، أين أخفيتم الدلو، يحرك رأسه كعلامةعلى الضيق من تصرفات أهل البيت الذين يحركون الدلو عن مكانه المعتاد،يمسك به ثم يلقيه ليترتطم بصفحة الماء ليحدث ذلك الصوت الشجي صوت ماء البئر الذي لم نعد نسمعه الآن.انتقل التاجر على مع بقية التجار من السوق القديم بجوار قصر السلطان غرب مدينة الحافة ،في العام 1970 بعد ان أبلغهم العسكري أن السلطان أمر بإزالة هذا السوق لتوسيع الساحة الأمامية للقصر، وأتخذ التاجر علي مكانا له في شارع الشروق لممارسة تجارته في بيع العطور. كان أثناء خروجه في الصباح من بيته المجاورلشاطيء البحر ( بحر العرب)أو ما يعرف بالمحيط الهندي ، ينظر لطيور النورس تحلق فوق رأسه ومن أمامه ومن خلفه ويقول في نفسه مخاطبا لطيور النورس ليتني أحلق مثلك لأصل الى الهند لأبتاع مزيدا من العطور.كان هذا الحلم يرواده بين الحين والآخر، ظل يعمل بهمة لا تعرف الكلل وبعد سنوات من البيع وشراء العطور من التجار القادمين من الهند ومدينة عدن في اليمن ، استطاع تجميع مبلغا من المال ، في أحد الايام بينما هو بدكانه ينظرالى بعض الرفوف الخالية وقد علاها التراب ، تذكر الصندوق الصغير الذي لا يعرف احدا مكانه غيره ، سحبه ووضعه في حجره بعد أن مسح التراب الذي علاه. فتح الصندق ، نظر الى المال بين يديه وفغر فاه عن ابتسامة رضى وبرقت عيناه وجال بنظره في دكانه وتخيله وقد أمتلأ بأصناف العطور الهندية ، ثم حمله خياله الى شواطيء الهند وبدأ يتنقل في حلم اليقظة من دكان الى آخر ،ثم عاد سريعا من حلمه الى دكانه حيث لا زال قابعا ينتظر احد يدخل دكانه لشراء شيئا من العطور،في مساء هذا اليوم عاد الى البيت بعد أن أغلق دكانه الصغير متأخرا عن الوقت المعتاد ،و حمل معه صرة المال الذي جمعه طوال تلك السنين ، لم يكن مبلغا كبيرا لكنه كان يكفي لشراء صنفين أو ثلاثة اصناف اخرى تملاء تلك الارفف الخالية التي علاها التراب منذ فترة طويلة ، قال في نفسه لقد اتى اليوم الذي كنت انتظره طوال السنين الماضية ، وجاء اليوم الذي ودع فيه أهله وذهب يحمل السحّارة وهو صندوقا من الحديد قد وضع داخله ملابسه ومجموعة من أقراص الخبز الرقيق والثخين وتوجه الى مكان حمل المسافرين وهو ما يعرف (بالفرضة)وأقترب من (الصنبوق) القارب الذي سوف يحمله من الشاطئ مع مجموعة من المسافرين الى ( الخشبة) وهي السفينة المحلية التي تصنع في مدينة صور الساحلية ، كانت هذه السفن هي وسيلة التواصل بين شواطئ الهند وشواطيءعمان.أبحرت الخشبة بمجموعة من التجار تحملها رياحا هادئة ، كان ينظر الى بيته يصغر أمام عينيه قليلا قليلا الى أن اختفى عن الأنظار .

كانت الخشبة قد أبتعدت الى المياه العميقة ، قام من مكانه وجلس بجوارمجموعة من التجار ، بدأ الليل يسدل أستاره والظلام يحلل رويدا رويدا حتى تحول البحر الى لجة سوداء ، ثم ما لبث أن تبدد ذلك الظلام الكثيف سريعا عن بزوغ القمرالتي أحالت صفحة البحر بتموجاته الى ذلك الضوء الحالم التي يتغنى به الشعراء والى تلك اللوحة الرائعة التي رسمتها ريشة فنان.استمرت الخشبة تبحر أياما وليال في راحة وهناء الى أن هبت رياحا شديده في اليوم السابع من الرحلة وجاء الموج من كل مكان ليرتطم بالخشبة من الأمام ومن الخلف ومن كل جانب وترنحت بين تلك الأمواج التي يكسر بعضها بعضا وبعض الأمواج العالية تصب جام غضبها داخل الخشبة لتحل الفوضى بكل شئ ، الخشبة تظهر حينا وتختفي حينا بين تلك الأمواج العاتية، والركاب كلا منهم قد تشبث بجزء من الخشبة والسنتهم تلهج بالدعاء لله أن ينجيهم من هذه العاصفة ، الأمواج تكاد تبتلع الخشبة الى أعماق سحيقه . صاح الربان بأعلى صوته على معاونية مبارك وسعيد ، أنزلا الشراع الآن ، لم يقويا على الامساك به ، كانت الرياح شديدة والأمواج عاتية تصفع وجوهم وأجسامهم من كل جانب . قام اليهم بعض الركاب لمساعدتهم واستطاعوا بعد صعوبة بالغة من انزال الشراع. هدأت حركة الخشبة قليلا لكن الأمواج لم تهدأ بعد ، الخشبة تتأرجح تحت قصف الأمواج العاتية ، رفعوا اياديهم الى السماء يدعون الله وعيونهم تذرف الدموع لله أن يكتب لهم النجاة. التاجر على ينظر تارة الى السحارة التي تظم صرة المال الذي جمعه كل تلك السنين وهو يظن أنه سيذهب مع ماله الى قاع المحيط لا محالة، وتارة ينظرالى السماء ويضهر وجهه بوضوح والدموع تسيل على خديه عندما يلمع ضؤ البرق وقد اختلطت دموعه مع المطر الذي يواصل انسكابه على سطح السفينة ، ارفعت الأكف الى السماء القلوب تبكي والعيون تدمع فكانت الاستجابه من الله الذي أمر الرياح أن تخف والأمواج أن تهدأ ، وقام الركاب يتفقدون أغراضهم وينزحون الماء من قاع الخشبة . حمدوا الله على سلامتهم وبقت الخشبة في مكانها لم تتحرك الى أن بزغ الفجر ، قام الربان ومعاونية برفع الشراع مرة اخرى وابحرت الخشبة في رياح هادئة الى أن وصلوا بعد يومين من الأعياء الشديد الى ميناء حيدرأباد.

نزل التاجر على ومن معه من التجار ، استاجروا نزلا قريبا من السوق ، في صباح اليوم ا لتالي تجول التاجرعلي في السوق يدخل دكانا ويخرج الى الآخر،يبدوا على وجهه الدهشة والحيرة لأنواع العطور التي لا يحتوي دكانه الصغير على مثلها ، تمنى لويستطيع شراء ما تراه عيناه ، لكن أنا له ذلك ونقوده القليلة لا تكفي الا لكرتونين أو ثلاثة من العطور المتوسطة والرخيصة . وبينماهو في تجواله يفكر كيف وماذا يشتري ، اذا به يلمح أحدهم داخل دكانه ويبدوا على وجهه سمات الصلاح والإيمان ذو لحية بيضاء تزيد وجهه بهاءا ونورا. دخل الى المحل وسلم عليه، وأخبره أن قادم من عمان ويريد شراء بعضا من العطورليتاجر بها في بلده . قال التاجر الهندي ، مرحبا بك ، هذه العطور أمامك فاختر منها ما تريد. كان يجيد التحدث باللغة العربية.تجول التاجر علي في المحل ، واختار مجموعة قليلة من العطور التي يستطيع شراءها بالمبلغ الذي لديه. نظراليه التاجر الهندي باستغراب . وقال له - ماهذا يا أخ على ، ألم تعجبك بضاعتنا ؟ -بلى أعجبتني كثيرا ولن أجد أفضل من هذه البضاعة لكنني أشتري بالمبلغ الذي لدي.- وهل طلبت منك مالا؟ ، خذ ما تريد ، أنك لم تأتي من بلاد بعيدة للتجارة ، ثم تكتفي بهذا العدد القليل من العطور ، يجب أن تأخذ كميات أكبر وأصنافا أخرى إذا كنت تريد الربح. هذه الكمية التي اخذتها لن تغطي تكلفة رحلتك للهند . - خذ يا أخي كمية أكبر وعندما تبيعها في بلدك ارسل لي قيمتها.- وكيف تضمن أن ارسل لك قيمتها وانت لا تعرفني الا أنني قادم من عمان.- رد عليه التاجر بكل ثقة فلوسي سوف تأتيني رضيت أم أبيت .شعرالتاجر علي بشي من الخوف من التاجر الهندي ، وقال في نفسه ، لما هو متأكد هكذا ،لا يكون ..... لا لا لايمكن أن يكون كذلك . هذا الوجه الوقور لا يمكن يتعامل بالشعوذة ، استغفر الله . - مالك ساكت يا أخ علي، الا تريد شراء المزيد من العطور .- نعم أريد . -اذا أختر منها ماتريد .قام التاجر علي باختيار أنواع أخرى من العطور وكميات أكبر . قال له التاجر الهندي تعال غدا لتستلمها في كراتين مربطة وجاهزة لتشحنها في السفينة التي ستعود بك الى بلدك.شكرالتاجر على صاحبه وذهب الى الفندق وهو غير مصدق أن هذا التاجر سوف يعطيه كل تلك الاصناف من العطور دون أن يدفع قيمتها بالكامل.

في صباح اليوم التالي عاد التاجر علي الى دكان التاجر الهندي وأندهش عندما رأي مجموعة من الكراتين مسجل عليها اسمه ، قال في نفسه هل أنا في حلم ام في علم ، أيعقل أن آخذ كل هذه البضاعة دون أدفع قيمتها في الحال ، حتى أقرب الناس لي لا يمكن أن يقوم بذلك . عند دخوله للدكان رحب به التاجر الهندي ، ودعاه لمشاركته وجبة الفطور وأخبره أن البضاعة جاهزة لحملها على ظهر الباخرة التي سوف تتوجه الى عمان.شكرالتاجر علي صاحبه على كرمه وثقته وطلب منه إحضار دفتره لتسجيل المبلغ الذي عليه . لم تكن دهشة التاجر علي الثانية أقل من دهشته الأولى عندما رد عليه التاجر الهندي، لن أسجل شئ عليك ، عندما تبيع البضاعة أرسل لي فلوسي ، هذا كل ما في الأمر.- جزاك الله خير وباركلك في أموالك ولكن أنت لا تعرف الا اسمي وبلدي التي أتيت منها كيف تثق أنني سوف ارسل لك اموالك وليس بيننا أي مكاتبات.-اموالي سوف تأتيني شيئت أم ابيت . وهذا ما أخبرتك به سابقا.هنا بدأ القلق يتولد مرة أخرى لدى التاجر علي ، من يكون هذا الرجل ، لعله مخادعا أو وراءه امر ما، وإن كان يستبعد الأمر الأول لما يرى على وجهه من علامات الصلاح ، وكذلك ذكر الله الذي لايفارق شفتاه. - مالذي يجعلك متأكداهكذا أن فلوسك سوف تصلك وأنت لا تعرفني من قبل . - يا أخ على أذ لم ترسللي فلوسي في الدنيا سوف تأتيني في الآخرة، هذا كل ما في الأمر. نظراليه التاجر علي نظرة رضى وقال له زادك الله من الأيمان.

أطمأن التاجر على وسافر الى بلده بعد أن شكر التاجر لصنيعه. وكان صادقا مع صاحبه الذي وثق به ، فكلما باع ارسل اليه النقود ، وأستمر الحال بينهماهكذا سنوات وراجت تجارته وأصبح من التجارالمشهورين في ظفار في بيع العطور. وفي أحد الأيام بينما هو في محله اذ تلقى اتصالا من الهند من أبناء التاجر يخبروه بأن والدهم توفاه الله وأنه كتب وصية وأمر ان لا يفتحها أحدا إلا أخيه علي التاجر العماني . حزن التاجر على لخبر وفاة صديقه الوفي ، وسافر للفور الى الهند ،وبعد أن قدم العزاء لأسرته ، أتوا اليه بالوصية وفتحها وقرأ ما بها وبكى بكاءا شديدا وسط دهشة أبناءه الذين لا يعلمون الى الآن ماذا كتب والدهم في هذه الوصية التي جعلت العم علي أو التاجر علي يبكي هذا البكاء الشديد ، بعد أن ترحم عليه قرأ عليهم الوصية ، والتي كان فيها من العجب مافيها ، لقد كتب في وصيته نصف ثروتي لأخي وصديقي علي التاجر العماني والنصف الأخر أطلب من أخي على أن يوزعها بين أبنائي . غطى التاجر على وجهه بشماغه وبكى وعلا نحيبه ، بعد أن هدأ قليلا توجه الى أبناء التاجر مترحما على أبوهم الذي كان له نعم الأخ ونعم الصديق وقال لهم رحم الله والدكم وبارك الله لكم في اموالكم ،أن كان أحدا عليه أن يوزع نصف ثروته ، كان أنا الأولى أن أوزع نصف ثروتي عليكم وبدأ التأثر عليه مرة اخرى وأسهب في البكاء ، وبكى أبناء التاجر الهندي واسرته فقد أثار شجونهم وحزنهم ، حاول أن يتماسك قليلا وبكلمات متقطعة ودموع تسيل على خديه ،قال لهم هذه الثروة التي أمتلكها هي بفضل الله أولا ثم بفضل والدكم رحمه الله. ثم قام الى المال ووزعه عليهم بالتساوي كما حدده الشرع. ومكث عندهم فترة من الزمن يطمأن على أحوالهم ثم أستأذنهم في العودة الى بلده وهو يحمل بين جنبية صداقة واخوة لا يمكن أن يمحوها الزمن.وأستمر يتواصل معهم ويزورهم بين فترة وأخرى حتى توفاه الله. وبقى دكانه قائما في شارع الشروق بالحافة شاهدا على هذه الصداقة التي جمعت بينه وبين صديقه الهندي. انتهت

روح الحلا1
19-11-2014, 01:21 PM
قصة رااائعة،،،
نعم الصداقة..
بورك مسعاك أخي

القيصـــــر
19-11-2014, 03:04 PM
من أروع ما قرأت مثالاً على الصداقه والوفاء
لك جزيل الشكر على الطرح الأكثر من رائع
يستحق النجوم الخمس ،،

الجليد المتحرك
19-11-2014, 04:14 PM
من أروع ما قرأت مثالاً على الصداقه والوفاء
لك جزيل الشكر على الطرح الأكثر من رائع
يستحق النجوم الخمس ،، a;v شكرا أخي عابر سبيل على استحقاقي للخمس نجوم ، هذا شرف اعتز به وخاصة من كاتب مثلك

بنت االعرب
19-11-2014, 06:37 PM
قصة جميلة
يلمت الأنامل
تحياتي لك

عملاق الشعر
19-11-2014, 08:22 PM
الجليد المتحرك

قصة راائعة اخي


سلمت الانامل المبدعة

نوارة الكون
20-11-2014, 08:00 AM
سلمت يمناك اخوي اختيار جدا متميز ربي يعطيك العافيه

الشيخه الفلانيه
20-11-2014, 08:23 PM
قصه جميله ، يعطيك العافيه :) '

نديم الماضي
23-11-2014, 10:16 AM
قصه كثير جميله أخي
يعطيك العافيه بالتوفيق لك..

قائد الغزلان
24-11-2014, 05:23 PM
***مساااء ورد اريج***

***ما شاااء الله..ها هي الصداقة الحقيقية***

***قصة مؤثره جدااا...وفقك الله ايهاا الكريم***

***وقلم يبشر بالخير***

***وااصل سوف نكون من المتابعين لك***

***بااارك الله فيك***